عواقب التخاذل وضمانات التآزر
ليعلم العدوّ وأذياله والصديق ومن معه أن نهج الحسين نهجنا ومسلكه مسلكنا وعدوه في ذاك الزمان هو عدونا اليوم
منصور البكالي
كل ما تحل علينا ذكر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ننطلق للبحث عن أسباب استشهاده، ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ وأين ومن كان عدوه في تلك المرحلة؟ وأين كانت الأُمَّــة الإسلامية التي لا يفرقها عن حياة رسولها ونبيها محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، الذي توفي يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول، في العام الحادي عشر للهجرة، فيما استشهد هو في يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية، أي بعد 50 عاماً من وفاة جده رسول الله.
فما هو سر تلك الانتكاسة الخطيرة والبالغة الخطورة في واقع الأُمَّــة آنذاك؟ وخلال فترة وجيزة؟ وما هو سبب تخاذلها وتَكاسُلِها، وجَبُنها، وتَرَاخيها، وضَعْفِها، ووَهْنِها، في فترة كان من المفترض أنها أشد عوداً وأقوى ساعداً!
وقبل الحديث عن السبب والمسببات ندرك أن شهادة الإمام الحسين عليه السلام ما هي إلا جزء يسير من ثمن باهضٍ ومكلف جِـدًّا على حال الأُمَّــة الإسلامية، وعلى الدين الإسلامي وعلى الرسالة المحمدية إلى اليوم، حين تخاذلت الأُمَّــة عن نصرة ومؤازرة، ومعاضدة ومساندة الأمام علي عليه السلام، من قبله، منذ اللحظات الأولى لوفاة رسول الله، ومنذ انعقاد أول مؤامرة للانقلاب على دين الله وثوابته وأعمدته.
فكان من أول أثمان التخاذل استشهاد أكثر من 70 ألفاً من صحابة رسول الله في صفين، حين لم يصمدوا لساعة أمام الحرب النفسية والإعلامية التي اتخذها العدوّ، فأعلنوا خذلانَ علي، وكانوا ممن خرج على ولاية، وقاتلوا في صفوف معاوية، واستمر بهم الانحراف إلى أن يقاتلون ابنه الإمام الحسين سبط رسول الله وريحانته.
ففقدت الأُمَّــة الحسينَ ومن قبله أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولحق بها الكثير من المآسي والجراحات التي تدمي القلب وتهيج الغضب، وتبعث الماضي الأسود لأُولئك المقصرين والمتراخين المستحقين لغضب الله، وضلاله إلى اليوم.
ومن هذا المنطلق فَـإنَّ التأريخ يعيد نفسه والأمة تمر بأسوأ وأخطر المراحل، وشعوبنا العربية والإسلامية بين خيارين، خيار الاستمرار في دفع المزيد من ثمن التراجع والتخاذل، وخيار التآزر والتعاضد والتعاون والتكاتف، فنصنع لأمتنا بذلك قوة وعزه وعزم وَمكنة، تخرجها مما هي فيه من الهوان والوهن والتكاسل والانهزام والتقاعس والشتات والتمزق والتناحر، أن تآزرنا، ما لم فالقادم أسوأ وأشد، وماضينا وحاضرنا ومستقبل أجيالنا مبني على السلوك الذي سنسلكه وعلى الخيار الذي سنختاره ونسير عليه، فإما أن نختار مواقف الحسين “عليه السلام” وتضحيته، وثباته، ومواقف أصحابه المخلصين الذين استشهدوا بين يديه، أن وقفنا اليوم وفي هذا العصر في موقف حفيده وسليل جده من ذرية أخيه السيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ومواقف الشهداء المخلصين وعلى رأسهم موقف كُـلّ شهداء المقاومة في اليمن وخارج اليمن، وإما أن نختار الخيار الذي اختاره من كانت سيوفهم في صفوف يزيد بن معاوية ومواليه، فنخسر ديننا ودنيانا وحاضرنا ومستقبلنا قبل آخرتنا.
وليعلم العدوّ وأذياله والصديق ومن معه أن نهج الحسين نهجنا ومسلكه مسلكنا وعدوه في ذاك الزمان هو عدونا اليوم، ولا خيار أمامنا، وأمام أمتنا وشعوبنا، غير أن نستمد من عزمه وإرادته وشجاعته وبأسه ما نشق به طريقنا نحو النصر، والتمكين، فإن ذهب زمن الحسين فلا يزال بين أظهرنا ألف ألف حسين، ففي مران صعدة اليمنية بعث الله الحسين مجدّدًا، وعززه بأخيه من بعده عَلَماً للهدى وقائداً للأُمَّـة وللمستضعفين، ومذلاً لأمريكا وإسرائيل والمنافقين في هذا العالم.
ولِـــلَّـــهِ دُرُّ رِجالٍ دفعوا ثَــمَــنَ تَــخَـــاذُلْ أُمَّـة بأكملها، نراهم في الجبهات والميادين المقدسة ثابتين بعزم وتضحية الحسين وبأس وشجاعة علي، ووعي وبصيرة زيد، وهيهات منا الذلة.