عطوان: نحن في الانتظار على أحر من الجمر النووي!
مناورات إسرائيلية تشارك فيها طائرات أمريكية لضرب المنشآت النووية الإيرانية القديم منها والحديث؟ لسان حال الإيرانيين يقول: تفضلوا نحن في الانتظار على أحر من الجمر النووي!
عبد الباري عطوان*
عندما تُكّثر دولة ما من إجراء مناورات عسكرية، محدودة او مضخمة، والمبالغة في الحديث عنها في تسريبات للإعلام المحلي، فهذا يعني ان حالة التأزم الداخلي في تصاعد، وان الهدف في الحالتين هو طمأنة الرأي العام المذعور، والتأكيد “التسويقي” على الجاهزية العسكرية، التي ربما تكون موضع شك، لمواجهة أي أخطار خارجية مفترضة.
نقول هذه المقدمة بمناسبة الإعلان عن مناورات عسكرية إسرائيلية تبدأ في الأسبوع الأخير من آيار (مايو) الحالي تستغرق مدة شهر، وتشارك فيها الأسلحة الجوية والبحرية والبرية، الى جانب طائرات حربية أمريكية ستتولى مهمة تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود في الجو وهي في طريقها الى أهدافها.
أجهزة “البروباغندا” الدعائية الإسرائيلية تقول أن هذه المناورة تحاكي حربا واسعة النطاق ضد ايران وأذرعها الحليفة في المنطقة مثل “حزب الله” في لبنان وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة، وتهدف الى تدمير منشآت نووية إيرانية.
بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، كشف امس في محاضرة القاها في جامعة رخمان، أن ايران بدأت في تصنيع 1000 جهاز طرد مركزي متطور لتخصيب اليورانيوم من نوع “أي آر 6” لتركيبها في معامل تحت الأرض بالقرب من منشأة نطنز النووية، وباتت أكثر قربا لإمتلاك القدرات اللازمة لتطوير رؤوس نووية من أي وقت مضى.
***
الرسالة التي تريد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إيصالها من خلال هذه المناورات والتصريحات تقول ان الخيار العسكري ما زال مطروحا بقوة، وأن الولايات المتحدة ستكون شريكا في أي حرب مفترضة ضد ايران لتدمير مفاعلاتها النووية.
منذ عشر سنوات ودولة الاحتلال الإسرائيلي تجري مناورات، وتطلق تهديدات وتشن أعمال عدوانية، وتغتال علماء ذرة إيرانيين، ولكن جميع هذه المناورات ظلت حبرا على ورق، ومجرد “زعبرات” إعلامية، بينما ايران تعزز قدراتها النووية، وترفع نسب تخصيب اليورانيوم الى أكثر من ستين في المئة، وتصنّع معدن اليورانيوم، وتطور قدراتها الصاروخية الباليستية، ومسيرّاتها التي توصف بأنها من الأحدث في العالم، ان لم يكن الأحدث، وتعزز القدرات العسكرية لحلفائها.
فاذا كان الهدف من هذه الحملة الدعائية إرهاب ايران، والضغط عليها لتقديم تنازلات لإنجاح مفاوضات فيينا التي دخلت شهرها العاشر، للتوصل الى اتفاق نووي، فان هذا الرهان خاسر، لأن هذا النهج لم يعط مفعوله مع القيادة الإيرانية بشقيها السياسي والعسكري التي باتت الآن موحدة أكثر من أي وقت مضى.
قلناها، ونؤكدها مجددا، القيادة الإيرانية يدها في ماء بارد، وغير مُتعجلة في التوصل الى أي اتفاق نووي مع الولايات المتحدة لا يعمّر أكثر من عامين، أي عُمر الإدارة الديمقراطية الحالية التي بدأت تفقد شعبيتها في أوساط الناخبين الأمريكيين، وبشكل مُتسارع، امام تقدم خصومها الجمهوريين، ولهذا فإن الوقت في صالح ايران، خاصة في ظل تورط أمريكا وحلفائها الأوروبيين في حرب استنزاف طويلة ومكلفة في أوكرانيا، بدأت تنعكس آثارها بشكل سلبي متسارع على الاقتصاد الغربي، ولا نعتقد ان أمريكا بهذا الغباء لكي تخوض حربا ثانية موازية في الشرق الأوسط، ولمصلحة “إسرائيل” التي تدعي الحياد، وتلعب على جميع الحبال.
ايران الآن في موقع قوي، حيث نجحت في كسر الحصار الأمريكي، وباتت تصّدر حوالي مليوني برميل من نفطها يوميا، وبأسعار تضاعفت ثلاث مرات، وبلغ سعر البرميل اليوم 115 دولارا، وربما يصل الى 200 دولار في الأسابيع القليلة المقبلة، ولهذا لا نعتقد انها ستقدم التنازلات التي تريدها واشنطن لإنجاح مفاوضات فيينا اللهم الا اذا حصلت على كل ما تريد منها، وهذا ربما صعب، لأنه يعني استسلام امريكي مطلق لشروطها كافة.
دولة الاحتلال الإسرائيلي تستطيع ان تجري كل أنواع المناورات العسكرية التي تريدها، مثلما تستطيع ان تشن عدوانا على ايران في محاولة لتدمير منشآتها النووية، ولكن هل ستقف ايران وحلفاؤها في لبنان وغزة والعراق واليمن وسورية مكتوفي الأيدي، ويتلقون الضربات دون رد؟
لم تدخل إسرائيل في أي معركة ضد ايران وحلفائها، ابتداء من حرب السفن، او حرب تموز (يوليو) اللبنانية، او العدوانات الأربع او الخمس على قطاع غزة وآخرها “سيف القدس”، الا وخرجت منها خاسرة مهزومة مكسورة الجناح، واي حرب جديدة موسعة تخطط لشنها لن تكون استثناء.
***
فلتتفضل الطائرات الحربية الإسرائيلية وتهاجم ايران وحلفاءها في لبنان، وسورية، والعراق، وقطاع غزة، واليمن، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وكيف سيكون الرد؟ وكيف ستكون النهاية؟
الإجابة جاءت على لسان الجنرال علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قبل شهرين تقريبا، ونعيد التذكير بها، عندما قال أن الطائرات الإسرائيلية المغيرة لن تعود الى قواعدها التي انطلقت منها، لأنها وبكل بساطة، لن تجد مطارات لكي تهبط فيها، والبقية متروكة لفهمكم.
* رأي اليوم