على أن المواجهات الدامية في عدن كانت بإشراف سعودي، وتُعدُّ الأبرز من بين أكثر من 74 حادثة مشابهة شهدتها المدينة خلال العام الحالي، وفق «المركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية» في صنعاء. وعملت دول «التحالف» على «تفخيخ» عدن بنحو 39 جماعة مسلّحة، ينحدر معظم قادتها من مناطق واقعة خارج المدينة، وتدين بالولاء لأبو ظبي والرياض. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، شهدت المدينة الجنوبية مواجهات مسلّحة بين فصائل متناحرة تابعة لـ«الانتقالي» في بئر أحمد، دار سعد، ومنطقة الحسوة، فيما تمّ رصْد مواجهات مماثلة بين فصائل مسلّحة موالية للإمارات في الشيخ عثمان، البريقة، المعلا، كريتر، وخور مكسر.
واقع الصراعات البينيّة في أوساط الميليشيات الموالية للإمارات، والتي أُنشأت على أسس مناطقية، أخذت في التصاعد منذ إعلان أبو ظبي الانسحاب من اليمن، وتسليم الرياض قيادة «التحالف» في عدن في تشرين الأوّل عام 2019. وعلى رغم محاولة السعودية إخضاع الميليشيات التابعة لـ«الانتقالي» لقيادتها بحُكْم أنها القائد العسكري للقوات المشتركة في اليمن، لكنها فوجئت بواقع أن تلك الميليشيات لا تزال تدين بالولاء للإمارات وتأتمر بأمرها، فقرَّرت ضربها من الداخل وتفكيكها تدريجياً. واعتباراً من مطلع العام الماضي، عمدت الرياض إلى تفكيك «ألوية العمالقة» السلفية الموالية لأبو ظبي، والتي تتكوّن من 13 لواءً عسكرياً، ويفوق عدد منتسبيها الـ26 ألف مقاتل، معظمهم من أبناء المحافظات الجنوبية، فيما ينحدر معظم قادتها من مديريات يافع. وخلال العامين الماضيين، تمكَّنت السعودية من تفكيك عدد من «ألوية العمالقة» وإضعافها من الداخل، لينشقّ عن الإمارات اللواء الثاني بقيادة حمدي شكري، واللواء الثالث بعد استقالة قائدة السابق عبد الرحمن اللحجي. كما انشقت «ألوية المقاومة التهامية»، لتصبح ضمنياً موالية للرياض وحكومة هادي.

أخذت الصراعات في أوساط الميليشيات الموالية للإمارات تتصاعد منذ إعلان الأخيرة الانسحاب من اليمن

حتّى الآن، لا تزال «ألوية حرّاس الجمهورية» التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، وعددها 11 لواءً، أربعة منها، هي: ألوية المشاة: (23، 22، 21، 20) بقيادة وزير الدفاع الجنوبي السابق اللواء هيثم قاسم طاهر، موالية بشكل كامل للإمارات. من جهتها، تعيش ميليشيات طارق صالح و«ألوية المقاومة التهامية» و«ألوية العمالقة» حالة صراع في الساحل الغربي. وعلى هذا النحو، ساد التوتّر العنصري ميليشيات «الانتقالي» في الضالع وردفان، حيث اندلعت، في الخامس من الشهر الماضي، مواجهات عنيفة بين قوات «الحزام الأمني» بقيادة «أبو علي»، وقوات الأمن في الضالع التابعة لفصيل «المقاومة الجنوبية»، واتّسعت إلى أحياء المدينة.
وفي أيار الماضي، دارت مواجهات مناطقية بين عناصر ينحدرون من يافع، وآخرون من الضالع في معسكر «الجليلة» التابع لـ«الانتقالي» في محافظة الضالع، على خلفية إشكالات بين «تيار الضالع» في «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يقوده رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، والجناح العسكري للمجلس الذي تقوده قيادات تنحدر من مديريات يافع. اللافت في الأمر هو أن ميليشيات «الانتقالي» الموالية للإمارات، والتي أصبحت اليوم عرضة للاختراق السعودي، فشلت في بناء حاضنة شعبية في المناطق التي تسيطر عليها في لحج وأبين وعدن والضالع، إذ تعيش مع قبائل الصبيحة وردفان ويافع حالة صراع عسكري مستمرّ، وهو ما سهّل عملية اختراقها من الداخل من قِبَل السعودية، التي تتّهمها قيادات من الصف الثاني والثالث في «الانتقالي» باستهدافها والوقوف إلى جانب حزب «الإصلاح». وكانت قيادات ميدانية في «المجلس الانتقالي» اتّهمت الرياض بالوقوف وراء مواجهات كريتر في اليومين الماضيين، مشيرةً إلى أن «المخطَّط السعودي يهدف إلى إخلاء عدن لمصلحة ميليشيات الإصلاح». ويقول مراقبون في عدن إن «السعودية وقفت وراء الاقتتال الأخير في المدينة بعدما طالبت الانتقالي بتنفيذ اتفاق الرياض الذي يُلزم المجلس بإخراج كافة الميليشيات المسلّحة من عدن إلى خارجها، وتسليمها لجهات أمنية موالية للسعودية».

* الأخبار| رشيد الحداد

الرياض تنقضّ على «تركة» أبو ظبي: عدن... ساحة لتصفية الحسابات