عطوان: لماذا يُصَعّد “حزب الله” تهديداته باقتِحام الجليل مُجَدَّدًا هذه الأيّام؟
ما رسالة لكيان الاحتِلال بإجراءِ مُناورةٍ للمُسيّرات قُرب الحُدود الفِلسطينيّة الشماليّة؟ هل اقترب العُدوان على إيران؟ وكيف سيكون الرّد؟
عبد الباري عطوان*
تعلّمنا من التّجارب العمليّة السّابقة، والمُتابعة الدّقيقة لتصريحات المسؤولين الكِبار في “حزب الله”، وخاصّةً السيّد حسن نصر الله، أن التهديدات لا تصدر جُزافًا، أو من أجل الدّعاية و”البروباغندا” الإعلاميّة، وإنما لتوجيه رسائل دقيقة، للصّديق قبل العدو، وإظهار كُل وسائل الاستعداد للتصدّي لخطر يرونه قادما، وربّما وشيكا.
نشرح أكثر ونقول إن التّصريحات التي أدلى بها السيّد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لـ”حزب الله” لوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانيّة امس الاثنين ، وحذّر فيها دولة الاحتِلال الإسرائيلي من أن أيّ “زلّة” تأتي نتيجة حسابات خاطئة، سيكون الرّد عليها فوريًّا، ودُخول قوّات “الرضوان” الخاصّة والنخبويّة إلى مِنطقة الجليل، مُشيرًا إلى المُناورات الأخيرة التي أجرتها هذه القوّات في ذكرى انتصار المُقاومة قبل أيّام، كانت في إطار الاستِعدادات لاختراق الحُدود، مُضيفًا أن الجليل أرضٌ فِلسطينيّة مُحتلّة، ويجب أن تتحرّر وتعود إلى أهلها.
هذه التصريحات للسيّد صفي الدين الرجل القويّ في “حزب الله” وحامل المِلف العسكري، والمُقِل في الحديث لوسائل الإعلام، تعكس “أجواء حرب” في لبنان والمِنطقة عُمومًا، خاصّةً بعد المُناورات الإسرائيليّة الأضخم التي استمرّت أسبوعين، وشاركت فيها جميع الأسلحة البريّة والبحريّة والجويّة، وركّزت على سلسلة من الهجمات تُحاكي “عُدوانات” على أكثرِ من جبهةٍ، وخاصّةً إيران وجنوب لبنان وقِطاع غزّة.
مصدر لبناني مُقرّب من المُقاومة أكّد لنا أن “حزب الله” وقوّاته، وأسلحته الصاروخيّة والبريّة تعيش هذه الأيّام حالة من الطّوارئ القُصوى، استِعدادًا لمُواجهة أيّ عُدوان إسرائيلي مُحتمل، وكشف لنا المصدر نفسه أن سِلاح المُسيّرات في حزب الله أجرى مُناورة قبل أيّام شاركت فيها أكثر من ألف “مُسيّرة قُرب الحُدود الشماليّة لفِلسطين المُحتلّة ولم يتم تصويرها، أو الإعلان عنها في وسائل إعلام الحزب، وجاءت رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي، وتأكيدًا عمليًّا على تصريحات السيّد صفي الدين.
بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وجِنرالاته الذين يعيشون هذه الأيّام حالةً من “الهوس” اسمها البرنامج النووي والصّاروخي الإيراني وترسانة من 200 ألف صاروخ في حوزة “حزب الله”، باتوا يخشون من توصّل الولايات المتحدة إلى اتّفاق مع إيران يسمح برفع القُيود عن الأموال الإيرانيّة المُجَمّدة في العِراق وكوريا الجنوبيّة وأوروبا، مُقابل توقّف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبٍ عالية، وهذا تنازلٌ أمريكيّ كبير، وإذا صحّت هذه الأنباء سيُضاعف من حالة القلق في دولة الاحتِلال، وقد يدفع نِتنياهو للإقدام على هجماتٍ عُدوانيّة من أجل عرقلته، أو نسفه.
اللّافت أن تهديدات “حزب الله” التي بدأها السيّد نصر الله في آخِر خِطاباته، وأكّد فيها أن صواريخ الحزب ستضرب تل أبيب، وقوّات “الرضوان” ستقتحم الجليل، تزامنت مع رسائلٍ إيرانيّة مُباشرة تمثّلت في الإعلان عن إنتاج صواريخ “الفتاح” و”خيبر” بعيدة المدى، والأسرع من الصّوت 13 مرّة، ويُمكن أن تصل إلى تل أبيب في أقل من أربع دقائق ولا يُمكن التصدّي لها وإسقاطها.
الإعلام الإسرائيلي بدأ هذه الأيّام في الحديث عمّا يُمكن أن يُلحق بالعُمُق الاستيطاني الإسرائيلي من أضرار نتيجة شن أيّ هُجوم مُباغت على المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، أو قواعد “حزب الله”، فالرّد سيستهدف حتمًا البُنى التحتيّة الإسرائيليّة من ماءٍ وكهرباءٍ وموانئ ومطارات وتجمّعات بشريّة، ومن بين الخطط التي كانت موقع دراسة جديّة من قِبَل الجيش الإسرائيلي إجلاء جماعي للمُستوطنين من المناطق الشماليّة إلى المناطق الجنوبيّة كمَلاذٍ شِبه آمِن، وينسى واضِعُوا هذه الخطّة صواريخ القِطاع التي ستدخل إلى قلب المعركة حتمًا.
***
زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي “الاستجدائيّة” للسعوديّة أكّدت انحِسار النفوذ الأمريكي في مِنطقة الشّرق الأوسط لمصلحة التحالف الروسي الصيني الذي يزداد قوّةً واتّساعًا، ولعلّ فشل بلينكن في تحقيق تقدّم في مِلف التطبيع بين المملكة ودولة الاحتِلال، ووقف الانفِتاح الخليجي على سورية، وإقدام السعوديّة والدول الخليجيّة إلى جانب دُول عربيّة وإسلاميّة أُخرى بالالتِزام مجددًا باتّفاق “أوبك بلس” بتخفيضٍ جديد للإنتاج في تحدٍّ لأمريكا، كلّها مُؤشّرات لا تصب في مصلحة الكيان، وقد تدفعه إلى ارتكاب “حماقة” إشعال فتيل الحرب، وهي حربٌ قد تُؤدّي إلى زواله، لأنه لا يستطيع العيش في ظِل حالة القلق، والخوف والعُزلة التي يعيشها هذه الأيّام، وهذا ما يُفسّر تهديداته وتحذيرات المسؤولين الإيرانيين وذِراعهم القومي في جنوب لبنان، والكشف في الوقت نفسه عن أسلحتهم الصاروخيّة الجديدة، والإعلان عن اكتشاف ثاني أكبر مخزن لخام “الليثيوم” في العالم، الذي سيُؤدّي إلى تحويل إيران، إلى جانب امتِلاك النفط والغاز والصّادرات العسكريّة، إلى واحدةٍ من أغنى الدّول في مِنطقة الشّرق الأوسط ووسط آسيا، إن لم يكن أغناها.. واللُه أعلم.
* رأي اليوم