سوليفان – ابن سلمان: الخياراتُ تَضيق.. والوقت أيضاً
واشنطن تستشرف خطراً على بحر العرب
حملت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، للمنطقة، ربطاً بالملفّ اليمني، العديد من الإشارات المتداخلة، التي يمكن أن يُستشفّ منها أن ثمّة حجراً قد رُمي في مياه اليمن الراكدة. الخرق البسيط – إلى الآن – الذي طرأ على المشهد السياسي في اليمن، تُرجم سريعاً فتحاً لمطار صنعاء، قالت مصادر «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، إنه «فتح جزئي ومشروط»، والأهمّ أنه «غير كافٍ» وبالتالي «غير مقبول»، إذ تنقل بعض الأوساط المطّلعة على مضمون لقاء سوليفان بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لـ«الأخبار»، أن الزيارة أحدثت، بالفعل، خرقاً في موقف ابن سلمان، بحيث أصبح الأخير مستعدّاً لوقف العدوان وإنهاء الحصار ابتداءً، قبل إطلاق المشاورات الهادفة للتوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة، إلّا أنه، وفق مصادر «أنصار الله»، فإن «الحديث عن استعداد الرياض لوقف العدوان وإنهاء الحصار، لم يقترن حتى الآن بأيّ خطوات عملية على الأرض»، فيما «لا يوجد أيّ نشاط جدّي في هذا الاتجاه». ومن هنا، ينبع الخلاف الرئيس بين الرياض و«أنصار الله» حول المبادرة السعودية؛ فالحركة التي رفضت مراراً وتكراراً تلك المبادرة، كانت ولا تزال تعلّل رفضها لها بأنه «لا يمكن تجزئة الحلّ، كما أنه لا يمكن عقد أيّ حوارات في ظلّ العدوان، وإلّا تَغيّر اسمها من مبادرة سلام إلى مفاوضات استسلام». وفي حين تؤكد المصادر نفسها أنه بعد لقاء ابن سلمان – سوليفان «تمّ السماح بفتح مطار صنعاء، لكن إلى وجهات محدّدة يختارونها هم»، موضِحةً أن الوجهات هي «الأردن ومصر وجدّة فقط»، فهي تُبقي تشكيكها قائماً في أيّ خطوة تُقدم عليها السعودية «خصوصاً إنْ لم تكن مكتملة»، مستبعدةً أن يكون فتح مطار صنعاء على هذا النحو مندرجاً في إطار «حُسن النوايا السعودية»، خضوصاً أن هذه الخطوة كانت قد طُرحت في محادثات استوكهولم الأخيرة، وعارضها مفاوضو صنعاء اعتراضاً على اقتصار الجهات المسموح لها بالوصول إلى المطار على تلك المؤيّدة للرياض، بحيث رفضت السعودية في حينها إضافة بيروت ومسقط وطهران وعواصم أخرى تَطمئن إليها «أنصار الله» إلى القائمة.
تعتقد «أنصار الله»، وفق ما تقول مصادرها، أن «وقف العدوان بات يمثّل بالفعل حاجة أميركية سعودية ملحّة، في هذه المرحلة الحبلى بالتطوّرات الميدانية غير السارّة بالنسبة إليهم، ولكن ما يقومون به هو خطوات شكلية فقط»، وتَعتبر أن «إيقاف الحرب ورفع الحصار أسهل خطوة بالنسبة إليهم، وقراره بيدهم»، متسائلة: «لماذا كلّ هذا التململ؟». وتتعامل الحركة بحذر مع التطورات الأخيرة، فهي لديها شكوكها المشروعة المبنيّة على التجارب العديدة السابقة في ما يتعلّق بالإعلانات الأميركية – السعودية المتكرّرة في شأن إمكانية وقف الحرب، وآخرها إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، لدى تولّيه منصبه، أن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والمعدّات، من دون أن يَتحقّق أيّ ممّا وعد به. لكنّ جولة سوليفان هذه المرّة، والتي قادته إلى أبوظبي والقاهرة أيضاً، تأتي في مرحلة تُعيد فيها واشنطن ترتيب حضورها في المشهدَين الإقليمي والعالمي، بما يؤمّن لها انتقالاً سلساً من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، حيث «التنّين الصيني» يكبر ويتمدّد. ولطالما شكّل اليمن، على مدى السنين السبع من عُمر العدوان الذي يشنّه تحالف سعودي – إماراتي بقيادة خلفية أميركية، أحد أبرز مسبّبات النزيف في الموارد والجهود الدبلوماسية، وكذا الإعلامية والإنسانية، بالنسبة إلى فريق الحرب. وهو نزيف اشتدّ في الأعوام الأخيرة، لأسباب يمنية مرتبطة بتطوّر قدرات «أنصار الله» على التأقلم مع العدوان وصُنْع المعادلات الرادعة، وأخرى أميركية مردّها إلى استراتيجية إدارة بايدن الجديدة، وتزايد الضغوط التي يمارسها المشرّعون الأميركيون لوقف الحرب، بما بات يمسّ جوهر العلاقة الأميركية – السعودية.
