عطوان: هل سيكون الانتقام الإيراني لاغتيال العقيد خدايي في إسطنبول؟ وهل هُروب السيّاح الإسرائيليين منها في حالةِ هلعٍ أحد الأدلّة؟
ولماذا يُصِرّ الحرس الثوري الإيراني على تعجيل انتقامه من شهيده هذه المرّة؟ وهل ستتكرّر مذبحة الأرجنتين؟
عبد الباري عطوان
بدأ آلاف السيّاح الإسرائيليين في مُغادرة تركيا بعد إصدار مركز مُكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي تحذيرًا من السّفر إلى إسطنبول بعد وصول معلومات بأنّ إيران بصدد تنفيذ عمليّات انتقاميّة لاغتيال الموساد للعقيد صياد خدايي قائد وحدة العمليّات الخارجيّة في الحرس الثوري الإيراني قبل أُسبوعين.
اللواء حسين سلامي رئيس الحرس الثوري الإيراني تعهّد أثناء تشييع الشهيد خدايي بأنّ الانتقام قادمٌ وحتميّ، ويبدو أن معلومات استخباريّة وصلت إلى دولة الاحتلال تؤكّد أن تركيا قد تتحوّل إلى ساحةِ اغتيالات إيرانيّة للسيّاح الإسرائيليين الذين يتواجدون بكثرةٍ خاصَّةً في إسطنبول.
هُناك أكثر من 76 رحلة طيران إسرائيليّة أسبوعيًّا بين تل أبيب والعاصمة الاقتصاديّة (إسطنبول) بسبب العُروض المُغرية في الإقامة الفندقيّة وأسعار الطّيران، مُضافًا إلى ذلك تفضيلهم لأندية القِمار التركيّة، وذوبانهم في أوساط المُجتمع التركي لتشابه الملامح.
***
الإيرانيّون يتّبعون هذه الأيّام استراتيجيّةً جديدةً تتمثّل في الرّد الفوريّ على أيّ اعتداءٍ إسرائيليّ على قادتها العسكريين، أو على سُفنها وناقلاتها في البِحار المفتوحة، وكان لافتًا إقدام وحدات من الكوماندوز البحريّة الإيرانيّة على احتجاز ناقلتيّ نفط يونانيتين في مِياه الخليج كرَدٍّ على احتجاز البحريّة اليونانيّة لناقلةٍ إيرانيّة في البحر المتوسّط بطلبٍ أمريكيّ، وتفريغ حُمولتها من النفط وإرسالها إلى الولايات المتحدة.
ولا ننسى في هذه العُجالة احتجاز زوارق بحريّة إيرانيّة لناقلتين بريطانيتين كانت في طريقها لكسر الحِصار عن سورية، واضطرّت السّلطات البريطانيّة إلى الإفراج عن الناقلة الإيرانيّة والدّخول في مُفاوضاتٍ مُهينة للإفراج عنها.
الحرس الثوري الإيراني كسب معركة السّفن في بحر عُمان، وهاجم بالمُسيرّات سفينةً إسرائيليّة ودمّرها، ولم تجرؤ إسرائيل من حينها على شنّ هُجومٍ على أيّ سفينةٍ إيرانيّة، وسحبت بريطانيا وأمريكا تهديداتها برَدٍّ انتقاميّ جماعيّ على هذا الهُجوم الإيراني.
عندما اغتالت “إسرائيل” الشهيد عباس موسوي أمين عام حزب الله في حينها بتفجيرِ سيّارته عام 1992، ردّت إيران وحزب الله بعمليّتين غير مسبوقتين الأولى بتفجير سيّارة مُفخّخة أمام السّفارة الإسرائيليّة في بوينس آيريس ممّا أدّى إلى مقتل 29 إسرائيليًّا وإصابة 200 آخرين، وبعدها بعامين جرى تفجير مقرّ الجالية اليهوديّة في العاصمة الأرجنتينيّة ممّا أدّى إلى مقتل 86 شخصًا واتّهمت “إسرائيل” خليّةً تابعةً لحزب الله بالوقوف خلف هذا التّفجير.
أكثر ما يُقلق الإسرائيليين، القَلِقين أصلًا، أن يكونوا هدفًا لأعمال اغتيال، وأكثر ما يُقلِق الرئيس رجب طيّب أردوغان تخريب الموسم السّياحي التركي الذي يَدُر على الخزينة التركيّة ما يَقرُب من 50 مِليار دولار، حسب آخر الإحصاءات، خاصَّةً في مِثل هذا الوقت الذي تتراجع فيه قيمة الليرة التركيّة، وتصل نسبة التضخّم حواليّ 70 بالمئة، ويزداد خطر إقدام حزب العمّال الكردستاني على تفجيراتٍ في المُنتجعات السّياحة التركيّة مع تصاعد الحملة العسكريّة ضدّه وحُلفاءه في شِمال سورية.
الإيرانيّون يملكون خبرات ضخمة ودقيقة في الاغتيالات، خاصَّةً على الأراضي التركيّة، وغالبًا ما يُخفون آثارهم، ويرفضون الاعتِراف بأيّ مسؤوليّة عنها، وكم من مُعارضٍ إيرانيّ تعرّض للاغتِيال في أكثر من عاصمةٍ أوروبيّة.
***
المزاج العام الإيراني يتّسم هذه الأيّام بالغضبِ الشّديد، وتتعرّض القِيادة الإيرانيّة لضُغوطٍ شعبيّة قويّة بالرّد على هذه الاغتِيالات التي تستهدف قادة حرسها وعُلماءها النوويين بأسرعِ وقتٍ مُمكن، ومعلوماتنا تُؤكّد أنهم تعرّضوا لحالةٍ من الصّدمة بعد تراجع فصائل المُقاومة في القِطاع عن الرّد على مسيرة الأعلام الإسرائيليّة، وعدم تفهّم تبريراتهم، خاصَّةً أن هُناك تعهّدات في غُرفة قيادة فصائل محور المُقاومة واضحة وصريحة في هذا الخُصوص.
لا نستغرب أن نصحو في يَومٍ وشيك على عمليّةِ انتقامٍ إيرانيّة، سواءً كرَدٍّ على العُدوان على قوّاتها في سورية، أو ثأرًا لاغتيال الشهيد خدايي، وحتى لو لم يتم هذا الرّد فإنّه قد أدّى نصف أهدافه حتّى الآن المُتمثّل في حالةِ الذُّعر الإسرائيليّة وعودة مُعظم السيّاح من تركيا خوفًا ورُعبًا.. واللُه أعلم.