كل ما يجري من حولك

فخ الديون Debts Trap”

488

بقلم\ محمد نجيب سعد
كتبنا مراراً وتكراراً على السلبيات والخطورة التي وصل إليها مستوى الدين العام اليمني، والذي شارف على نسبة 100 % إلى الناتج المحلي الإجمالي – GDP (الإنتاج الاقتصادي) الذي يعد عليلاً في طبيعته، وفقيراً في مكوناته، وقزماً في حجمه، وينكمش سنة بعد سنة، وطالبنا بالبدء باتخاذ سياسات مالية ونقدية في طريق خفضه إلى مستويات عملية ومقبولة.
الدولة تستدين، لأن مصروفاتها أكثر من إيراداتها مما ينتج عنه عجز في الموازنة المالية العامة.
حالياً يبلغ حجم هذا الدين العام الوطني نحو 15 مليار دولار أمريكي، منه ما يقارب 60 % بالعملة الوطنية، 8 تريليونات ريال يمني، وبقية الدين 40 % هو بعملات أخرى نحو 7 مليارات دولار أمريكي.
إن أسعار الفائدة المرتفعة تجاوزت الـ20 % سنوياً، والتي تدفع على الدين العام بالريال اليمني منذ بدء الحرب في نهاية الربع الأول من العام 2015م، إنما هو الخطر بذاته وأمر يثير قلقاً عميقاً له مبرراته.
هذا العبء سيسخر لخدمة فوائد الدين العام اليمني بالريال اليمني نحو 35 % من موازنة الدولة، ولن يبقى هناك ما يكفي للاستثمار ولتأسيس أي تحسن أو تقدم أو نمو في باقي القطاعات الاقتصادية القائمة (تعليم، صحة، بنية تحتية.. إلخ)، وكذا حرمان متعمد لأجيال المستقبل في حياة كريمة ومتواضعة.
القطاع المصرفي اليمني شبه مشلول وميت إكلينيكياً لشحة أو انعدام السيولة لديها التي تعتبر بمثابة الدم وأهم عامل لأي بنك. كل هذا هو بسبب الدين العام اليمني “70 – 75” % من أصول هذا القطاع الأصغر على مستوى العالم العربي هي قيد حجز الدين العام اليمني بالريال (سندات خزانة)، ونتج عن هذا الوضع المشين عدم استطاعة البنوك الوفاء بالتزاماتها، وحرم عملاءها من حقهم الشرعي والقانوني في سحب مدخراتهم وودائعهم من بنوكهم المعنية، والوضع ما زال مستمراً.
وبرغم هذا الوضع الاقتصادي والمالي الهش القائم أعلن البنك المركزي اليمني بعدن عن فتح الاكتتاب في أدوات الدين العام ابتداء من الأول من شهر نوفمبر 1/ 11/ 2021م، وهذا الوضع سينقل القطاع المصرفي اليمني من سيء إلى أسوأ بشكل عام.
هذا يؤكد أن الحكومة الحالية حالها هو حال الحكومات السابقة وهو الوقوع في فخ الديون بإدمان الاقتراض لتمويل عجزها المالي اللا متناهي، من أين أتى البنك المركزي أو وزارة المالية بهذا التفويض المالي المدمر؟!
في كل دول العالم المتقدمة والناشئة والنامية يرضخ الدين العام تحت سقف تحدده قوانين ودساتير تلك الدول، حتى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لا تقترض إلا بموافقة سيادية الكونجرس الأمريكي تكون ضمن سقف دين مسموح به لا يسمح بتجاوزه.
الحكومة قد تكون عالقة في فخ الديون، لكن لإدراكها وقناعتها غير المبررة أن بمقدرتها سيادياً التحرر منفردة عند الحاجة من هذا الموقف متى شاءت، وذلك عبر طبعها للعملة دون حسيب أو رقيب، كما كان الحال في الأعوام القليلة الماضية، وما تلا ذلك من نتائج مدمرة على سعر صرف الريال وتضخم مسعور في الأسعار.
ختاماً نقول: تبقى وصفة العلاج الأساسي والجذري للسيطرة على مستويات الدين العام اليمني، وتكمن في خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، لكن يبدو أن هذا عمل صعب وشاق ومرهق، وأنه غير مرغوب ومقبول به لأسباب يعلمها القاصي والداني.

You might also like