منتقدو بن سلمان: بينَ كَــمِّ الأفواه واحتجازهم!
منتقدو بن سلمان: بينَ كَــمِّ الأفواه واحتجازهم!
متابعات| رصد*:
تلقى التوجهات التي يتّبعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيما يتعلق بالسياسات الداخلية استنكاراً واسعاً قد تتسبب ببلبلة او توتر يصعب استيعابه، إن كان على صعيد تهميش دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تتولى منذ عقود وحتى الأمس القريب مهمة “الحفاظ على المجتمع السعودي من الضلال” وان كان على صعيد التعامل مع سواه من الأمراء في العائلة الحاكمة التي وصلت إلى حد التجسس الشخصي على كل منهم إضافة لزيادة الضرائب والأعباء المالية بشكل قد يكون غير مسبوق.
صحيفة “ذي إيكونوميست” البريطانية أشارت في مقال لها إلى انه قد “ازداد عدد المنتقدين يوما بعد يوم، ولا يمكن السيطرة عليهم بشكل كامل. حاول الأمير غلق أفواههم، لكنه لم ينجح في ذلك”. ونقلاً عن الخبير في شؤون التطرف توماس هيغهامر تقول الصحيفة ان “المملكة العربية السعودية أصبحت دولة مراقبة بالكامل. نجح بن سلمان في بث الرعب على نطاق واسع، حتى في لندن، حيث يقوم برصد وإغلاق هواتف المعارضين مع كل هذه التكنولوجيا المتاحة، لا أعتقد أن الثورة أو الانقلاب أمر ممكن”.
النص المترجم:
في 30 كانون الأول عام 2022، قامت السلطات في المملكة العربية السعودية بتعليق لافتات في مكة والمدينة، أقدس المدن الإسلامية، تطلب فيها من المصلين التباعد مسافة مترين، خشية أن انتشار فيروس كوفيد-19.
لكن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، يبدو أقل حرصاً على فرض مثل هذه القيود في أماكن أخرى. يحرص رجاله على جذب الحشود إلى قاعات الحفلات الموسيقية والمعارض في مدن أخرى. في الشهر الماضي، جمع مهرجان موسيقي ترعاه الحكومة 700 ألف شاب سعودي للرقص لمدة أربعة أيام. قال مدرس من المدينة المنورة: “هذه المملكة تمنع الفضيلة وتعزز الرذيلة”.
تعد استطلاعات الرأي العام شيئا نادرا في المملكة العربية السعودية، بالتالي من الصعب معرفة حقيقة الموقف الشعبي من جهود الأمير محمد بن سلمان نحو الانفتاح والإصلاح في واحدة من أكثر دول العالم انغلاقا وتعصبا.
تشير بعض الاستطلاعات من داخل المملكة إلى وجود ثلاث فئات على الأقل غير راضية عن الوضع الراهن: السلفيون الذين يعتنقون نسخة أصولية من الإسلام، الأمراء من عائلة آل سعود، والسعوديون العاديون الذين يتمسكون بالتقاليد. يمنع القمع والخوف هذه الفئات من محاولة الإطاحة بالأمير محمد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
يرى السلفيون الغاضبون أن الأمير محمد بن سلمان أفسد تحالفا بينهم وبين آل سعود يعود إلى ثلاثة قرون. وضع ولي العهد الأمير حدا لسلطات الشرطة الدينية، التي لم تعد قادرة على إجبار المتاجر والمطاعم على الإغلاق خمس مرات في اليوم للصلاة، أو منع الرجال والنساء من المصافحة. تفرض السلطات في العاصمة الرياض محتوى خطبة الجمعة على الأئمة، ومُنع مشاهير الدعاة على وسائل التواصل الاجتماعي من التغريد بشأن أي قضية، سوى الثناء على إنجازات ولي العهد.
لا يزال بعض السعوديين ينشرون فيما بينهم تعليقات سلفية مناوئة للوضع الحالي، ويعارض عدد من رجال الدين بشكل غير علني المهرجانات الموسيقية التي ترعاها الحكومة ويتهمون الأمير محمد بن سلمان بمخالفة تعاليم الإسلام.
يقول سلفي من مدينة جدة: “يزداد عدد المنتقدين يوما بعد يوم، ولا يمكن السيطرة عليهم بشكل كامل. حاول الأمير غلق أفواههم، لكنه لم ينجح في ذلك”.
