تنديدٌ دوليّ ببطش السعودية تجاه الصحافة.. ما علاقةُ وليّ العهد؟
تنديدٌ دوليّ ببطش السعودية تجاه الصحافة.. ما علاقةُ وليّ العهد؟
متابعات| تقرير*:
“المسؤولون السعوديون يستخدمون أساليب جديدة لإسكات وسائل الإعلام”، هذا أشارت إليه لجنة حماية الصحفيين التي تهدف إلى حماية حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين، متحدثة بإسهاب عن قمع حرية التعبير وحرية الصحافة في مملكة آل سعود، فمنذ تولي ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان الحكم في بلاد الحرمين، تضاعف عدد الصحفيين المعتقلين في البلاد ثلاثة أضعاف، وحسب منظمات حقوقيّة فإنّ الكثير من الصحفيين المعتقلين في السعودية تعرضوا للتعذيب النفسيّ أو الجسديّ، أو للاحتجاز المستمر في العزل الانفراديّ، في أسلوب يجسد طبيعة النظام الحاكم في البلاد ويعكس حجم ظلمه واستبداده، ما يظهر محمد بن سلمان على صورته الحقيقيّة مجدداً، بعد أن جعل السعودية تتفوق على كامل جيرانها في القمع والحكم الاستبداديّ، ناهيك عن حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة.
أساليب استبداديّة
إنّ إعلان اللجنة الدولية لحماية الصحفيين لم يأت بجديد، لكّنه أوضح أنّ السلطات السعودية تستخدم أساليب أكثر تطوراً وجديدة لإسكات وسائل الإعلام المستقلة وفرض رقابة أمنية مشددة في البلاد، في وقت تحذر أوساط حقوقيّة أن السلطات السعوديّة تمارس ضد الصحفيين التعذيب الجسدي والإهمال الصحي ومنع الاتصالات أو مراقبتها، كحال بقية معتقلي الرأي في سجونها، حيث إنّ المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد انتقادات أو دعوات إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
“دعم السعودية للصحفيين متدنٍ”، هذا ما ركّز عليه تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحفيين في ظل استخفاف غير مسبوق من قبل السلطات السعودية بشأن حرية الإعلام والصحافة، ويعتبر محللون أنّ تلك النتيجة طبيعيّة للغاية في “مملكة الطغاة” التي يحاكم فيها النشطاء والإعلاميون عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم السلطات داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، وقد أظهرت الرياض من خلال اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية لها بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
وفي هذا العام، أدرج التصنيف الدولي السعوديّة في المرتبة 166 من أصل 180 في ظل الانتهاكات الجسيمة الممارسة بحق الصحفيين وحرية التعبير، ووصفت مراسلون بلا حدود السعودية بأنها “من بين أسوأ السجون بالنسبة للصحفيين على الصعيد العالمي”، في الوقت الذي لا تزال فيه السعودية تُنافس لاحتلال أولى المراكز في قائمة الدول القامعة للحريات وعلى رأسها حرية الصحافة، حيث تمارس سلطات آل سعود مختلف أساليب القمع بحق الصحافة والصحافيين، من خلال كبت حرية التعبير عن الرأي واعتقال الصحفيين والمدونين والكتّاب.
وفي العام 2021، احتلت السعودية المرتبة الثامنة في قائمة الدول التي بها أكبر عدد من الصحفيين السجناء، فيما تسعى الحكومة السعودية إلى تحديث البلاد في إطار رؤية 2030،، وفي المقابل استخدمت أساليب أكثر تطوراً لإسكات وسائل الإعلام المستقلة، وبدلاً من الاعتماد على قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2007 ، تحاول المملكة حجب الإنترنت وزيادة المراقبة من خلال برامج التجسس المتقدمة، وفقًا للجنة حماية الصحفيين.
وإنّ تلك القضيّة المهمة تزيد قلق المنظمات الدوليّة، لأن السجناء وبالأخص الإعلاميين يحرمون حتى من حق توكيل محامين ويتعرضون لعقد محاكمات سريّة فضلاً عن الحبس الانفراديّ والاحتجاز دون توجيه تهم أو محاكمة وتشديد العقوبات، وإنّ مستبدي الرياض انتهجوا سياسة “إرهاب الدولة” ضد مواطنيهم ونُخبهم وبالأخص من الإعلاميين والمفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة.
