كل ما يجري من حولك

شواهد وعلامات لانحراف هذه الجماعات!

534

نجيب القرن

جماعاتٌ إسْلَاميةٌ عدةٌ يقاتِلُ بعضُها بعضاً، وكُلٌّ يَرفَعُ المصحف، وكلٌّ يملكُ شعاراتٍ تُنسَبُ للإسْلَام، حتى اختلط الحابلُ بالنابل، ولم يستطع الكثير من الناس تمييزَ الحق من الباطل كما يقولون، ففضلوا الحياد!.

في الـيَـمَـن أكبر حزب إسْلَامي التجمع الـيَـمَـني (إخوان) وعدد من الجماعات التكفيرية والجهادية، جميعُهم اليوم يصطفون في جبهة واحدة تجمعوا سابقاً ولاحقاً برغم اختلاف الأيديولوجية الفكرية؛ ليقفوا ضد أنصار الله! سواءٌ في المواجهات الداخلية التي جرَت في بعض أماكن أَوْ اصطفافهم مؤخراً بجانب الغزو الخارجي من قبل المملكة السعودية وحلفائها، جمعتهم بعضُ مصالح وغايات شخصية وحزبية جُبِلُوا عليها لعدم امتلاكهم مشروعاً حقيقياً تحررياً يلبي غاية أبناء الوطن، فمشروعهم الغالب يصب في إصلاحات جزئية وفردية مؤقتة تشبه المسكّنات، كمشاريع التمويل الأصغر وتوزيع لحوم الأضاحي والهبات والصدقات والتي لا تؤسّس لنهضة في البلد، بل على العكس تساهم في تفتيت واتكالية المجتمع لينتفعَ منها في الأخير فئةٌ معينةٌ هم أبناء الحزب أَوْ الجماعة فقط.

القتال بين مسلمين موحدين كيف يحدث؟، وكيف يمكنُ لمسلم أن يقاتل مسلماً؟، يحتاج لبحث منهجي يستند لشواهد عدة ورجوع للوقائع التأريخية، خَاصَّــةً تلك التي حدثت بعد خير العصور كما يطلق عليه بعض المؤرخين وهو عصر الخلفاء، فمن الطبيعي جداً أن يحصلَ اختلافٌ واقتتال وأن ترى طائفة مسلمة تبغي على أخرى، فقد أخبر القُرآن بإمكانية حصول ذلك (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى…)، فالواجب على المسلمين (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)، إذن هناك قضية سماها القرآن بالبغي، وقتال البغاة واجب وأمر قرآني في حالة استمرارهم للبغي وعدم الاستجابة للصلح (فقاتلوا التي تبغي) لا كما حرّف تسميتها البعض سابقاً من المحدثين لسبب أنها وقعت في أزهى العصور، فأسموها حروب الفتنة! وعلى هذا المنوال ما زال الكثير يعبثون بالحقائق فيَحيدون عن مواجهة الباغي، والبعض وهم غالبية المنتمون للجماعات الإسْلَامية اليوم يقفون معه مباشرة دون أن يجربوا حتى موضوع إمكانية الصلح.

قضية ادعاء كُلّ طرف من الأطراف المتصارعة أنهم على الحق من ثم يستخدم كُلُّ طرف شواهد ودلائلَ دينية تدعم وجهته وأحقيته في القتال قضيةٌ لها جذورها القديمة، وقد نبَّه الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم إليها في الحديث المتفق عليه (عن أبي سعيد الخدري يقول: «كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها فمضى رسول الله ومضينا معه، ثم قام ينتظرُه وقمنا معه، فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنه قد سمعه) صحيحٌ على شرط مسلم. وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة. رقم الحديث: (2487).

لذا كان قتالُ الإمام علي في عصره قتالاً على التأويل وليس على التنزيل، مع مَن يدّعون الإسْلَام ولديهم أطماع دنيوية أَوْ يعانون من خلل في الفهم للمنهج الحق كالخوارج.

