كل ما يجري من حولك

“طالبان” تدخل كابول.. أميركا تتخلّى عن استراتيجيتها؟

465

متابعات- الميادين
بعد 20 عاماً على غزو أميركا أفغانستان واحتلالِها، تخرج واشنطن منها وتترك قواتها الحكومية منهَكة وغيرَ منظَّمة، الأمر الذي جعل هذه القوات تستسلم لحركة “طَالبان”.

دخلت حركة “طالبان”، اليوم الأحد، العاصمة الأفغانية كابول، بعد أن كانت سيطرت على مدن كبرى في أفغانستان، على الرغم من أن واشنطن أرسلت الآلاف من جنودها لردعها، كما قامت باستهدافها جواً لمنع تمدُّدها أو إعاقته، بينما كانت أنفقت، على مدى عقدين، مئات المليارات من الدولارات خلال وجودها هناك.

تعود حركة “طالبان” اليوم إلى السلطة في أفغانستان، مع قبول الرئيس الأفغاني أشرف غني الاستقالةَ، وتعهُّدِه نَقْلَ السلطة، وهروبِ عدد كبير من مسؤولي الدولة الآسيوية، وإجلاءِ عددٍ آخر منهم، الأمر الذي يشير إلى انتهاء تجربة غربية استمرت 20 عاماً.

تاريخياً، سيطرت “طالبان” على المدن الأفغانية، واحدة تلو الأخرى، وتحديداً منذ عام 1995 حتى عام 2001، حين سحبت السعودية والإمارات اعترافهما بالحركة، وغزت أميركا أفغانستان، وأنهت حكم “طالبان”.

يختلف الماضي عن اليوم، إذ إن “طالبان”، منذ أن بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها في نيسان/أبريل الماضي، سيطرت على كبرى المدن والولايات في غضون أشهر قليلة، وبسرعة قياسية. وباتت تمتلك ترسانة هائلة من السلاح غنمتها من القوات الأفغانية المدعومة أميركياً.

وتسيطر حركة “طالبان” اليوم على 30 ولاية أفغانية من أصل 34، بعد إعلان سيطرتها على عواصم ولايات لغمان وميدان وردك وباميان وخوست وكابيسا وننغرهار ودايكندي.

هذا التقدم السريع لمقاتلي “طالبان” في أفغانستان يعكس فشل جهود الولايات المتحدة في تحويل الجيش الأفغاني إلى قوة قتالية قوية ومستقلة، ويشير إلى الحسابات الأميركية الخاطئة خلال الأيام الماضية، بعد أن كان مسؤول عسكري أميركي نقل مؤخّراً عن المخابرات الأميركية قولها إن “طالبان” قد تستولي على كابول في غضون 90 يوماً.

سيطرة “طالبان” تشير إلى فشل أميركا في “مُهِمَّتها”
في قراءة الأهداف المُعلنة لواشنطن في أفغانستان، يُفْضي الأمر إلى خلاصة مَفادها أن فشلاً استراتيجياً رافق أميركا وحلفاءها في البلاد. وهنا نشير إلى تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت سابق، قال فيه إن “سيطرة طالبان على أفغانستان ليست حتمية”، مؤكداً “ثقته بقدرة الجيش الأفغاني، الذي هو أفضل تدريباً وأفضل تجهيزاً وأكثر كفاءة، فيما يتعلق بشنّ الحرب”.

إلى جانب ذلك، يعترف كبار مستشاري الرئيس بايدن، وفقاً للإعلام الأميركي، بأنهم أُصيبوا بالدهشة من الانهيار السريع للجيش الأفغاني في مواجهة هجوم جيّد التخطيط من جانب “طالبان”.

في مقابل ذلك، فإن معاناة القوات الأفغانية لم تُشْفَ قطُّ من الفساد المستشري، وفشل الحكومة في دفع رواتب كثيرين من الجنود الأفغان وضبّاط الشرطة طوال أشهر، والانشقاقات، وإرسال الجنود إلى الجبهة من دون طعام وماء كافيين، ناهيك بنقص الأسلحة.

