آخر فصول حرب الأمن الغذائي.. بذار أميركية مسمومة في الحسكة
متابعات- وكالات
بعد إجراء الفحوصات والتحاليل من قبل وزارة الزراعة السورية لبذار القمح التي قدمتها الـUSAID، للمزارعين شمال شرق سوريا، تبيّن أن أنها تحمل آفة النيماتودا، وستتسبب في حال زراعتها بخسارة الإنتاج الزراعي لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
“إنّ الشّعوب تُحكم بالخبز لا بالسلاح”، هذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، والذي تحاول اليوم بلاده ترجمة قوله في سوريا، بنفسها أو عبر عملائها في تركيا وميليشيا قسد الانفصالية، لتخريب الأمن الغذائي لسوريا والسوريين، ابتداءً من عمليات الحرق الممنهجة والمتعمدة للأراضي المزروعة بالقمح في عامي 2019 و2020، وما تبعها من سرقة لصوامع الحبوب وإرهاب الفلاحين، وليس انتهاءً بما أعلنته صفحة السفارة الأميركية في دمشق على تويتر، عن تقديم الـUSAID (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، 3000 طن من بذار القمح “عالية الجودة” للمزارعين شمال شرق سوريا، مع بدء موسم زراعته، زاعمةً أنها “ستساعد السوريين على ضمان حصولهم على الدقيق والخبز ومنتجات القمح الأخرى لإطعام أسرهم ومنع المزيد من الأزمات الاقتصادية”.
لكن الأمرَ لم ينته هنا، فبعد إجراء الفحوصات والتحاليل لهذه البذور من قبل وزارة الزراعة السورية، تبين أنها تحمل آفة النيماتودا، وستتسبب في حال زراعتها بخسارة الإنتاج الزراعي لمدة ثلاث سنوات على الأقل!
لماذا القمح السوري؟
تعتبر سوريا تاريخياً الموطن الأصلي للقمح، حيث يزرع فيها نوعان، الأول قاسٍ، يدخل في صناعة المعكرونة ويسيطر على المساحة الأكبر بسبب ملاءمته لظروف المناخ والتربة، أما الثاني فهو الطري الذي يدخل في صناعة الدقيق والخبز، ويُعدّ أقل انتشاراً.
وفي كثير من الأحيان، تقوم بعض الدول باستيراد أصناف معينة لنقل صفات مميزة إلى أصنافها المحلية المزروعة عبر تهجينهما سوياً، وتشمل الصفات المنقولة مثلاً مقاومة الأمراض والحشرات والتبكير في النضج ومقاومة الرقاد وغيرها.
واستعانت الكثير من الدول بأصناف القمح السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي أقامت مركز بحوث خاص لدراسة صفات الأصناف السورية القديمة في مدينة حيفا عام 1907، بهدف نقل الصفات التي تمتاز بها إلى الأصناف المحلية الأميركية، بحسب ما ذكره العالم الروسي فافيلوف في كتابه “القارات الخمس”.
زراعة البذار الأميركية ستتسبب بتقزم النبات وخسارة الإنتاج الزراعي
يراجع وزير الزراعة محمد حسان قطنا، في مكتبه بدمشق، النشرات التي ستوزعها الوزارة على الوحدات الإرشادية، لإيصالها إلى الفلاحين لتمكين معرفتهم بنيماتودا ثآليل القمح ومساعدتهم على مكافحتها، ويؤكد للميادين نت أنه: “إذا تمت زراعة هذه البذار، فهذا يعني استيطان النيماتودا في التربة، وعدم صلاحيتها لإعادة الزراعة إلا بعد دورة زراعية خاصة مدتها 3 سنوات، لقد فحصنا هذه البذور في عدة مخابر حكومية وخاصة، وتبيّن لنا أن الصنف الذي تنتمي إليه، مُعدّ للمناطق عالية الهطول المطري (عكس الحسكة)، وكان يزرع في إحدى دول الجوار واستبعدت زراعته منذ عام 1999”.
يشدّد الوزير قطنا على أن زراعة أي أصناف مخالفة وخلطها مع الأصناف المحلية، سيكون له آثار سلبية حتى لو كانت البذار سليمة، معتبراً أن هذا الأمر يُعدّ مخاطرة كبيرة. ويضيف: “نحن نمنع بشكل قاطع، توزيع أي بذار مصابة بالنيماتودا مهما كانت نسبته، فمثلاً العام الماضي حاولنا تأمين بذار داعم لما تنتجه مؤسسة إكثار البذار الحكومية، فحجزنا نحو 20 ألف طن، لكننا ألغيناها بعد أن أثبتت نتيجة التحاليل وجود حبة مصابة في كل 1 كغ، فكيف إذا كانت هذه البذار الأميركية، وبحسب نتائج التحاليل، تتجاوز الثلاثين إصابة في كل كغ”.
لا يجد وزير الزراعة السوري أي مبرر بريء لإدخال هذه الأصناف بشكل غير قانوني، طالما أنه لدى سوريا مراكز أبحاث وخارطة أصناف تراعي ظروف كل منطقة ومواردها المائية. ويختم قائلاً: “يخضع أي استيراد للبذار، إلى موافقة مسبقة من الوزارة ومديرية الوقاية والحجر الصحي، وطالما أنه تم إدخال هذه البذار من دون موافقة مسبقة، فهذا يعني حكماً مخالفتها للشروط الإدارية والفنية للاستيراد وللمواصلات القياسية السورية”.
“لا يمكن لمن احتلّ الأرض أن يعطي شيئاً بالمجان”
يجزم رئيس الاتحاد العام للفلاحين أحمد إبراهيم أن هذه “الهبة الأميركية” ليست إلا “سمّاً زعافاً”، ويقول للميادين نت: “لا يمكن لمن احتلّ الأرض أن يعطي شيئاً بالمجان، بل هي محاولة خبيثة لاستغلال معاناة الفلاحين وظروفهم الاقتصادية الصعبة، والتي هي أصلاً من تبعات قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية”.
ويؤكد إبراهيم أن حملة التوعية بمخاطر زراعة هذه البذور تتم في جميع المحافظات وليس في الحسكة فقط، شارحاً: “قد تجري عمليات تهريب من محافظة إلى محافظة أخرى، لأن المهرّب يهمه جني المال فقط ولا يهمه المصلحة الوطنية، نحن لا نريد لفلاحينا أن تتدمر أراضيهم في السنوات المقبلة، ولا نريد لهم أن يندموا”.
رئيس الاتحاد العام للفلاحين يُبدي تفاؤله بموسمٍ وفير، رغم موجة الجفاف التي أصابت البلاد العام الفائت، ويقول: “نواكب الآن بدء عملية زراعة القمح، ولدينا نحو 4000 طن للحسكة فقط مغربلة ومعقمة وجاهزة للتوزيع، الحسكة هي المحافظة الأولى بعدد الفلاحين في سوريا وهي عاصمة بلادنا الزراعية”.
المصدر-الميادين