موضوعُ التأويل النصي للقرآن أَوْ الحديث وإسقاطه لصالح فئة بعينها مسألةٌ خطيرة جداً حدثت سابقاً وما زالت تظهر وتتكرر داخل الوسط الإسْلَامي لسبب رئيسي هو شهوةُ السلطة وإهمال تصحيح التراث الإسْلَامي وما علق به من أهواء وأخطاء نسبت لله وللرسول بهتانا وإثما، فشعار (الحاكمية لله) والذي رفعه الخوارج وهم جماعة مسلمة كثيرة العبادة حدّ التنطع لكنهم خرجوا عن صف الإمام علي وأطلقوها في وجهه ليبرروا موقفَهم حين قبل بالتحكيم قال الإمام علي عنها (كلمة حق يراد بها باطل)، وفي عصرنا هناك الكثير ممن يرفع هذا الشعار وغيره من الشعارات الإسْلَامية المزهنقة والجميلة والتي ظاهرُها حقٌّ وحقيقتها تأويل باطل، والغريب تصورهم واعتقادهم أنها من الإسْلَام فيستميتون ويبذلون مقابلها أموالَهم وأرواحهم.

هناك سؤالٌ في غاية الأهمية.. قد يقول قائل وكيف نفرق بين الجماعة التي على الحق من الجماعة التي تأول النصوص بحسب هواها وتستميلُ عاطفة الكثير من الشباب المتحمس للقتال معها؟

باختصار شديد ستجد شواهدَ عدة وعلامات كثيرة واضحة وضوحَ الشمس تبين تلك الطائفة التي تلوي عُنُق الحقيقة وعنق النصوص والروايات لصالحها.. من هذه العلامات أن تلكَ الطائفةَ لا تتورَّعُ من الركون للظلمة البيّن ظلمهم وطغيانهم، خُصُـوْصاً الحكام المدّعين للإسْلَام بل تجاهر بحبهم والاستعانة بقوتهم، كذلك هذه الجماعة تمضي دون قيادة حقيقية موحّدة، إذ تتنازعها قياداتٌ تحركها وتتقاتل في الأخير فيما بينها، وستجد أن المحرك الحقيقي والمتحكم بها في النهاية هو العدو الأكبر والأخطر للمسلمين جَميعاً، وقد رأينا مؤخراً كيفَ خرج وزير خارجية أَمريكا جون كيري بتصريحه الشهير المعبّر عن توجه الإدارة الأَمريكية للوقوف مع المملكة ضد الحوثيين كما جاءَ على لسانه ومن المعلوم والمؤكّد أن المملكةَ منذ البداية لا يمكن لها اتخاذ أيَّة خطوة إلا بعد إعطائها الضوء الأخضر الأَمريكي، أَيْضاً هذه الجماعات لا تولي مسألة الولاء والبراء أهميةً، ورغم خطورة هذا المبدأ ستراهم يؤوّلونه فقط بالبراءة من المسلم المختلف معه ببعض وجهات النظر! أما العدو الأخطر الواضح مؤامراته وخططه ستجدُهم أمامه على العكس يسارعون لإرضائه وعقدِ اللقاءات معه وتمتين العلاقات خُصُـوْصاً الاقتصادية والسياسية ويفسرون ذلك بالضرورة والمرحلية، والحقيقة أنهم على طول مراحل حياتهم وهم على هذا الخضوع والخنوع.

مبدأ الولاء والبراء فيه نصوصٌ ثابتة لا تحتملُ التأويلَ والمراوغة وإيجاد المخارج، لكنهم تماماً كما حكى القرآن عن طائفة المسلمين المنافقين (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضُهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم، فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) الذين في قلوبهم مرض الخوفُ وعدم الثقة بالله يبررون موقفهم كي لا تصيبهم دائرة أية مصيبة أَوْ شدة أَوْ قتل، وهذا هو بالفعل منطق هذه الجماعات.

