لماذا ترفُضُ واشنطن انضمامَ كييف إلى الاتّحاد الأوروبي؟
لماذا ترفُضُ واشنطن انضمامَ كييف إلى الاتّحاد الأوروبي؟
متابعات| تقرير*:
في 28 شباط/ فبراير الماضي قدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مناشداً الاتحاد “قبول أوكرانيا على وجه السرعة”. متابعاً “نحن ممتنون للشركاء لوقوفهم معنا، لكن هدفنا هو أن نكون مع جميع الأوروبيين، أنا متأكد من أننا نستحق ذلك، أنا متأكد من أنه ممكن”. إرفاق زيلينسكي طلبه بالتمنيات وإعطائه صفة العجلة لم يغيّر شيئاً من موقف دول الاتحاد ومن خلفهم الولايات المتحدة الذين أعلنوه غير مرة برفضهم انضمامها، ولو ان الرفض دائماً ما كان يأتي تحت عناوين مختلفة. هذه المرة، حاول زيلينسكي استغلال التوقيت والحدث، لكن على ما يبدو، ان أوراق الضغط الخفية التي يمارسها الجانب الأوكراني على واشنطن لم تنضج بعد، حتى لو وصل الجيش الروسي إلى كييف.
مدير الاستشارية للدراسات الاستراتيجية الدكتور عماد رزق أشار في حديث لموقع “الخنـادق” إلى ان “الحديث عن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي جاء بعد أيام من انطلاق العملية العسكرية الخاصة التي أطلقها الجيش الروسي، الكل يعلم ان المفاوضات التي خاضها الجانب الأوكراني مع الاتحاد لم تصل إلى نتيجة، منذ انطلاق الثورة الملونة في العام 2004 كان هناك محاولات لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد، حيث كان الأخير يعد أوكرانيا بتقديم الدعم والمساعدات والتنمية والمشاريع… إلا ان ذلك لم يكن الرغبة الحقيقية لواشنطن، فالأخيرة تريد أوكرانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي بقدر ما تريدها جزءاً ورأس حربة في الحلف الأطلسي”.
وعن توقيت هذا الطلب، اعتبر رزق ان “الطلب جاء مناورة أوكرانية للضغط على الجانب الأميركي للإيحاء ان قرارات أوكرانيا هي قرارات أوروبية أكثر منها قرارات أميركية”، مؤكداً على ان “الجانب الروسي لا يرى بانضمامها إلى الاتحاد تهديداً للأمن القومي، أو حاجزاً في العلاقة بين الشعبين الروسي والأوكراني، بل ان الشعب الروسي يعتبر نفسه امتداداً للشعب الأوروبي”. مشيراً إلى ان “المشكلة مع الأميركي وانضمام أوكرانيا أو بعض دول أوروبا الشرقية إلى الحلف الأطلسي”.
ويذكر رزق انه “خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي وأثناء المفاوضات مع الجانب الأميركي، تقدم الجانب الروسي بورقة مكتوبة طالب فيها واشنطن بإعطاء وعود واضحة الا يتم انضمام دول جديدة إلى الحلف وألا يكون هناك توسعاً له، وبمعنى آخر، لا حاجة لهذا الحلف في ظل الاتفاق الذي تم سابقاً والذي يقضي بحل حلف وارسو مقابل الحلف الأطلسي”.
واشنطن تريد إنهاء الاتحاد الأوروبي
كان السبب الأول لتشكيل الاتحاد الأوروبي هو محاولة تجنب نشوب صراع جديد بين الدول الأوروبية بعد الحربين العالميتين، حيث تشكلت عام 1951 “الجماعة الأوروبية للحديد والصلب”، وبعدها بـ 6 سنوات تم التوقيع على إنشاء سوق مشتركة، حتى وصل عام 1995 والاتحاد يضم 27 دولة، استضاف الدولة الأخيرة عام 2013 وهي كرواتيا.
لكن سلسلة الأزمات التي تعرض لها هذا الاتحاد، وكان آخرها انسحاب بريطانيا منه في 31 كانون الثاني/ يناير عام 2020، جعلت من التساؤلات حول الدور الأميركي في ذلك مشروعة.
هنا، يشير الدكتور رزق إلى ان عقدة انضمام أوكرانيا “ليس في الاتحاد الأوروبي، بل العقدة ان الأميركي يريد انهاء الاتحاد الأوروبي، وما كان خروج بريطانيا من هذا الاتحاد عبر البريكست إلا إيحاء أكبر إلى ان الجانب الأميركي لا يريد لهذا الاتحاد ان يتوسع ويكبر. ونذكر هنا، الخلاف الذي حصل بين ألمانيا والولايات المتحدة على خلفية الاتحاد الأوروبي، والخلاف الذي حصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي دونالد ترامب -على خلفية مطالبتها بقوة عسكرية مستقلة عن الحلف الأطلسي- والذي ما زال موجوداً مع جو بايدن حتى هذه اللحظة”، معتبراً ان “الاتحاد الأوروبي عامل تقارب مع روسيا وأوروبا، بينما يشكل الحلف الأطلسي عامل إنهاء وجود ودور الاتحاد وينتج عن ذلك مزيداً من الهيمنة على القرار السياسي الخارجي والدفاعي لدول الاتحاد، وهذا ما كان أعدته واشنطن في أوكرانيا بغية تشكيل تهديد على الأمن القومي الروسي وبالتالي عند أي خطأ قد يرتكب بين دول في أوروبا الشرقية نتيجة الأحقاد أو التعبئة أو الحرب النفسية التي تخوضها الولايات المتحدة عبر وسائل الاعلام على الشعب الأوكراني أو على شعوب أخرى في المنطقة كان ممكن ان نتجه باتجاه الحرب العالمية الثالثة”. مشيراً إلى أننا “سنجد بعد وقت قصير ان روسيا بالعملية التي قامت بها قد أنهت الحرب العالمية الثالثة قبل أن تبدأ”.
وعن تأثير هذا الطلب على المفاوضات وعلى العملية العسكرية، اعتبر انه “وفقاً للمعطيات التي وردت عن مسار المفاوضات، فالجانب الأوكراني يعتمد عليها فقط لكسب الوقت ولمحاولة اللعب على عواطف الأوروبيين لاستجرار الدعم أو حتى للتوصل إلى الاتفاق أو إلى التهدئة، وزيلينسكي يعتمد هذه الاستراتيجية كي يبقى على رأس السلطة وان يبقى الاتفاق قائم مع المجموعات المتطرفة التي لها ولاء مع الجانب الإسرائيلي، والتي تتحكم بالتالي بالاقتصاد…الحديث عن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أصبح من الماضي”.
وأشار مدير الاستشارية للدراسات إلى ان “الجانب الروسي يعلم أن عملية التفاوض هي عملية كسب وقت، ويعلم أيضاً انه يفاوض واشنطن بشكل غير مباشر والأخيرة تسيّر هذه المفاوضات… ووفقاً للمعلومات فلا نتائج من الجولات التفاوضية التي عقدت إلى حد الآن، والأرجح نحن نتجه إلى عملية تصعيد وحسم… مع انتهاء أي فرصة للوصول إلى أي حل وفي ظل التعنت الأميركي واستمرار الضغط على الجانب الأوكراني، أعتقد أن الجانب الروسي سينتهي إلى حسم هذه المعركة، وقد تكون هناك مفاجآت في الميدان، وحتى عملية التفاوض ستكون على وقع التقدم”.
* الخنادق