عطوان: سياسة اللّعب على الحِبال في الأزمة الأوكرانيّة تقتربُ من نهايتها
سياسة اللّعب على الحِبال في الأزمة الأوكرانيّة تقتربُ من نهايتها
1٬168
Share
كيف اقتربت سياسة اللّعب على الحِبال والحِياد الكاذِب الإسرائيليّة في الأزمة الأوكرانيّة من نهايتها؟ وما هو السّبب الرئيسي وراء ذلك؟ ولماذا قد تكون من أبرز الخاسِرين؟
عبد الباري عطوان*
لا تقلّ حالة القلق والخوف التي تعيشها دولة الاحتِلال الإسرائيلي من جرّاء تطوّرات الحرب الأوكرانيّة عن نظيرتها النّاجمة عن ترسانة “حزب الله” من الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة، فهذه الحرب باتت تُشَكّل كابوسًا لقيادتها السياسيّة ومُساعديها من المُخطّطين الاستراتيجيّين لأنه لا أحد يستطيع التنبّؤ بتطوّراتها، ناهِيك عن نهاياتها، والانعِكاسات الإقليميّة والدوليّة التي يُمكن أن تترتّب عليها.
اللّافت أن الزعماء المُتورّطين في هذه الحرب، سواءً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو الأمريكي جو بايدن، لا يُعيران “إسرائيل” أيّ اهتِمام، وباتت كما مُهملًا، حتى مُحاولة نفتالي بينيت رئيس وزرائها للتدخّل كوسيط في هذه الأزمة، أو حتى استِضافة عاصمته كمُضيف للمُفاوضات المُقترحة بين الأوكرانيين والروس قُوبلت بالرّفض فورًا، باعتِبارها غير مُحايدة وغير مُهمّة في نظر الروس.
القيادة الإسرائيليّة تدّعي “الحِياد” ولكنّها ليست مُحايدة على الإطلاق، فمُنذ اليوم الأوّل لدُخول أول دبّابة روسيّة للأراضي الأوكرانيّة، أعلن يائير لبيد وزير الخارجيّة في حُكومة التّناوب، وقوفه في الخندق الأمريكي، وصوّت المندوب الإسرائيلي لصالح مشروع القرار المُقدّم إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة ويَنُصّ على إدانة الاجتِياح الروسي، وتَعانَق، أيّ المندوب، مع نظيره الأوكراني أمام عدسات التّلفزة العالميّة احتِفالًا بفوز القرار الأمريكي بأغلبيّةٍ ملموسة.
***
الصّحف الإسرائيليّة كشفت أن بينيت طلب من وزرائه في الحُكومة الأمنيّة المُصغّرة عدم الإدلاء بأيّ تصريحات في الملف الأوكراني أو التّجاوب مع أيّ طلبات للمِليونيرات الروس اليهود بالمُساعدة (أولغرشيا)، تَجَنُّبًا لإغضاب الرئيس بوتين.
القلق الإسرائيلي من تطوّرات الأزمة الأوكرانيّة، والادّعاء “المُزوّر” والمَغشوش بالحِياد، يعود إلى الحِرص على بقاء سياسة “غضّ النّظر” الروسيّة على الغارات الإسرائيليّة على العُمُق السوري، فالرّادارات الروسيّة ترصد الطّائرات المُغيرة فور إقلاعها من مطاراتها، وتستطيع ضربها وتدميرها حتى قبل أن تُقلع بحمولتها من الصّواريخ، ويُلاحَظ أن هذه الغارات توقّفت مُنذ اليوم الأوّل لاجتِياح الدبّابات الروسيّة للحُدود الأوكرانيّة.
مصدر القلق الثاني هو التّحالف الروسي الإيراني الذي ازداد قُوّةً وصلابةً بعد انفِجار الأزمة، حيث كانت القِيادة الإيرانيّة الأسرع من بين نظيراتها (إلى جانب السوريّة) في تأييد الاجتِياح الروسي ودعمه على عكس تركيا التي اتّخذت موقِفًا داعِمًا للرئيس الأوكراني زيلينسكي، سياسيًّا وعسكريًّا، حيث أغلقت مضيقيّ البوسفور والدردنيل، وأرسلت مُسيّرات “البيرقدار” لتعزيز قُدرات جيشه، ويتردّد في الأوساط العسكريّة، أن مُعظم الخسائر البشريّة في القوّات الروسيّة المُتواجدة على الأراضي الأوكرانيّة، جاءت بسبب غارات هذه الطّائرات، فالصّديق وقت الضّيق، وفي الأزمات تظهر معادن البَشَر والدّول معًا.
استِنجاد زيلينسكي رئيس أوكرانيا باليهود في مُختلف أنحاء العالم لدعم بلاده، كان المقصود به “إسرائيل” بالدّرجة الأولى، و”لوبيّاتها” في أمريكا وأوروبا، وحتى في الدّول العربيّة المُطبّعة، ومن غير المُعتَقد أن تستمر سياسة اللّعب على الحِبال الإسرائيليّة الحاليّة، ليس لأن هذه الحرب قد تطول، وإنّما أيضًا لأن الجانبين المُتورّطين فيها، سيَضَعان القِيادة الإسرائيليّة، وكُل اليهود في العالم أمام خِيارٍ واحِد إمّا “معنا أو ضدّنا”، والتخفّي خلف المُساعدات الإنسانيّة لم يَعُد يُعطي ثماره.
هُناك ما يَقرُب من مِليون ونصف مِليون يهودي هاجروا من الاتّحاد السوفيتي أثناء فترة انهِياره إلى فِلسطين المُحتلّة، حسب مقالة في موقع “المونيتر” نسبة كبيرة من هؤلاء من يهود أوكرانيا ونسبة كبيرة منهم لن يقبلوا سياسة بلدهم الجديدة (إسرائيل) تُجاه بلدهم القديم (أوكرانيا) في الوقوف على الحِياد “مُجاملةً” أو “مُسايرةً” للرئيس الروسي بوتين.
***
أهميّة “إسرائيل” كحليف موثوق وقوّة عسكريّة عُظمى، سواءً للشّرق أو الغرب تتآكل بسُرعة، وأصبحت تُشَكِّل عبئًا أمنيًّا على حُلفائها، ولن تعد البُوصلة التي تُحَدِّد سياسات القِوى العُظمى في “الشّرق الأوسط” ونحن نتحدّث هُنا تحديدًا عن روسيا وأمريكا والصين، ونقطة التحوّل في هذا المِضمار هي صُعود إيران وأذرعها العسكريّة، وقُدراتها العسكريّة في مجالات الصّواريخ والمُسيّرات، التي غيّرت كُل مُعادلات القُوّة، وقواعد الاشتِباك في المنطقة.
إذا نظرنا إلى الحرب الأوكرانيّة ومآلاتها، من زاوية الرّبح والخسارة، لا نتردّد في القول بأنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي ستحتل مرتبةً مُتقدّمةً على قائمة الخاسِرين.. واللُه أعلم.