روسيا في تقريرِ مجتمع الاستخبارات الأمريكية: تصاعُدُ الخصومة في كُلِّ المجالات
روسيا في تقريرِ مجتمع الاستخبارات الأمريكية: تصاعُدُ الخصومة في كُلِّ المجالات
متابعات| تقرير*:
لطالما شكلت روسيا، الخصم والمنافس الاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية. منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في الفترة الزمنية التي سميت بالحرب الباردة، والتي أدّت الى تفكك الاتحاد في تسعينيات القرن الماضي، وصولاً الى فترة ما بعد استلام الرئيس فلاديمير بوتين لسدّة الحكم، الذي أعلن صراحةً في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، مناهضته لمشروع عالم القطب الواحد والهيمنة الأمريكية.
ومن هذا المنطلق، صاغ الرئيس بوتين سياساته الخارجية التصاعدية، مولياً أهمية كبرى لما يتعلق بالأمن القومي لبلاده، وأكثر تجلياتها حالياً هي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي كانت الإدارة الأمريكية هي المسبّب الرئيسي لها والمحرض عليها.
لذلك ركز تقرير مجتمع الإستخبارات الأمريكية I.C للعام 2022، على استشراف مآل المنافسة والخصومة مع روسيا، مع الإشارة الى أنه توقع حصول المواجهة، قبل 17 يوم من بدئها، حيث نشر التقرير في الـ 7 من شهر شباط / فبراير الماضي.
وهذا أبرز ما جاء في ترجمته:
الأهداف والأنشطة الإقليمية والعالمية
نتوقع أن تظل موسكو قوة مؤثرة وتحديًا هائلاً للولايات المتحدة، وسط المشهد الجيوسياسي المتغير، خلال العقد المقبل. وستواصل متابعة مصالحها بطرق تنافسية، وأحيانًا تصادمية واستفزازية، بما في ذلك الضغط للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى “القريبة من حدودها”، مع استكشاف احتمالات تحقيق علاقة أكثر استقرارًا مع واشنطن.
_نحن نقدر أن روسيا لا تريد صراعا مباشرا مع القوات الأمريكية، بل تسعى إلى تسوية مع الولايات المتحدة بشأن عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية للبلدين، واعتراف الولايات المتحدة بمجال نفوذ روسيا “المزعوم”، على جزء كبير من الاتحاد السوفيتي السابق.
لطالما اعتقد المسؤولون الروس أن الولايات المتحدة تحاول تقويض بلادهم، وإضعاف الرئيس فلاديمير بوتين، وتنصيب أنظمة صديقة للغرب في دول الاتحاد السوفيتي السابق وأماكن أخرى، وهو ما استنتجوا أنه يمنح روسيا مهلة للانتقام.
تواصل روسيا الاستعداد لهجوم عسكري ضد أوكرانيا، حيث تم حشد أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، بما في ذلك القوات العسكرية الروسية في بيلاروسيا، وشبه جزيرة القرم “المحتلة”، والقوات الانفصالية في شرق أوكرانيا. كما أرسلت موسكو المزيد من القوات. وفي منتصف ديسمبر 2021، أصدرت بيانًا طالبت فيه الناتو بتقديم ضمانات أمنية رسمية، بما في ذلك وضع حد لاحتمال انضمام أوكرانيا إلى الحلف.
نحن نقدر أن موسكو ستستمر في استخدام مجموعة من الأدوات، لتعزيز مصالحها أو تقويض مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ستكون هذه في الأساس أدوات عسكرية وأمنية واستخباراتية، مع لعب التعاون الاقتصادي دورًا أصغر.
كما نتوقع أن تدخل موسكو نفسها في أزمات، عندما تكون مصالح روسيا على المحك، أو تكون التكاليف المتوقعة للعمل منخفضة، أو ترى فرصة للاستفادة من فراغ السلطة. من المحتمل أن تستمر روسيا في توسيع نطاق انتشارها العسكري والاستخباراتي والأمني والتجاري والطاقة العالمي، وبناء شراكات تهدف إلى تقويض نفوذ الولايات المتحدة وتعزيز نفوذها.