في الأيام القليلة الماضية، انهارت القوات الأفغانية على نحو واضح بينما كانت تقاتل للدفاع عن الأراضي التي تتقلّص باستمرار، الأمر الذي أدّى إلى خسارة مزار الشريف، المركز الاقتصادي للبلاد، أمام “طالبان”، يوم أمس السبت.

ويقول مساعدو بايدن إن “استمرار هذه المشاكل عزّز اعتقاده أن الولايات المتحدة لا تستطيع دعم الحكومة الأفغانية والجيش إلى الأبد. وأخبر مساعديه بأن البقاء مدةَ عام آخر، أو حتى خمس سنوات، لن يُحدث فارقاً كبيراً، ولا يستحق المخاطر”، بحسب “نيويورك تايمز”.

اكتسبت الحملة، التي شنتها حركة “طالبان”، من أجل استعادة البلاد زخمها، في وقت سابق من هذا العام، عندما بدأ الضباط في المناطق الريفية الاستسلامَ. واكتسبت زخمها على الفور تقريباً بعد أن بدأت القوات الأميركية الانسحابَ، وتسارعت منذ ذلك الحين فقط.

وعندما دخلت “طالبان” المدن في جميع أنحاء البلاد، كان من الواضح أن القوات الحكومية منهَكة وغير منظَّمة، ومن دون دعم أميركي، وانهار عدد من المدن من دون إطلاق رصاصة، بينما استسلمت القوات الحكومية أو فرّت، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأهداف الأميركية في إفساح المجال لـ”طالبان” بالسيطرة، وعدم قدرة القوات الحكومية، التي من المفترض بواشنطن أن تكون سلّحتها خلال مدة غزوها أفغانستان، على المواجهة.

وتشير دراسة صدرت عن مبادرة “تكلفة الحرب”، وهي مشروع بحثي مشترك بين جامعتي براون وبوسطن الأميركيتين، إلى أن تكلفة الحرب في أفغانستان تخطّت تريليون دولار، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 2401 جندي أميركي، و3943 متعاقداً حكومياً، منذ بدء القتال في نهاية عام 2001 حتى توقيع اتفاق السلام بين حركة “طالبان” وإدارة دونالد ترامب في نهاية شباط/فبراير 2020.

يُذكَر أن المهمة القتالية الأميركية في أفغانستان كانت أطول حرب خاضتها أميركا، وحصيلة القتلى وصلت إلى عشرات الآلاف. ولأن الولايات المتحدة اقترضت معظم الأموال لدفع ثمنها، فإن أجيالًا من الأميركيين ستُثقل كواهلها بتكلفة سدادها.

نهاية “اتفاق الدوحة”
يأتي ذلك في الوقت الذي أخفقت المحادثات بين “طالبان” والحكومة الأفغانية في التوصل إلى تفاهم سياسي، من شأنه أن يُفضي إلى اتفاق سلام بين الأقطاب المتصارعة.

في المقابل، تضمّن “اتفاق السلام” الموقَّع في 29 شباط/فبراير، في العاضمة القطرية الدوحة، بين “طالبان” والولايات المتحدة، انسحاباً كاملاً للقوات الأجنبية من أفغانستان، يعقب ذلك بدء “طالبان” مفاوضات مع الأطراف الأفغانية.

وسيكون وقف دائم وشامل لإطلاق النار بنداً في جدول أعمال الحوار والمفاوضات بين الأفغان. وسيبحث المشاركون في المفاوضات الأفغانية في موعد وقف إطلاق نار دائم وشامل، وفي شكله، بما في ذلك آليات التنفيذ المشتركة، والتي سيتم الإعلان عنها، والاتفاق على مستقبل الخريطة السياسية لأفغانستان.

فشِل “اتفاق الدوحة” في تحقيق بنوده وفي تنفيذها، مع فشل الأطراف الأفغانية في البدء في مفاوضات للاتفاق على مستقبل أفغانستان، وعدم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، بل استمرار تقدم الحركة وسيطرتها على المدن الأفغانية.

ولعلّ ما قاله مستشار الرئيس الأفغاني للشؤون السياسية والأمنية، محمد محقق، للميادين في وقت سابق، يعبّر عن واقع الحال، عبر تشديده على أن “الأميركيين اعترفوا بهزيمتهم”.

You might also like