إسكات المعارضة
بعد أن شهد العالم أبشع جريمة قتل للصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليّة بلاده في تركيا، إضافة إلى جريمة تسميم الصحفي صالح الشيحي، داخل المعتقل ومفارقته الحياة بعدها، قالت اللجنة الدولية إن القتل الوحشي لخاشجي عام 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول يظهر أن آل سعود يواصلون إسكات الأصوات المعارضة، ومن المعروف أن السلطات السعوديّة تنفذ حملات قمعيّة وإلكترونية ضخمة للنيل من المعارضين على أرض الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ مستخدمة في ذلك جيوش من “الذباب الإلكترونيّ” أو الحسابات الوهميّة المسيسة، وإضافة إلى الرقابة المكثفة على مستخدمي الشبكة العنكبوتيّة ومحاولات الاختراق التي لا تتوقف هذا إلى جانب قرارات حجب المواقع الالكترونيّة التابعة لجهات وهيئات تتخذ موقفاً معارضاً من النظام السعودي وتنتقد انتهاكاته المتزايدة ضد حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي تُعتبر فيه السعودية من أكبر الدول التي تسجن الصحفيين بتهمة “التآمر على النظام الملكي” و “التعاون مع مؤسسات أجنبية”، وإجراءاتها القضائية غامضة تمامًا، ولا يوجد دليل على توجيه اتهامات للعديد من الصحفيين المسجونين، تؤكّد منظمات حقوقيّة أنّ النظام السعوديّ يصعد من سياسة التهديد والقمع بحق الصحفيين بالفصل أو السجن أو حتى القتل، حيث إن السلطات السعودية سجلت أرقاماً قياسية على مستوى العالم باعتقال 31 صحفيّاً في السجون، ناهيك عن الاستمرار في التعتيم على الأخبار ومنع الأفراد والصحفيين من الوصول إلى المعلومات وهو ما يعد عائقا أساسيا أمامهم لإجراء مهامهم في نقل المعلومات وصناعة الرأي العام، وإن التعتيم وانعدام الشفافيّة في تعامل الرياض، يضاف إلى الانتهاكات المباشرة ضد الصحفيين والمدونين، في ظل غياب المساءلة حول ما يتعرض له الصحفيون وتعميم سياسة الإفلات من العقاب.
لذلك، يعاني الصحفيون المعتقلون في مملكة آل سعود، من سوء المعاملة في الزنازين، مع تعنت حكوميّ يمنع عمل أيّ وسيلة إعلاميّة لا تتبع بشكل مباشر له في الداخل، وتفرض قيوداً صارمة على المواقع الإلكترونيّة، حيث جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، ولجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
خلاصة القول، رغم المطالبات المتكررة بضرورة الإفراج الفوريّ عن جميع سجناء الكلمة والرأي المحتجزين حاليّاً وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم ورفع الشروط التقييديّة وحظر السفر المفروض على المفرج عنهم بشروط، لم تستجب الرياض أبداً، بل صعّدت من حملاتها القمعيّة والإخضاعيّة، حيث إن المنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان لم تترك كلمة تنديد واحدة إلا واستخدمتها في التعبير عن غضبها من النهج السعوديّ الاستبداديّ، دون أيّ تحرك إصلاحيّ حقيقيّ من قبل حكام آل سعود لاحترام الحقوق والحريات الأساسيّة للمواطنين السعوديين والصحفيين داخل البلاد.
لهذا، من غير المستغرب أن تستمر السلطات السعودية في نهجها المعادي لحرية الصحافة والصحفيين إذا كانت في الأساس تعادي شعبها ومواطنيها، فالملوك المسيطرون على بلاد الحرمين الشريفين لا يخافون من شيء أكثر من حرية الرأي والتعبير، لأنّهم يدركون جيداً حجم تأثير الحقيقة في البلاد على مستقبل العائلة الجاثمة على قلوب السعوديين، وهذا ما يدفعهم للتعامل بإجرام غير مسبوق مع الإعلاميين وقضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه ولي العهد السعوديّ من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ يمس النظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب، بتهم أصبحت مكشوفة بالنسبة للجميع.
* الوقت