كل ما يجري من حولك

الشرعية والانقراض

522

بقلم\ عمر الحار
هل الشرعية قابلة للانقراض؟
سؤال مُلح يخامر أذهان أبناء اليمن، ويكاد يكون حديث مجالسهم ومراسلاتهم كل يوم.
ويمكن اختزال الجواب المنطقي على السؤال، ببساطة في شعورهم القاتل باستسلام الشرعية لعملية تحريكها عن بُعد، وقبولها بتعطيل كل قدراتها، والاستعداد لكل ما يُملى عليها من الرعاة، وعجزها عن التعامل بما تقتضيه المواقف منها، وكساحها وكف يديها عن التقاطها، وتخلفها المشين عن التعاطي المباشر معها، وتقوقعها في ملاذاتها وصمتها صمت أهل القبور في كل ما يواجهها من استحقاقات المرحلة، ونسيانها لموجبات عملها لمواجهتها، واقتصار مهتمتها الرئيسة واختزالها منذ خروجها القسري من اليمن على توقيع مراسيم الفساد المالي والإداري بحسب مراقبين وصحفيين دوليين، دونما إدراك خطورتها المتفاقمة عليها، ومواصلة ممارساتها للأدوار المذلة والمدمرة لشخصيتها الاعتبارية كممثلة لدولة أزيلت من على ظهر الوجود، غير مكترثة بحظها من التهميش والتاريخ الذي لا يرحم وجود القيادات الهزيلة في حياة الشعوب وهو الذاكرة التي لا تموت والمتجددة في حياتها. وليس هذا من باب التحامل على الشرعية المخيبة لآمال الشعب على كل صعيد، بقدر ما هو إشفاقاً عليها، والرغبة الجامحة في إصلاح حالها.
ومرت اليمن في التاريخ الثوري الحديث بتجربة سياسية لا تقل في خطورتها عما تعيشه اليوم، وانتصرت فيها بالإرادة الوطنية الصلبة التي صنعت اليمن الجمهوري المعاصر، ولم تفرط في نضالات أبنائه الأحرار، وحافظت على انتصاراتهم التاريخية المكتوبة بالدم، على الرغم من قلة التمويل والعتاد، وتعرضت قياداتها ورموزها النضالية إلى صنوف من الاضطهاد والقهر والتهميش، لكنها لم تستسلم ولم تهن ولم تخضع لها، وصمدت صمود الجبال في وجه عنفوان المؤامرات عليها، واستطاعت من كسب الرهان الوطني بالاعتماد على قدراتها الفولاذية وشعبها الجبار الذي لا يقهر. وأحسنت توظيف وقوفها وانتظارها على أبواب من يتفاوضون بالنيابة عنها إلى نكت نارية مشتعلة في وجوههم، وتخرج من أفواههم الطيبة قنابل من الكلمات الشارحة لكربات صدورهم ونفوسهم العظيمة، ومن أضيق ممرات السياسة المتحكمة بالوصاية على اليمن في الرياض والقاهرة. على تخلف اليمن حينها في مختلف مناحي الحياة، وبصورة لا تقارن بما هي عليه اليوم من قدرات بشرية ومادية هائلة يصعب التصديق بالسيطرة على قياداتها الشرعية أو التحكم بها عن بعد، ولكنها الحقيقة المجردة التي لا مفر منها ولا يمكن تجاهلها في كل حال من الأحوال، وقد تكون ضحية لأطماعها الشخصية الرخيصة وتخليها الرخيص عن قيم الإنسان اليمني واعتزازه بمبادئه الثابتة والراسخة في الحياة لدرجة يتساوى فيها الغني والفقير، ولا مجال للحديث عن التفريط بها تحت أي مسمى من المسميات.
ولا مفر للشرعية الغائبة من الانقراض، والحكم المسبق عليها بالزوال من أفعالها المخجلة على شاكلة أقرانها من القيادات البائدة في حياة الأمم والشعوب، وعليها اختيار موقعها من الآن في الدرك الأسفل من الحياة والتاريخ، ما لم تبادر بالخروج من حالة اللا مبالاة القاتلة لها ولأحلام شعب من أكرم شعوب الأرض، والعمل على قلب المجن والشروع بفتح الأبواب المغلقة عليها، والإطلالة من ركام اليأس الضارب الأطناب في النفوس، والظهور الطهور كشمس الضحى من وحل الفساد، والتحرر من أغلاله الذهبية الثمينة، وبث إشارة اطمئنان بأنها قادرة على صناعة المستحيل وتحويل الأقدار المهلكة لليمن إلى برد وسلام عليها. وحينها سنؤمن بنبوءتها السياسية، وأننا في زمن إغلاق السماء لأبواب بركاتها للعباد.

You might also like