استراتيجية إطفاء النار بالنار..التحالف يفجّر صراعاً جديداً في عدن
متابعات- تقرير
صراع جديد يفجره التحالف بين فصائل موالية له في مدينة عدن، التي تعيش تدهوراً غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأزمات التي تعصف بحياة المواطنين في هذه المدينة، شأنها شأن بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف وحكومة هادي.
ووسط واقع اقتصادي متردٍّ وانهيار غير مسبوق في قيمة العملة، أفرز متوالية من الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يصطلي بنارها المواطن في عدن وبقية المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها التحالف وحكومة هادي؛ تدور -لليوم الثاني على التوالي- المواجهات الدامية بين فصائل الانتقالي الموالي للإمارات، لتنذر بمزيد من التدهور الاقتصادي، ومزيد من التفاقم للوضع الإنساني والمعيشي للسكان.
واندلعت المواجهات العسكرية -الجمعة (1 أكتوبر 2021)- بين قوات من معسكر عشرين الذي يقوده إمام النوبي، وقوات تابعة للحزام الأمني، والفصيلان تابعان للانتقالي الموالي للإمارات.
وكان النوبي الذي يقود معسكر عشرين، أهم معسكرات الانتقالي، في مدينة كريتر قد قاد -مساء الجمعة- هجوماً على مركز شرطة كريتر، حيث قام باعتقال عدد من قياداته بينهم قريب لقائد الحزام الأمني في لحج صالح السيد، وذلك رداً على اعتقال المركز لعناصر تابعة للنوبي، خلال الاحتجاجات الأخيرة في المدينة والمنددة بتدهور الوضع.
وعلاوة على ما أنتجته الأزمة الاقتصادية من غلاء وارتفاع للأسعار يقابله تراجع القدرة الشرائية للمواطن، يجد المواطن اليوم نفسه وسط موجة من الصراع المسلح والحصار المفروض على الأحياء السكنية، وإجراءات حظر التجوال والنقاط المسلحة والحواجز الأمنية، وإغلاق الأسواق والمحال التجارية وانقطاع الكهرباء.
وتشهد مديرية كريتر في عدن -السبت- مواجهات عنيفة مع استمرار تبادل القصف بين فصائل الانتقالي المتمركزة داخل المديرية وأخرى على تخومها، وأفادت مصادر محلية بأن سكان المدينة القديمة شوهدوا يفرون من منازلهم في أحياء مديرية كريتر باتجاه مديريات أخرى كالتواهي.
وكان ناشطون في مدينة عدن أطلقوا دعوات إلى مبادرة مجتمعية لتوفير وجبات غذاء ومياه شرب للعالقين في مدينة كريتر، التي تشهد مواجهات عنيفة منذ مساء الجمعة، فيما أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن -السبت- انقطاع التيار عن مديرية كريتر جراء المواجهات المسلحة.
وفيما يحضر صوت السلاح، تتوارى صور المعاناة الإنسانية والمعيشية للسكان الذين دفعتهم تلك الأوضاع المتردية اقتصادياً وخدمياً إلى رفع أصواتهم والخروج في تظاهرات احتجاجية على مدى الأشهر الماضية، وُوجِهت بالقمع وسقط خلالها قتلى وجرحى، فيما اعتُقل العشرات.
وإلى جانب الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي والقمع لأي احتجاجات على هذا الواقع، يأتي الصراع المسلح بين الفصائل الموالية للتحالف، ليكتمل بذلك الثالوث المرعب الذي بات يمثل تهديداً لحياة المواطنين في هذه المدينة، التي عانت الكثير منذ سيطرة التحالف عليها إلى اليوم، وعلى كافة المستويات، وإن كانت المعاناة الاقتصادية والمعيشية هي العنوان الأبرز.
الموقف السعودي من المواجهات الدائرة في المدينة، تحيط به علامات استفهام كثيرة، حيث تغض القوات السعودية المتمركزة في عدن الطرف عن هذه المواجهات، مفسحة المجال لاتساع رقعتها، حيث تحدثت وسائل إعلام عن وصول مختار النوبي، شقيق إمام النوبي وقائد اللواء الخامس في ردفان على رأس قوة عسكرية إلى عدن، بهدف فك الحصار على قوات شقيقه في كريتر، وذلك بعد أن شارك في اجتماع رأسه قائد القوات السعودية في المدينة.
وبدلاً من أن يتم مع عودة حكومة هادي، البدء في معالجة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطنون وصرف المرتبات المتوقفة منذ أشهر، التهب الوضع في المدينة، وهو ما حدا بمراقبين إلى اعتبار المواجهات الأخيرة جزءاً من مخطط للتحالف وحكومة هادي، بهدف الهروب إلى الأمام والقفز على المعاناة الاقتصادية والمعيشية التي تكابدها مئات الآلاف من الأسر، بعد أن باتت عاجزة عن توفير متطلبات الحياة الأساسية لأفرادها في ظل موجات الغلاء الناتجة عن الانهيار الاقتصادي وتراجع القوة الشرائية.
ويؤكد المراقبون أن المواجهات التي تشهدها عدن اليوم تأتي في إطار استراتيجية إطفاء النار بالنار، ومعالجة الأزمة بأزمة جديدة، وذلك لصرف الأنظار عن الواقع الاقتصادي والانهيار المعيشي والخدمي الذي تعاني منه مدينة عدن، وغيرها من المحافظات والمناطق الواقعة تحت سلطة التحالف والأطراف المحلية الموالية له.
وخلال الأشهر التسعة الماضية -وتحديداً منذ مطلع العام الجاري- تشهد المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف وحكومة هادي انهياراً اقتصادياً ومعيشياً غير مسبوق، وتردياً لكافة الخدمات، وغياباً كلياً للسلطات، وإن كانت مدينة عدن عادة هي صاحبة النصيب الأكبر من المعاناة، بعد أن كان تشكيل “حكومة المناصفة” وإشراك الانتقالي فيها، على أن تعود إلى عدن ويكون على رأس أولوياتها معالجة الملف الاقتصادي والخدمي، وهو الأمر الذي فشلت فيه هذه الحكومة، لتغادر إلى الرياض على وقع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة منتصف مارس الماضي.
وجاءت المواجهات التي اندلعت مساء الجمعة، بعد أيام من عودة رئيس الحكومة المدعومة من التحالف، معين عبدالملك، إلى عدن، وانتظار عودة بقية أعضاء الحكومة للبدء في معالجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وهو ما لم يعد ممكنناً بحسب مراقبين، نظراً لانفجار الوضع عسكرياً بين فصائل الانتقالي المدعوم من الإمارات.