_في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تستخدم موسكو مشاركتها في سوريا وليبيا والسودان لزيادة نفوذها، وتقويض القيادة الأمريكية، وتقديم نفسها كوسيط لا غنى عنه، والحصول على حقوق الوصول العسكري والفرص الاقتصادية.
_في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وسعت روسيا مشاركتها مع فنزويلا، ودعمت كوبا، واستخدمت مبيعات الأسلحة واتفاقيات الطاقة، في محاولة لتوسيع الوصول إلى الأسواق والموارد الطبيعية في أمريكا اللاتينية جزئياً، لتعويض بعض آثار العقوبات.
_في الجمهوريات السوفيتية السابقة، وجدت موسكو أنها في وضع جيد لزيادة دورها في القوقاز، إذ رأت ذلك ضروريًا، من خلال التدخل في بيلاروسيا وآسيا الوسطى، لوقف عدم الاستقرار بعد احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة، كما فعلت في بيلاروسيا بعد انتخابات 2020 “الاحتيالية”، وكما فعلت ذلك أيضاً مطلع هذا العام في كازاخستان.
_ نتوقع أن تواصل روسيا استخدام الطاقة كأداة للسياسة الخارجية، لإجبار الدول على التعاون وإجبار الدول على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما فعلت مؤخرًا في عام 2021، عندما أوقفت روسيا صادراتها من الفحم والكهرباء إلى أوكرانيا.
كما تستخدم روسيا أيضًا قدراتها في تطوير لقاحCOVID-19 ، وبناء مفاعل نووي مدني، كأداة للقوة الناعمة في سياستها الخارجية.
تستخدم روسيا “الفساد”، كأداة فعالة في السياسة الخارجية لتعزيز أهدافها الجيوسياسية، وشراء النفوذ في البلدان الأخرى؛ ومع ذلك، فهو يمثل أيضًا نقطة ضعف محلية طويلة الأجل، فضلاً عن أنه يمثل عبئًا على الأداء الاقتصادي لروسيا، وقدرتها على جذب الاستثمار.
_استخدمت روسيا الفساد للمساعدة في تطوير شبكات المحسوبية في بلدان، بما في ذلك المجر وبلغاريا وسلوفاكيا وأوكرانيا، للتأثير في صنع القرار، والمساعدة في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية لروسيا.
_ يعتبر الروس بانتظام الفساد أحد أكبر مشاكل البلاد، والذي كان سببًا متكررًا للاحتجاجات العامة، وموضوعًا رئيسيًا لحملة المعارض الروسي المسجون “ألكسي نافالني” ضد الكرملين.
_نقدر أن روسيا ستحتاج إلى الحد من الفساد وسيطرة الدولة على الاقتصاد، وتحسين سيادة القانون في روسيا لجذب الاستثمار، وتوسيع النمو بما يتجاوز 1 الى 3 في المائة سنويًا.
القدرات العسكرية
نتوقع أن تحافظ موسكو على التحديث العسكري وتعزز قواتها المسلحة، مما يمكنها من الدفاع عن الأمن القومي لروسيا، مع إبراز نفوذها عالميًا، وتحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الرغم من النمو البطيء في الإنفاق الدفاعي، ستؤكد روسيا على تطوير واكتساب أسلحة جديدة، تشكل تهديدات متزايدة للولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية، مع استمرار مشاركتها العسكرية الخارجية، وإجراء التدريبات، وإدماج الدروس المستفادة من مشاركتها في النزاعات في سوريا وأوكرانيا.
_موسكو لديها القدرة على نشر قوات في مناطق مهمة من الناحية الاستراتيجية، ولكن كلما زاد انتشارها من روسيا، من المحتمل أن تكون أقل قدرة على الاستمرار في العمليات القتالية المكثفة.
