عِيارُ الكلمة والسلاح
عِيارُ الكلمة والسلاح
منصور البكالي
في زمن الحروب يترافقُ السلاح والكلمة في ميدان المواجهة، يجمعهما عدو واحد وهدفٌ واحد وقضية واحدة، ليكونا منظومة دفاع وهجوم واحدة.
وكما أن لكل سلاح معياراً محدّداً ومخزنَ أعيرة معروفة وقدرات تدميرية مختلفة باختلاف مقذوفاتها، من قذيفة إلى أُخرى، ولكل قذيفة اختصاص في قتل وجرح العدوّ وتدمير معداته أَو التأثير عليها، فَـإنَّ للكلمة نفسَ المدَيات والتأثيرات والحسابات.
ومن القواعد الحربية الثابتة أنه لا يمكن للسلاح أن يحقّق أهدافه العسكرية والأمنية ويصد مخطّطات العدوّ وهو بمعزلٍ عن الكلمة، وكذا لا يمكن للكلمة أن تغير من قناعات العدوّ الداخلية وتدفعه للتراجع عن وحشيته وجرمه وأهدافه الاستعمارية للشعوب ومقدراتها ما لم يكن السلاح قائداً للحرف ولواءً للكلمة وفريقا للعبارة.
وعلى مر التأريخ وما عانت البشرية من صراعات وحروب بين الحق والباطل هل قرأنا في الكتب السماوية أَو الوضعية أَو الأساطير أن أُمَّـة من الأمم تغلبت على خصومها وأعدائها بسلاح الحرب دون سلاح الكلمة أَو بسلاح الكلمة دون سلاح المواجهة! أَو هل تمكّنت من الانتصار على أعدائها وسلاحها موجه نحو صدور قاداتها وأفرادها!؟
أكيد لم نجد ولن يكون للاحتمالات أي وجود في هذه المعادلة، بل هناك الكثير من الشواهد حاضرة حول مصير الشعوب التي سلبت سلاحها وزين لها شياطين الإنس أن بإمْكَانها تحقيق مطالب شعوبها بنضال الكلمة، أَو بنضال السلاح دون توحده مع الكلمة.
فلسطين حاضرة بين أظهرنا، وتمزق عدد من شعوب المنطقة شاهد؛ بسَببِ عدم واحدية الهدف بين القابض على الزناد والمحرك لسن القلم.
ومن الشواهد أن من يبتعد بكلمته وعباراته عن أهداف القابضين على السلاح، مهما ادعى أنه يتحدث عن كرامة الشعب أَو حقوق الجماهير، ينتهي به المسار ليصطف مع الأعداء ويلتحق بالخونة والغزاة والعملاء، فيكون بكلماته ومساعيه خنجرا مسموما في خاصرة الأُمَّــة، يحركه العدوّ ويتحكم به لخدمة أهدافه شعر أَو لم يشعر، وكم ممن كانوا محسوبين على النخب الثقافية والسياسية في وطني التحقوا بالعدوان على شعبنا اليمني.
ونؤكّـد على أن سلاح الحرب يمكنه حماية الشعوب والأوطان والمقدرات، وتدمير مقومات وقدرات وقوات العدوّ، فيما سلاح الكلمة يتفوق عليه بقدرته على البناء والتنمية وتوحيد الجهود والأهداف والرؤى لتصب في مصب واحد وبما يخدم القضية ويحقّق تَطلعات الشعوب.
وقبل إطلاق الكلمة أَو العيار يجب أن يكون الرامي والكاتب في وضعية مناسبة وعيونهما على الفريضة والشعيرة والهدف، ويسبقهما عمليات تأهيل وتدريب ولياقة، مع أهميّة ضبط وتوزيع التنفس بمقدار يحقّق توازن الجسد الواقف خلف السلاح والممسك به، وثبوت رؤية الهدف دون أي انحراف يذكر.
وللتوضيح أكثر وبعيدًا عن المفردات العسكرية نقول لبعض كتابنا ومفسبكينا ومغردينا لا تستمروا على ما أنتم عليه، بل عليكم التوقف الفوري؛ لأَنَّ سلاحكم موجه في كَثيرٍ من الأحيان باتّجاه القوات الصديقة والاحتياطية وتطلقون رصاصاتكم الغادرة من الخلف إلى صدور وجماجم الصفوف المتقدمة في ميدان المواجهة، فكافاكم عبثاً، وعليكم القيام بمسؤولياتكم الوظيفية وترك سلاح الكلام لمختصيه ومن لديهم الخبرات والمهارات في استخدامه وفكه وتركيبه وصيانته أرجوكم.
وإن لزم الأمر نأمل من القيادة فرض غرامات وعقوبات على كُـلّ من يتهاون في تحمل مسؤولياته العملية نتيجةَ سهره الطويل على شاشة التلفون ليكتب وينشر لشبع غريزة الشهرة وحب الإعجابات واللايكات لديه، فيصل به الحال إلى مرحلة الهوس، والتوحد في عالم افتراضي بعيدًا عن الواقع، وهؤلاء دواؤهم الوحيد مصادرة تلفوناتهم ذات الشاشات واستبدالها بتلفونات ثابتة أَو ذات أزرة؛ لحماية جبهتنا الداخلية.
وأخيرًا يتطلب منا المعرفة الكافية لكيفية استخدام سلاح الكلمة وضد من، ومتى، ولماذا، كما نتمعن ونخطط لأية عملية عسكرية دفاعية أَو هجومية وتفعيل مبدأ الدفاع السلبي من أعين العدوّ وأسلحته وراصديه.