لطالما حافظ أمراء العائلة المالكة المستائين على ولائهم للملك، إذ كان لديهم الكثير من المال لإنفاقه. لكن الأمير محمد شن هجوما حادا على هذه الطبقة، وقام بحبس عدد من الأمراء البارزين (والعديد من رجال الأعمال) في فندق فخم سنة 2017، وساومهم من أجل الحصول على الأموال والأصول.
يشكو أمراء آخرون من معاملة مماثلة، مثل الحرمان من بعض الامتيازات (الرحلات الجوية المجانية والمرافق والرعاية الطبية)، وأصبح من الصعب عليهم الحصول على عمولات لتسهيل العقود الحكومية. بشكل عام، يقول الأمراء إن محمد بن سلمان حوّل النظام السياسي التوافقي إلى حكم الرجل الواحد.
كان بعض السعوديين سعداء برؤية الأمراء الفاسدين ينقلبون على النظام، في حين كان البعض الآخر مبتهجا بتوسيع الأمير محمد للحريات الشخصية. لكن هناك العديد من السعوديين الذين لا يوافقون على ما يحدث في المجتمع من تغيير.
أثار اختلاط البنات والأولاد في المدارس الابتدائية قلق الكثير من الآباء. كثيرا ما يرى الرجال أن تمكين المرأة يؤدي إلى حرمانهم من العديد من الميزات. يقول جندي سابق: “في السابق، إذا أبلغت عن مغادرة ابنتي ليلا دون إذني، سيعيدونها مكبلة بالأصفاد. لكن في الوقت الراهن، إذا ما حاولت إيقافها، فإنها تشكو للشرطة ويتم اعتقالك”.
يعتقد بعض السعوديين أن الأمير محمد بن سلمان يسعى للتخلي عن الدين تماما، ولا يحاول فقط محاربة التعصب الديني وتعزيز الاعتدال. يقول أحد الصوفيين في المدينة المنورة: “إنه يحاول إبعاد الدين عن الفضاء العام مثلما حدث في أوروبا عندما تم إقصاء الكنيسة”.
تزيد سياسات الأمير الاقتصادية من سخط السعوديين. يشكو رجال الأعمال من استخدام الأمير لصندوق الثروة السيادية الضخم ومؤسسات أخرى لمزاحمة القطاع الخاص. انخفضت الإعانات تزامنا مع ارتفاع الضرائب والرسوم والغرامات.
يلاحظ سائق سيارة أجرة أن سعر البنزين الذي تسيطر عليه الدولة، والذي كان أرخص من الماء في يوم من الأيام، قد تضاعف أربع مرات في عهد الأمير محمد بن سلمان (يشيد خبراء الاقتصاد وعلماء البيئة بهذا التوجه). هناك القليل من المساءلة، وقد أنهى الأمير ووالده الملك سلمان تقليد استضافة المجالس الأسبوعية التي يمكن للسعوديين خلالها تقديم بعض الاعتراضات.
ما الذي قد يفرزه هذا الوضع؟ قلة هم من يعتقدون أن الدعاة سيلتزمون الصمت طويلا. يطرح البعض سيناريو ظهور نسخة سعودية من آية الله الخميني، الذي قاد الثورة ضد حكم الشاه في إيران. ويذكر مسؤول سابق حادثة اغتيال الملك فيصل على يد ابن أخيه سنة 1975، ويقول: “يعرف الأمير محمد جيدا ما يمكن للأسرة أن تفعله. لن يغفروا له”.
ويأمل آخرون أن يقف الرئيس جو بايدن في وجه وصول الأمير محمد بن سلمان إلى سدة الحكم، ويعتقد بعض المحللين بأن كل الإصلاحات ستتلاشى إذا لم يصبح بن سلمان ملكا للسعودية. يقول أحدهم:” التغيير مفروض من الأعلى، ومن المؤسف أنه لم يؤسس على قاعدة شعبية”.
لكن هذه السيناريوهات تبدو غير محتملة، ويبدو أن حملة القمع التي شنها بن سلمان أعطت ثمارها. يخضع معارضوه من أفراد العائلة المالكة للإقامة الجبرية (بما في ذلك وليا العهد السابقان)، ويقبع آلاف الدعاة خلف القضبان، من بينهم سلمان العودة، الذي يملك 14 مليون متابع على تويتر.
نجح بن سلمان في بث الرعب على نطاق واسع، حتى في لندن، حيث يقوم برصد وإغلاق هواتف المعارضين. يقول توماس هيغهامر الخبير في شؤون التطرف: “أصبحت المملكة العربية السعودية دولة مراقبة بالكامل. مع كل هذه التكنولوجيا المتاحة، لا أعتقد أن الثورة أو الانقلاب أمر ممكن”.
* الإيكونوميست