الزراعةُ كخيارٍ وحيدٍ لليمن لمواجهة المجاعة.. في ظل أزمة الغذاء العالمية
الزراعةُ كخيارٍ وحيدٍ لليمن لمواجهة المجاعة.. في ظل أزمة الغذاء العالمية
متابعات| رصد:
تتصاعد التحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، في ظل ما يشهده العالم من أزمة غذاء نتيجة حالة التضخم التي منيت بها الاقتصادات في أعقاب جائحة كورونا، ما دفع بأسعار السلع الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة،
يضاف إليها اضطراب سلاسل إمدادات القمح، بتأثير من الحرب الأوكرانية الروسية وتوقف تصدير إنتاج الدولتين من هذه المادة. وفي هذا الوضع تتزايد أهمية العودة إلى الزراعة والنهوض بالقطاع الزراعي اليمني، كخياروحيد، يمكن أن يحد من تأثيرات نقص الغذاء، ويجنب ملايين اليمنيين الذين يعانون من أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم- بحسب التقارير الأممية، المزيد من مخاطر الجوع.
في تحديثه الأخير “اليمن: مؤشر آفاق الاقتصاد الكلي والفقر أبريل 2022″، أكد البنك الدولي، أن الزراعة تهمين على الاقتصاد الحقيقي –بعد انهيار قطاع النفط– لكنها تعاني من توتر متزايد للأحداث المُعطلة المرتبطة بالمناخ والآفات.
وقال البنك الدولي إن المعلومات المتاحة تشير إلى أن الاقتصاد اليمني استمر في الانكماش عام 2021، متأثراً بعدم استقرار الاقتصاد الكلي.. مضيفا: “ظل إنتاج النفط أقل بكثر من مستويات ما قبل الصراع، على الرغم من التحسينات الطفيفة التي شهدتها السنوات الأخيرة”.
وأشار إلى أن النشاط الاقتصادي ظل يعاني من الأعمال العدائية، وتوقف الخدمات الأساسية “الكهرباء والاتصالات” والنقص في المدخلات، وهو ما تفاقم بسبب الازدواج الضريبي والتشوهات الناجمة عن قرارات السياسة غير المتسقة من قبل السلطتين.
وأوضح البنك في تحديثه أنه لا تتوافر معلومات موثوقة عن الاقتصاد تصدر، إذ لم تعد الإحصاءات الرسمية تصدر، والاقتصاد اليمني غير رسمي على حد كبير ويعتمد على التحويلات وتدفقات المعونة لتمويل الاستهلاك.
وقال إن الأوضاع الاجتماعية محفوفة بالمخاطر، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 24 مليون شخص، حوالى 80% من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
ولفت إلى أن الأعمال العدائية المتصاعدة ألحقت أضراراً بأماكن الإيواء والبنية التحتية، ودمرت سبل العيش، وسهلت انتشار أمراض الكوليرا، ومع تشغيل 50% فقط من المنشآت الصحية في اليمن، فرضت جائحة كورونا ضغوطاً إضافية على النظام الصحي الهش في البلاد.
وفي تقارير سابقة أكد البنك الدولي أن حصة الزراعة في اليمن تقلصت في الناتج المحلي الإجمالي من 10.3% في عام 2010 إلى 4.03% في عام 2018 م، مؤكدة أن قطاع الزراعة يوفر فرص عمل لما يقارب 60% من القوة العاملة، وتوفر سبل العيش لحوالي 70% من إجمالي السكان، إلا أنها أحد أكثر القطاعات تضرراً، مما يضر بتوافر الغذاء المحلي، وفقاً لأحدث بيانات البنك، التي أكدت انخفاض الإنتاج الإجمالي للمحاصيل الزراعية في الجمهورية اليمنية إلى 40٪ في نفس العام.
منظمات أممية ودولية تكررت تحذيراتها خلال الثلاثة الأعوام الماضية من استمرار الحرب والحصار وحالة الصراعات في اليمن على قطاع الزراعة، مؤكدة من أن الحصار وضع مليون ونصف المليون أسرة تعمل في الزراعة، تفتقر الآن إلى الوصول إلى المدخلات الزراعية الهامة (بما في ذلك البذور والأسمدة ووقود المعدات المستخدمة للري وغيره من الأعمال الزراعية).
وشهدت اليمن حربا وحصارا على مدى أكثر من سبعة أعوام، كلفت القطاع الزراعي نحو 11 مليار دولار كخسائر مباشرة، حسبما أعلنته وزارة الزراعة في حكومة صنعاء، التي أكدت أن إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أوقف تماما صادرات اليمن الزراعية، منذ بداية الحرب والحصار في 26 مارس 2015م.
في المقابل تسببت الصراعات بين الأطراف المؤيدة للتحالف في مناطق سيطرتها في إضعاف مؤسسات الدولة المعنية بالقطاع الزراعي، لتبقى عاجزة عن تقديم أي معالجات في المجال الزراعي، فضلا عن عجزها التام في مواجهة كوارث السيول التي دمرت هذا الموسم نحو 84 مزرعة في دلتا أبين، ناهيك عن الأضرار التي طالت مزارع تبن الموسم الماضي، وإيقاف الزحف العمراني على المساحات الزراعية، وسيطرة قوى النفوذ والصراع على أراضي زراعية تتبع فروع وزارة الزراعة في لحج والضالع وأبين، حسب تقارير تلك الفروع خلال الأعوام الماضية.
خبراء الاقتصاد والغذاء حذروا من تتابع أزمة الغذاء في اليمن مع تعاظم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في البلاد، لافتين إلى أن هذا القطاع الذي تزايدت الحاجة إليه مع توقف صادرات البلاد النفطية وانعدمت الواردات، يشكل العمود الفقري لمصدر عيش الملايين من اليمنيين، حيث أكدت التقارير الاقتصادية أن نسبة السكان الذين يعتمدون على العمل في الزراعة ارتفعت من 29.3% في عام 2014 م إلى 36.6% في عام 2019 م، كما تشكل الزراعة- بما في ذلك الثروة الحيوانية- المصدر الرئيسي لعمل المرأة الريفية في اليمن، حيث تعمل 59% من النساء الريفيات في الزراعة.
وفي ظل الإهمال المتعمد للقطاع الزراعي من قبل الحكومات السابقة، ظلت اليمن تستورد 90% من القمح المستهلك في البلد ضمن المواد الغذائية والتي تزيد عن 85% من الأغذية المستهلكة التي تعتبر من المواد الأساسية مثل القمح والأرز وزيت الطهي والسكر والحليب، حيث يبلغ إجمالي ما يستورد سنويا من المواد الغذائية أكثر من 5 ملايين طن، يحتل القمح حوالي 60% منها.
وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي فرضته الحرب، مثَّل القطاع الزراعي أحد الملاذات التي استوعبت كثيراً من اليمنيين ممن فقدوا أعمالهم ورواتبهم ومصادر دخلهم بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد، الأمر الذي يجعله في طليعة القطاعات التي يجب التركيز عليها وإيجاد الحلول المناسبة لإيقاف تدهورها كأولوية في الجهود الرامية إلى تضييق فجوة الجوع الآخذة بالتوسع في البلاد.
YNP