عطوان: الرّابح الأكبر والخاسِر الأبرز من حرب أوكرانيا هاتان الدولتان
عطوان: الرّابح الأكبر والخاسِر الأبرز من حرب أوكرانيا هاتان الدولتان
هل ستخرج إيران الرّابح الأكبر و”إسرائيل” الخاسِر الأبرز من اندلاع أيّ حرب في أوكرانيا؟ وكيف؟
عبد الباري عطوان
إذا نظرنا إلى تطوّرات الأزمة الأوكرانيّة حتى الآن، ومن منظور الرّبح والخسارة، يُمكن القول إن إيران ربّما تكون الرّابح الأكبر، وإن دولة الاحتلال الإسرائيلي ربّما تكون أحد أبرز الخاسِرين.
لنبدأ بإيران، ونقول إن هذه الأزمة المُتفاقمة بين المِحورين الروسي الصيني من ناحية، والأمريكي الأوروبي من الناحية الأخرى المُقابلة، جاءت هديّة ثمينة لإيران وفي الوقت المُناسب، لأنّها خفّضت ترتيبها على قائمة الأولويّات الأمريكيّة بعدّة درجات، وبِما أدّى إلى تخفيف حدّة الضّغوط الغربيّة المُمارسة عليها في مُفاوضاتِ فيينا النوويّة للعودة إلى الاتّفاق النووي مجددًا، مُضافًا إلى ذلك تعاظم الرّغبة الروسيّة، ومن قبلها الصينيّة، لتقوية العُلاقات الاستراتيجيّة معها، وبما يُعزّز مكانتها في هذا المحور المُنافس للزّعامة الأمريكيّة على قِيادة العالم.
أمّا إذا انتقلنا إلى “إسرائيل” العدوّ اللّدود لإيران ومُعظم الدول العربيّة “غير المُطبّعة” فإنّ “التّوازن” الذي حقّقته على مدى السّنوات السّبعين عامًا الماضية، بين المُعسكرين الأمريكي والروسي، من خِلال لعبها على حِبال الطّرفين، بات على وشك الانهِيار إذا لم يكن قد انهار فعلًا، ويُواجه اختبارًا دقيقًا اسمه أوكرانيا.
***
نشرح أكثر هذه النقطة ونقول إن طلب المُساعدة العسكريّة الذي تقدّمت به حُكومة الرئيس زيلينسكي الأوكرانيّة (صهيوني) إلى “إسرائيل” وكشَفَ عنه وزير الخارجيّة يائير لبيد، بعد اجتِماعه أمس الأحد مع السيّدة أمينة جافروفا نائبة وزيرة الخارجيّة الأوكرانيّة ووعد بدراسته، هو العُنصر الأهم في هذا الاختِبار، فالرّد الإسرائيلي الإيجابي، أيّ إرسال أسلحة إلى أوكرانيا سيُؤدّي حتمًا إلى غضبٍ روسيّ، أمّا التّجاهل، أو عدم التّجاوب بالأحرى، سيؤدّي إلى استِياءٍ كارثيّ في أوساط المُعسكر الأوروبي الأمريكي وحِلف الناتو تحديدًا.
مرحلة اللّعب على حِبال القِوى العُظمى التي أجادها الإسرائيليّون طِوال العُقود الماضية بحُجّة أن هُناك جاليات يهوديّة في المُعسكرين وروسيا وأوكرانيا خاصّة يجب حِمايتها، والحِفاظ على مصالحها، تقترب من نهايتها، كُليًّا أو جُزئيًّا (تِعداد اليهود في أوكرانيا يبلغ حواليّ 50 ألفًا وفي روسيا 230 ألفًا) ولذلك ستُحاول تل أبيب الحيلولة دُون نُشوب أيّ حرب لتجنّب الاختِيار بين الخندقين الروسي والأمريكي (لأنّ الحِياد شِبه ممنوع)، ولهذا حاولت التوسّط، ودعت الحُكومة الإسرائيليّة إلى اجتِماع قمّة في القدس المحتلّة بين الرئيسين الروسي والأمريكي لتسوية الأزمة، ولكن هذه الدّعوة لم تلقَ أيّ تجاوبٍ من الطّرفين.
