المجتمعُ الإنجيلي الأمريكي.. والكيانُ المؤقَّت
المجتمعُ الإنجيلي الأمريكي.. والكيانُ المؤقَّت
متابعات| تقرير*:
المجتمع الانجيلي – الصهيوني داخل الولايات المتحدة الاميركية أو الانجيليين الصهاينة، هي نتاج فوضى جماعات تحوّل المسيحي الإنجيلي إلى يهودي، التي تؤسس الكنائس، وتنشرالمبشرين وتهاجم مرتكزات الإيمان المسيحي، وتجعل من أتباعها تياراً يدور في فلك اليهودية وأداة لبلوغ مآربها السياسية، وهذه الجماعات وما تحمله من التسميات والشعارات ليست إلا ستاراً تختبئ وراءه الأصابع المُحرّكة، ولكن سرعان ما يكشفها ما تبثه من تعاليم، ومنها ما تجهر بتسمياتها وتعاليمها على حد سواء، مُسفرة عن الأصابع المُحرّكة وعن غايتها البعيدة في آن، ألا وهو تقويض المسيحية من داخلها.
إن الذين يقروُون التحيز “الإنجيلي الأميركي” لإسرائيل بعيون سياسية واستراتيجية، يغفلون عن حقيقة تاريخية على قدر كبير من الأهمية، وهي أن “الإنجيلية الصهيونية” سبقت “اليهودية الصهيونية” تاريخياً.
وتذكر المصادر التاريخية المكتوبة، أنه في العام 1844 وصل إلى القدس أول قنصل أميركي هو “وارد كريستون”، وكان من الأهداف التي حددها القنصل لذاته أن “يقوم بعمل الرب، ويساعد في إنشاء وطن قومي لليهود في أرض الميعاد”. وبذل كريستون “جهداً مضنياً” في الاتصال بالقادة الأميركيين لحثهم على العمل من أجل “جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود حتى يلتئم شمل الأمة اليهودية، وتمارس شعائرها وتزدهر”، كما ألحّ على القادة العثمانيين للتعاون في هذا السبيل دون جدوى.
وعلى نفس مسار “كريستون” جاء الرحالة الإنجيلي الأميركي “ويليام بلاكستون” الذي نشر كتاباً بعنوان “المسيح قادم” عام 1878 بيعت منه ملايين النسخ، وأثر تأثيراً عميقاً على الإنجيلية الأميركية. والفكرة الرئيسية فيه أن “عودة المسيح (ع)التي ظل المسيحيون ينتظرونها على مدى قرون لن تتم إلا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد.
في عام 1891 تقدم “بلاكستون” بعريضة إلى الرئيس الأميركي يومها “بنيامين هاريسون” يطالب فيها بتدخل الولايات المتحدة لإعادة اليهود إلى فلسطين. وجمع تواقيع 413 شخصية من كبار رجال الدين المسيحيين في الولايات المتحدة، إضافة إلى كبير قضاة المحكمة العليا، ورئيس مجلس النواب، وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ، ورؤوساء تحرير عدد من الصحف الكبرى.
وهنا يتبين أن فكرة إنشاء “وطن قومي لليهود في فلسطين” آمن بها المسيحيون الإنجيليون قبل إيمان اليهود بها، وسعوا إلى تنفيذها قبل أن يسعى اليهود إلى ذلك، وأن “تيودور هرتزل” مؤسس “الحركة الصهيونية” حينما طرح فكرة “الدولة اليهودية” تلاقى بفكرته هذه مع أفكار الإنجيليين الصهيونيين في الولايات المتحدة الأميركية الذين ارتكزت معتقداتهم على ضرورة أن تكون فلسطين وطناً لليهود، واعتبروا ذلك شرطاً في “عودة السيد المسيح” وأخرجوا “المسألة اليهودية” من الإطار السياسي إلى الإطار الديني.
وبدأت فكرة الوطن اليهودي تتبلور سياسياً، وصدر وعد بلفور لصالحها، وتلقف أغلب السياسيين الأميركيين الفكرة، وتعاملوا معها بمنطق الاعتقاد الديني الراسخ، وخير مثال خطاب ألقاه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي “هنري كابوت لودج” في مدينة “بوسطن” عام 1922، وقال فيه ” إنني لم أتحمل أبداً فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين. إن بقاء القدس وفلسطين المقدسة بالنسبة لليهود، والأرض المقدسة بالنسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب، في أيدي الأتراك، كان ليبدو لي لسنوات طويلة وكأنه لطخة عار في جبين الحضارة، من الواجب إزالتها”.
وقد زاد من تهود الإنجيليين الأميركيين التحولات العميقة في الثقافة الدينية الأميركية في السبعينيات من القرن الماضي حتى عام 2004، فقد خرجت الكنائس عن هامش المجتمع، إلى صدارة الحدث السياسي والاجتماعي، بفضل ثورة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والتواصل. حيث ظهرت ظاهرة “الكنائس التلفزيونية”، وتوسعت الطوائف الأصولية المسيحية مثل Babtist و Methodist وغيرها على حساب المسيحية التقليدية (الكنيسة الكاثوليكية).
ومع انتشار تيار المسيحييين المولودين من جديد Born Again Christians انتشاراً مطرداً، وهو أكثر التيارات المسيحية تماهياً مع اليهودية، ومن ثم في دعم عاصمة الدولة اليهودية وقدسيتها.
وهكذا أصبحت “إسرائيل” الأصولية في ذهن أغلب الإنجيليين الأميركيين مشروعاً إلهياً لا يقبل الإدانة أو النقد أو المقاومة. وتوزعت تحت مظلة المجتمع الإنجيلي الصهيوني عدة جماعات، سنحاول الإضاءة عليها لاحقا.
* الميادين نت