فيديو “العربية” عن حزب الله.. حين يسقط الإعلام في فخ السذاجة
فيديو “العربية” عن حزب الله.. حين يسقط الإعلام في فخ السذاجة
هناك جملة شهيرة جدا لوزير الدعاية في ألمانيا النازية “جوزيف غوبلز” الذي قال، “إذا كررت الكذبة مرات كثيرة، فسيصدقها الناس. وأنت نفسك ستصدقها آخر الأمر”. هذه القاعدة الذهبية قيلت في زمن لم يكن فيه التقدم التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، ولم تكن الفضائيات قد وجدت ولا وسائل التواصل الإجتماعي ولا الأقمار الصناعية. فما بالك بمن يكرر الكذبة مستخدما كل هذه الوسائل اليوم؟
إستنفرت قناة العربية ومعها قناة الحدث كل القدرات المتاحة لتغطية كلام المتحدث بإسم تحالف العدوان على اليمن “تركي المالكي” الذي نشر فيديو زعم أنه لقيادي من حزب الله (من منطقة البقاع اللبنانية) أثناؤ تواجده في اليمن وهو يدرب أو يعطي توجيهات لقادة عسكريين يمنيين. وربط ذلك بوجود طائرات مسيرة إيرانية في مطار صنعاء ما يبرر قصف العدوان للمطار ولأحياء مدنية أودت بحياة مدنيين.
طبعا الزخم الإعلامي والذباب الإلكتروني بدأ عمله مباشرة بعد كلام المالكي وبدأت عملية التغطية على أي فكرة أو رأي يقول إن الفيديو ليس صحيحا ومفبرك.
بداية وبدون أي شروحات وأي تفسيرات، الشخص الظاهر في الفيديو ليس لبنانيا، ناهيك عن كونه من البقاع. وما عليك إلا أن تسأل أي فتى في العاشرة من عمره عن لهجة الشخص في الفيديو سيقول إنه لا يتحدث باللكنة البقاعية ولا اللهجة اللبنانية. وربما نكاد نحسم الأمر بأن المتحدث لا يتكلم حتى باللهجة السورية. كان يمكن للقيمين على قناة العربية أن يسألوا أيا من اللبنانيين الذين يعملون فيها أو حتى مدير قنوات “إم بي سي” اللبناني علي جابر الذي يدعو لطرد اللبنانيين المعارضين لرأيه من السعودية والإمارات، كان سيخبرهم ان المتحدث لا يتكلم اللهجة اللبنانية.
حسنا.. ماذا لو طلبنا من شخص سعودي أو يمني تقليد اللهجة اللبنانية؟ هل ستكون لكنته شبيهة بتلك التي تحدث بها الظاهر في فيديو العربية؟.. سؤال مشروع نطرحه
الملفت في تغطية العربية لكلام المتحدث بإسم تحالف العدوان هو تحوله بعد عرض الفيديو إلى محلل سياسي ووزير للخارجية أو وسيط دولي (غير موثوق). المالكي استطرد في الكلام بأن حزب الله هو “سرطان” لبنان وأنه مسؤول عن قتل السعوديين، (طبعا تناسى عمدا ربما أن القصف اليمني داخل السعودية يستهدف مواقع عسكرية وإقتصادية استراتيجية وليس المدنيين). وللمصادفة لم يتواجد في قاعة مؤتمر المالكي أي صحفي يسأله ماذا عن المدنيين الذين يسقطون في اليمن، وآخرهم في القصف على صنعاء ومستشفى العلياء؟
ولأن سذاجة فيديو العربية الذي كشف عنه متحدث العدوان لا تستحق أكثر من هذه السطور، بات علينا السؤال. لماذا عمد تحالف العدوان على نشر الفيديو هذا الآن وإطلاق مرحلة جديدة من التصويب على حزب الله؟
= جريمة قتل اليمنيين في صنعاء
المالكي حاول كثيرا تبرير قصف المدنيين في صنعاء وزعم أن اليمنيين يخبئون طائرات مسيرة في المطار وأن القيادي (المزعوم) من حزب الله كان في مطار صنعاء. كل هذه التبريرات مترافقة مع الفيديو المذكور يخدم مساعي التنصل من جريمة قتل المدنيين في العاصمة اليمنية. وهنا سقطة أخرى، فكل التبريرات هذه لا تطمس حقيقة قتل المدنيين في اليمن منذ اليوم الأول للعدوان. وهنا تحضرني جملة لـ “جورج واشنطن” أول رئيس للولايات المتحدة تقول، “عدم تقديمك أي تبرير أفضل من تقديمك تبريرا سخيفا”
= ماذا لو كان فيديو العربية صحيحا؟
سؤال مشروع أيضا، ومن ضرورات الموضوعية أن نتناول القضية من جانب آخر. لو كان الفيديو صحيحا، كنا سنجد الولايات المتحدة تقيم الدنيا ولا تقعدها وتسعى لاستخدام الفيديو ورقة للضغط على إيران في المفاوضات النووية بحجة أن حزب الله يمثل امتدادا “لأنشطة طهران المزعزعة للإستقرار في المنطقة”، وفقا للرواية النمطية لواشنطن وحلفائها. وكنا سنجد الأمم المتحدة تصدر بيانا يستنكر ويندد. وكنا سنجد الكيان الإسرائيلي يحمل الفيديو ذريعة لإطلاق الإتهامات والتهديدات باتجاه إيران ولبنان. ولما لا، قد نجد أن حلفاء واشنطن في المنطقة يدعون لتعليق المفاضات النووية مع طهران وفرض عقوبات على حزب الله وإرسال قوات دولية إلى لبنان لوقف الحزب عن نشاطاته التي تساهم في “قتل السعوديين” كما زعم متحدث تحالف العدوان.
هنا، نجد انفسنا أمام أسئلة عديدة. ما الذي تريده السعودية من وراء الفيديو المزعوم؟
هل هو فقط تغطية على جريمة العدوان بحق المدنيين في صنعاء؟
هل هو للضغط على حزب الله لتقديم تنازلات في لبنان؟
هل تريد الرياض لفت النظر عن الإتهامات الموجهة لها بتعطيل إخراج السفير الإيراني في اليمن حسن إيرلو بعد إصابته بفيروس كورونا؟
هل هناك تعليمات بالتصعيد ضد حزب الله وجهت لحلفاء واشنطن في المنطقة، تصل أصداؤه إلى طهران؟
يقول الأديب الروسي الكبير “فيودور دوستويفسكي” (لا تكذب على نفسك. الرجل الذي يكذب على نفسه ويستمع إلى كذبه يصل إلى درجة أنه لا يستطيع تمييز الحقيقة داخله أو حوله، وبالتالي يفقد كل احترام لنفسه وللآخرين)
يمكن إضافة شيء على كلام دوستويفسكي وهي أن قناة “العربية” وأخواتها فقدت الكثير من الأموال لإنتاج أفلام فاشلة، وبروباغاندا فاشلة، وكان يمكن ان تستثمر هذه الأموال في أمور أكثر نفعا بالنسبة لـ (10 إلى 20 %) من السعوديين يعيشون الفقر في العامين الأخيرين وأكثر من (8%) عاطلين عن العمل. (وفقا لأرقام منظمة The Borgen Project الأميركية المختصة بالفقر)
بقلم حسين الموسوي