هذه الجماعات متخبطة متلوّنة لا تحدد مسارها ووجهتها بوضوح يتنازعها، ويحركها الطواغيت من وراء ستار مع أن هذا الستار قد بدأ ينزاح حالياً ليتكشف اللاعبون من الأعداء الحقيقيون.

لكن كيفَ وصل المسلمون لهذا الاختلاف والاقتتال هل عائدٌ ذلك لصعوبة فهم الإسْلَام أم هناك خللٌ آخر؟!

القرآن كما أشرنا تحدث عن إمكانية وقوع البغي داخل المجتمع المسلم، فكثير من الناس مسلمين لكنهم غير مؤمنين حقاً (قالت الأعراب آمنا قُل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)، ومن المعلوم أن الكثيرَ من الناس بعد الفتح في صدر الإسْلَام دخلوا في الإسْلَام خُصُـوْصاً من الطلقاء وأبناء الطلقاء؛ لغرض وهدف ضرب الدين من الداخل، إما بالمواجهة أَوْ بالعبَث المنهجي كما حدث بعد تمكّنهم وحرف مسار الحكم ليصبح حكماً وراثياً.

من هنا كانت بداية حدوث الخلل الحقيقي أقصُد المنهجي بالذات، إذ تسرب هذا الخلل ووَجد من يتناقله جيلاً بعد جيل حتى وصل إلينا، فالذين مارسوا القتالَ والبغي سابقاً صحيحٌ أنهم لم يستطيعوا العَبَثَ بنصوص القرآن لكنهم اتجهوا أكثرَ لآلة الحديث لاختراع ونشْر مئات الآلاف من الروايات والأحاديث المكذوبة والمزوّرة لتثبيت دعائم مُلكهم وإمارتهم وجعلوا من هذه السُّنة المكذوبة تشريعاً آخراً وُصُولاً لجعلها شارحةً للقرآن، والقاعدة الصحيحة هو عَرْضُ الحديث على القرآن وليس العكس، ولا يعني هذا أنهم استطاعوا طمسَ السنة بأكملها فهناك الكثير من الروايات الصحيحة محفوظة وتناقلتها الأجيال، أقصد الروايات الصحيحة والتي لا تتعارَضُ مع العقل والقرآن المجمع عليها.

ما نشاهده اليوم للأسف في الغالب هو الإسْلَام الوراثي الذي ورثه البعضُ عن مدرسة معينة أَوْ مذهب بعينه وليس إسْلَام القرآن، ما نراه هو إسْلَامُ النصوص والروايات التي أفرزت على مر العصور الكثير من حمَلة السلاح ضد المجتمعات لمجرد اختلاف بسيط، إسْلَام النصوص التي أخرجت لنا أَيْضاً جماعات تدّعي الوسطية لكنها لا تتورع من مسالمة العدو الواضح حد الانبطاح المذل والمهين.

نحنُ إذن أَمَام مواجهة خلل منهجي لم يصحح إلى الآن يظل يتداولُ ليعبث بالكثير من أفكار وقناعات المسلمين وما نشوء الوهابية التي أساءت للإسْلَام في العصر الحاضر وبروزها وتسويقها لأكثر من دولة إلا نتاجُ ذلكم الكم الهائل من التراث الإسْلَامي المزور.

مقابل هذا الأمر الخطير والمتمثل بالخلل المنهجي لا توجد خطواتٌ جادة وعملية في العالم الإسْلَامي لمواجهته ووضع الحلول، من قبل الباحثين والعلماء ومراكز الدراسات الإسْلَامية والتأريخية، فقط قلة من العقلاء في العصر الحاضر يرون أنه لا حلَّ للخروج من مستنقع الخلل الفكري وهذا التشرذم والضياع والاقتتال سِوى بالعودة لمنهجية إسْلَام القرآن وقرنائه.

You might also like