إيران التي تشعر بارتياحٍ كبير، وغير مُعلن، لتفاقم الأزمة الأوكرانيّة، حسمت أمرها مُبكرًا، ووقفت في الخندق الروسي الصيني، بينما لن يكون أمام “إسرائيل” إلا خِيار واحد، أيّ الوقوف في الخندق الأمريكي الأوروبي في نهاية المطاف، الأمر الذي سيُؤدّي إلى خسارتها علاقاتها المُتميّزة مع روسيا، وتحمّل تَبِعات هذه الخسارة في سورية وإيران، ومنطقة الشّرق الأوسط برمّتها.
ربّما يُجادل البعض، بطرح وجهة نظر مُضادّة ومُختلفة، والقول بأن الأزمة الأوكرانيّة ربّما تعود بالفوائد على كيان الاحتلال، من حيث اتّخاذها كذريعة لتهجير جميع اليهود في أوكرانيا إلى فِلسطين المحتلّة لتأمين سلامتهم في حال اندِلاع شرارة الحرب، ولكن يُمكن الرّد بالقول إن هُناك مِليون مُهاجر روسي في فِلسطين المحتلّة، ونصف هؤلاء غير يهود، أو غير مُعترف بيهوديّتهم، وتدين نسبة كبيرة منهم لموسكو وللرئيس بوتين على وجه الخُصوص، وربّما يتحوّل هؤلاء إلى “طابور خامس” لروسيا بلدهم الأصلي.
الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان حاول أن يتبنّى الدّور الإسرائيلي، وإخفاء انحِيازه إلى أوكرانيا بطرح نفسه كوسيط في هذه الأزمة، ولكن هذه الحيلة لم تَنْطَلِ على طرفيّ الأزمة، ولم تجد وساطته أيّ تجاوب أيضًا، وفي تقديرنا أنه سيكون من الصّعب على الرئيس بوتين أن يغفر له، أيّ للرئيس أردوغان، إرساله حواليّ 500 طائرة مُسيّرة من نوع بيرقدار التركيّة المُتطوّرة إلى أوكرانيا، وإدانته للضّم الروسي لشِبه جزيرة القرم وزيارته للعاصمة الأوكرانيّة كييف في ذروة توتّر الأزمة.
***
رسالتان جرى توجيههما إلى “إسرائيل” في الأيّام السّبعة الماضية، وتنطويان على معاني تحذيريّة خطيرة:
-
الأولى: الصّاروخ السوري الذي جرى إطلاقه باتّجاه العُمُق الفِلسطيني المُحتل، ووصل إلى مدينة أم الفحم الشماليّة بعد الغارة الصاروخيّة الإسرائيليّة على جنوب دِمشق، ولا يُمكن أن يأتي إلا بتَنسيقٍ مُسبَقٍ مع موسكو، وربّما بايعازٍ منها.
-
الثاني: تصريح الجِنرال علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي قال فيه “إن المُفاوضات النوويّة بلغت مرحلةً حاسمة، والأمر يعتمد على القرار السّياسي الإيراني بقُبول أو رفض الشّروط الحتميّة لاتّفاقٍ موثوقٍ ودائم، جوهرة رفع العُقوبات الأمريكيّة جميعها وفورًا واحتِرام المبادئ التي تمّ الاتّفاق عليها”.
الرّسالة الأولى مُلخّصها أن الرّد السوري على الغارات الإسرائيليّة ربّما بات وشيكًا، والأمر يتوقّف على موقف “إسرائيل” من أزمة أوكرانيا، والرّسالة الثانية الإيرانيّة تؤكّد أن طِهران لن تتنازل عن مواقفها، ولا يعنيها التوصّل إلى اتّفاقٍ في فيينا، والوضع الحالي “وضع دولة الحافّة النوويّة” يُناسبها.. واللُه أعلم.
* رأي اليوم