_ مجموعة “فاغنر” وشركات الأمن الخاصة الأخرى، التي يديرها القلة الروسية القريبة من الكرملين، تعمل على توسيع نفوذ موسكو العسكري بتكلفة منخفضة، في مناطق تتوزع من سوريا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، مما يسمح لروسيا بالتنصل من مشاركتها وإبعاد نفسها عن ضحايا المعركة.
أسلحة الدمار الشامل
نحن نقدر أن روسيا ستظل أكبر وأقوى منافس، لأسلحة الدمار الشامل للولايات المتحدة في المستقبل المنظور، لأنها توسع وتحدّث قدرات أسلحتها النووية، وتزيد من قدرات أسلحتها الاستراتيجية وغير الاستراتيجية.
وتظل روسيا أيضًا مصدر قلق يتعلق بأمن المواد النووية، على الرغم من التحسينات التي تم إدخالها على حماية المواد والرقابة والمحاسبة، في المواقع النووية الروسية، منذ التسعينيات.
_ تعتبر موسكو قدراتها النووية ضرورية للحفاظ على الردع وتحقيق أهدافها، في نزاع محتمل ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وترى أن رادعًا موثوقًا للأسلحة النووية، هو الضامن النهائي للاتحاد الروسي.
_تواصل موسكو تطوير أنظمة صاروخية بعيدة المدى، القادرة على حمل رؤوس نووية، وأنظمة توصيل تحت الماء، تهدف إلى اختراق أو تجاوز الدفاعات الصاروخية الأمريكية.
تعمل روسيا على توسيع وتحديث مجموعتها الكبيرة والمتنوعة والحديثة من الأنظمة غير الاستراتيجية، القادرة على إيصال رؤوس حربية نووية أو تقليدية، لأن موسكو تعتقد أن مثل هذه الأنظمة تقدم خيارات لردع الخصوم، والسيطرة على تصعيد الأعمال العدائية المحتملة، ومواجهة الولايات المتحدة وقوات الحلفاء بالقرب من حدودها.
حرب السايبر
نحن نقدر أن روسيا ستظل تشكل تهديدًا إلكترونيًا كبيرًا، لأنها تعمل على تحسين وتوظيف قدراتها في التجسس والتأثير والهجوم. كما نقدر بأن روسيا تنظر إلى الاضطرابات الإلكترونية، على أنها رافعة للسياسة الخارجية لتشكيل قرارات الدول الأخرى، فضلاً عن كونها أداة ردع وأداة عسكرية.
وتركز روسيا بشكل خاص على تحسين قدرتها على استهداف البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الكابلات تحت الماء وأنظمة التحكم الصناعية، في الولايات المتحدة وكذلك في الدول الحليفة والشريكة، لأن المساس بهذه البنية التحتية، يحسن ويظهر قدرتها على إتلاف البنية التحتية أثناء الأزمة. (وهذا ما يفتح الاحتمالات حول ما قد نشهده من تطورات للعملية الجارية حالياً في أوكرانيا).
وتستخدم روسيا العمليات الإلكترونية أيضًا، لمهاجمة الكيانات التي ترى أنها تعمل على تقويض مصالحها، أو تهديد استقرار الحكومة الروسية. لذلك تحاول اختراق الصحفيين والمنظمات في جميع أنحاء العالم التي تحقق في أنشطة الحكومة الروسية، وفي عدة حالات، قامت بتسريب معلوماتهم. (وهنا يطرح السؤال نفسه، حول غياب الموقف الأمريكي تجاه فضيحة تجسس العصر، بواسطة الفيروس “بيغاسوس” الذي تنتجه شركة “NSO” التابعة للكيان المؤقت، والتي تورط فيها العديد من الدول والحكام الحلفاء لأمريكا).