تأتي جولة سوليفان في مرحلة تعكف فيها واشنطن على إعادة ترتيب حضورها في المشهدَين الإقليمي والدولي
مع ذلك، فإن استمرار حذَر «أنصار الله» له ما يبرّره؛ إذ إن البيان السعودي الرسمي في شأن لقاء سوليفان – ابن سلمان، والذي لم يُنشر على وكالة الأنباء الرسمية السعودية «واس» إلّا بعد 48 ساعة على اللقاء الذي جرى في الرياض مساء يوم الإثنين الماضي (بعد أن أنهى المسؤول الأميركي جولة قادته إلى الإمارات فمصر)، أتى جامداً واعتيادياً، إلى درجة أنه تجاهَل الخسائر المتلاحقة التي تُمنى بها قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، والفصائل المسلّحة التي تتلقّى دعم أبو ظبي والرياض، وأعاد الأمور سياسياً إلى المربّع الأول، بتجديده الحديث عن «المرجعيات الثلاث» التي طواها الزمن باعتراف المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، يانس غروندبرغ، إذ بحسب ما نشرته «واس»، جدّد ابن سلمان طرح «مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية، والتي تتضمّن وقف إطلاق نار شاملاً تحت مراقبة الأمم المتحدة، ودعم مقترح الأمم المتحدة بشأن السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لرحلات من وإلى محطات مختارة، إضافة إلى الرحلات الإغاثية الحالية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية بناءً على المرجعيات الثلاث برعاية الأمم المتحدة». وفي تعليقها على ذلك، تقول مصادر «أنصار الله» إنه «لا جديد» في ما أعلنه ابن سلمان، مشددة على أن «الأولويات» الواردة في البيان السعودي الرسمي، من المفترض أن يتمّ تحقيقها دفعة واحدة كشرط مسبق لانعقاد المفاوضات (حاول غروندبرغ ترويج هذا التزامن لدى السعوديين في زيارته الأخيرة لمسقط، إلّا أن مسعاه باء بالفشل)، ويُضاف إليها شرط جديد أدرجته «أنصار الله» أخيراً، ويقضي بانسحاب كلّ القوات الأجنبية من اليمن. وفي الاتجاه نفسه، جدّد الناطق باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي، محمد عبد السلام، القول إن «من يرغب في سلام فخطوات السلام تتمثّل في وقف العدوان ورفع الحصار ومغادرة القوات الأجنبية البلاد ومعالجة آثار العدوان ودفع التعويضات، ولن يتحقّق سلام بدون ذلك»، مضيفاً أن «شعبنا اليمني هو في موقف دفاعي، ولم يعتدِ على أحد، وهو يطلب حقّه في كامل الحرية والسيادة والاستقلال ولن يقبل بأقلّ من حقه المشروع».
على رغم ما تَقدّم، تفيد المعطيات بأنه في المحادثات الإيرانية – السعودية التي تَجري في العراق، يئس الجانب السعودي أخيراً من محاولات جرّ إيران إلى التفاوض حول المسألة اليمنية. وبالتالي، تَوصّل إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع «أنصار الله». فطهران، وإنْ كانت منفتحة على المساعدة، إلّا أن الكلمة الفصل في اليمن تبقى للحركة، التي تَعتبر أن كلّ الوجود العسكري الأجنبي في اليمن، وعلى رأسه السعودي والإماراتي، هدفه خدمة «المشروع الأميركي» الذي يمتلك وجوداً مباشراً في حضرموت والمهرة، وعبر الإمارات في سقطرى. وفي حين يقيس الأميركي المتّجه شرقاً، خطواته في المنطقة بميزان الذهب، فهو يعتبر أنه من الأنسب له دفْع السعودية خارج اليمن، قبل أن تضطر إلى أن تتعامل مع واقع جديد تكون فيه «أنصار الله»، البعيدة خطوة عن شبوة، جزءاً من المشهد المستجدّ في بحر العرب، في قلب المواجهة مع الصين.
تجدّد مساعي إنهاء الدعم الأميركي
قبل أسبوع، وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يدعو إلى إنهاء أعمال الصيانة والدعم الاستخباري للضربات الجويّة السعودية في اليمن. وصوّت 219 مشرّعاً (مقابل 207) لصالح المُضيّ قدماً في المشروع، الذي قدّمه النائب الديمقراطي رو خانا، والسناتور بيرني ساندرز، وشارك في صياغته رئيسا لجنتَي القوات المسلّحة والاستخبارات في مجلس النواب آدم سميث وآدم شيف. وفي حال أقرّه مجلس الشيوخ، فإن التعديل الجديد سيُدرج في إطار «قانون تفويض الدفاع الوطني»، العام المقبل. وفي هذا السياق، قال خانا، في بيان، إن «تمرير تعديلنا كجزء من قانون الدفاع الوطني هذا العام، يُرسل إشارة واضحة إلى حكومة المملكة العربية السعودية بأنّه يتعيّن عليها إنهاء حرب الاستنزاف ودعم تسوية سياسية وتعديلها». وأضاف: «بعد ذلك، سيتّجه تعديلنا إلى مفاوضات مؤتمر قانون تفويض الدفاع الوطني، وسأواصل الضغط من أجل إدراجه في تقرير المؤتمر النهائي، حتى يتمكّن الرئيس (جو) بايدن من توقيعه ليصبح قانوناً». ويأتي طرح المشروع الجديد في إطار سعي أعضاء الحزب الديمقراطي، منذ فترة، إلى إنهاء الدعم العسكري الأميركي لجهود الرياض الحربية في اليمن، والذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن انتهاءه بعد فترة وجيزة من تولّيه منصبه. لكن وزارة الدفاع استمرّت في تقديم دعم الصيانة للقوات الجوية الملَكية السعودية، وكذلك في التعاون الاستخباري مع الرياض.
* الأخبار| حمزة الخنسا