ونجحت السعودية في جمع القوى الموالية لها، وتلك المحسوبة على الإمارات، في الرياض، لكنها فشلت في إنهاء الخلافات المحتدمة بين الطرفَين، والتي عادت لتَظهر بوضوح خلال الأيام الماضية. وفي ظلّ تصاعد موجة الانسحابات من المشاورات، تحوّلت قاعات الاجتماعات إلى ساحات مكاشفة بين ممثّلين عن حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، وآخرين عن «المجلس الانتقالي الجنوبي». وحتى مساء الثلاثاء، لم تكن اللجان السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية قد توصّلت إلى أيّ اتفاق حول أيّ من القضايا المطروحة، خصوصاً في ظلّ وجود توتّر «جانبي» مردّه منح موالين لحكومة هادي مقرّبين من السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، رئاسة اللجان، مقابل تقليص تمثيل «الانتقالي»، وهو ما دفع الأخير إلى الاحتجاج، والمطالبة برفع عدد ممثّليه في كلّ مسارات المشاورات تحقيقاً لمبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب، وفقاً لما نصّ عليه «اتفاق الرياض» الموقّع أواخر عام 2019، غير أن طلبه إضافة 119 عضواً من أنصاره إلى عضويّة المشاورات، قوبل باعتراض ممثّلي حكومة هادي.

هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فقد حاولت لجنة المحور السياسي فرض «المرجعيات الثلاث» كأساس لأيّ حوار قادم، وهو ما اعتبره «الانتقالي» استهدافاً ممنهجاً للقضية الجنوبية، كون «المبادرة الخليجية» وُقّعت أواخر 2011 بين حزب «المؤتمر الشعبي العام» وتكتّل «اللقاء المشترك»؛ و«اتفاق السلم والشراكة» وُقّع بين حركة «أنصار الله» وهادي وحكومته؛ وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 تجاهل القضية الجنوبية بشكل كلّي، وألزم المجتمع الدولي بالحفاظ على وحدة اليمن. وبينما يرى «الانتقالي» نفسه غير ملزم بالمرجعيات الثلاث كونه ليس طرفاً فيها، فقد حاول رفع أعداد ممثّليه بهدف تمرير أجندة خاصة به، من أبرز بنودها تعيين نائبَين للرئيس أحدهما يمثّل الشمال والآخر يمثّل الجنوب، ساعياً من وراء هذا المقترح إلى تكريس فكرة قيام دولة اتّحادية من إقليمَين، وهو تَوجّه يحظى بدعم الإمارات التي تدفع نحو تعيين طارق صالح نائباً للرئيس عن المحافظات الشمالية.

وأفاد أكثر من مصدر مشارك في المشاورات كوزير الثقافة الأسبق، عبد الله عوبل، بعدم التوصّل إلى أيّ مقترحات توافقية، وهو ما أكده أيضاً زير التربية والتعليم السابق، عبد الله لملس، الذي انسحب الثلاثاء من الاجتماعات. من جهته، أعلن القيادي في «الانتقالي»، والمشارك في المشاورات، يحيى غالب الشعيبي، أن المجلس قدّم رؤيته الكاملة بشكل مكتوب، وهي تتعلّق بـ«إصلاح منظومة الشرعية»، بالاستناد إلى «اتفاق الرياض». وبخصوص المحور العسكري، لم تخرج النقاشات من دائرة الاتهامات والتخوين المتبادل، مع مطالبات للتحالف السعودي – الإماراتي بإصلاح علاقته بحكومة هادي، بعد أن خلقت الإمارات ميليشيات عسكرية خارج نطاق «الشرعية». وفي هذا الإطار، قالت مصادر مشاركة إن هناك رغبة سعودية في تسليم الملفّ المالي لطارق صالح، بعد أن كان من مهام نائب هادي الحالي، الجنرال علي محسن الأحمر، المتّهم بالفساد ودعم مليشيات «الإصلاح» دون غيرها.
وفي الملفّ الاقتصادي، أعادت لجنة المحور الاقتصادي المطالب التي سبق لحكومة هادي أن قدّمتها، والمتمثّلة بدعم خليجي عاجل للبنك المركزي، وتقديم وديعة لوقف انهيار العملة. ووفقاً لأكثر من مصدر، فإن «مجلس التعاون الخليجي» لم يعتمد هذا المقترح. أمّا الهدف الأخير، والذي أشرف عليه السفير السعودي، فتَمثّل في توحيد المكوّنات الإعلامية، إلّا أن اجتماعات لجنة المحور الإعلامي انتهت الثلاثاء بالتلاسن بين ممثّلي «الانتقالي» وممثلي هادي، وتطوّرت إلى حدّ الاشتباك بالأيدي، ليتمّ رفع جلسات اللجنة وإنهاء مهامها. ومع اختتام المشاورات قبل موعدها المحدّد، بسبب كلّ تلك الخلافات، أكّد عدد من المشاركين فيها أن بيانها الختامي أُعدّ بشكل مسبق من قِبَل المشرفين عليها، ولم يُعرض على أيّ من الحاضرين.