التأثير الضار
تمثل روسيا أحد أخطر تهديدات النفوذ الأجنبي على الولايات المتحدة، وذلك باستخدام أجهزتها الاستخباراتية ووكلائها، وأدوات التأثير واسعة النطاق لمحاولة تقسيم التحالفات الغربية، وزيادة نفوذها حول العالم، بينما تحاول تقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية. كما تسعى الى تضخيم الخلاف داخل الولايات المتحدة، والتأثير على الناخبين الأمريكيين وصنع القرار. نحن نقدر أن موسكو ستبني على هذه الأساليب، لمحاولة تقويض الولايات المتحدة مع ظهور الفرص – روسيا والجهات المؤثرة فيها بارعون في الاستفادة من الأحداث الجارية في الولايات المتحدة، لدفع المواقف الصديقة لموسكو إلى الجماهير الغربية.
_من شبه المؤكد أن موسكو تنظر إلى الانتخابات الأمريكية، على أنها فرص “للتأثير الضار”، كجزء من إستراتيجيتها الأكبر في السياسة الخارجية. وقد أجرت موسكو عمليات نفوذ ضد الانتخابات الأمريكية على مدى عقود، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2020. نحن نقدر أنها ستحاول على الأرجح، تعزيز العلاقات مع الأشخاص الأمريكيين في وسائل الإعلام والسياسة، على أمل تطوير علاقات لعمليات التأثير في المستقبل. يكاد يكون من المؤكد أن موسكو ستواصل عمليات التأثير عبر الإنترنت، في الولايات المتحدة وفي دول مثل بيلاروسيا وأوكرانيا ودول أخرى ذات اهتمام روسي رئيسي. كما ستواصل أيضًا البحث عن طرق جديدة، للتحايل على أنشطة مكافحة التضليل لشركات التكنولوجيا، لتوسيع نطاق سردياتها عالميًا.
الفضاء
ستظل روسيا منافسًا رئيسيًا في مجال الفضاء، حيث تحتفظ بشبكة كبيرة من أقمار الاستطلاع والاتصالات والملاحة. وستركز موسكو على دمج خدمات الفضاء، مثل الاتصالات؛ تحديد المواقع والملاحة والتوقيت؛ تحديد الموقع الجغرافي. والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع – في أسلحتها وأنظمة القيادة والتحكم، مما يسمح لها بتحديد وتتبع واستهداف الأقمار الصناعية الأمريكية، بسرعة أكبر أثناء النزاع.
في السنوات الأخيرة، ركزت روسيا جهودها على تطوير قدراتها الفضائية المدنية والتجارية. كما أنها باتت قادرة، على استخدام أقمارها الصناعية للاستشعار عن بعد المدنية والتجارية، لتكملة القدرات العسكرية المخصصة، التي تقلل من قدرة الولايات المتحدة على أداء أنشطة عسكرية حساسة، دون أن يتم اكتشافها. بالإضافة إلى تحسين قدرتها على الإطلاق، فهي تعمل على دعم رحلات الفضاء البشرية، للمهام المستقبلية في عمق الفضاء.
وتواصل روسيا تدريب عناصرها الفضائية العسكرية ونشر أسلحة جديدة مضادة للأقمار الصناعية لتعطيل القدرات الفضائية للولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وتقوم بتطوير واختبار وإدخال مجموعة من أسلحة الفضاء المضادة النارية وغير النارية – بما في ذلك قدرات التشويش والفضاء الإلكتروني، وأسلحة الطاقة الموجهة، والقدرات في المدار، وقدرات ASAT الأرضية، لاستهداف الأقمار الصناعية للولايات المتحدة والدول الحليفة لها.
_تستثمر روسيا في الحرب الإلكترونية، وتوجه أسلحة الطاقة لمواجهة الأصول الغربية في المدار. تعمل هذه الأنظمة عن طريق تعطيل أو تعطيل قدرات الخصم C4ISR وتعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والاتصالات التكتيكية والأقمار الصناعية والرادارات.
_تواصل روسيا تطوير أسلحة مضادة أرض_ جو مباشرة، قادرة على تدمير أهداف فضائية في مدار أرضي منخفض.
* الخنادق