روسيا مذهولة أمام تطوير صواريخها.. والوقود الصلب بات يُصنّع محلياً: باليستيّ اليمن يغيّر معادلات الردع
روسيا مذهولة أمام تطوير صواريخها.. والوقود الصلب بات يُصنّع محلياً: باليستيّ اليمن يغيّر معادلات الردع
متابعات| تقارير:
صنعاء | تمكّنت صنعاء من إعادة تشغيل منظومتها الصاروخية التي تعرّضت للتدمير الممنهج خلال العقدين الماضيين، واستطاعت أن تُطوِّر الصواريخ الروسية المتقادمة إلى أجيال حديثة بمُسمّيات وطنية تتواءم مع ظروف المعركة الدفاعية التي تخوضها منذ ستّ سنوات. وخلال السنوات الأخيرة، غَيّر البرنامج الصاروخي اليمني معادلة توازن الردع مع دول تحالف العدوان، إذ أصبحت صنعاء تمتلك ترسانة صاروخية متعدّدة المهامّ والأحجام والأجيال. فبعد نجاحها، خلال العامَين الأوّل والثاني من عمر الحرب، في تطوير صواريخ «سام 1» و»سام 2» من صواريخ دفاعية «أرض – جو» إلى صواريخ هجومية «أرض – أرض»، استطاعت خلال الفترة الممتدّة من 2018 إلى 2020، تحويل صواريخ مُفكَّكة ومتقادمة إلى صواريخ باليستية حديثة، بمديات تصل إلى ما بعد العاصمة السعودية الرياض. تطوُّر صاروخي متعاظم أرعب دول تحالف العدوان، وضاعف قلق إسرائيل التي أصبحت بعض مستوطناتها تحت رحمة صاروخ «القدس 1» المُطوَّر يمنياً.
خلال الأيام الأولى، تعرَّضت ألوية الصواريخ غربيّ صنعاء وجنوبيّها للمئات من الغارات الجوية السعودية، التي استهدفت تدمير المخزون اليمني من صواريخ «سكود» و»توشكا» و»فروغ 7» التي يتجاوز عددها الـ 500 صاروخ، ويعود إنتاج البعض منها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك صواريخ كورية شمالية من طراز «هواسونغ 5 و6» و»كروز» المُجنّحة. إلا أن تلك الغارات فشلت في تحقيق أهدافها، كون الصواريخ نُقلت إلى أماكن أخرى قبل العدوان بعدّة أشهر، وفق مصادر مطّلعة، تؤكّد أيضاً أن «عملية التطوير الصاروخي من قِبَل صنعاء بدأت قبل العدوان بأشهر». ومع ذلك، أعلنت السعودية، في الـ 21 من نيسان/ أبريل 2015، تمكُّنها من تدمير 90% من الصواريخ الباليستية اليمنية، منهيةً ما سُمّيت «عاصفة الحزم»، ومُدشّنة «إعادة الأمل» المزعومة.
لكن، سرعان ما جاء الردّ اليمني في الرابع من أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، حيث استهدف صاروخ «توشكا» متوسّط المدى معسكراً للإمارات في منطقة صافر في محافظة مأرب، ما أدّى إلى مقتل 99 جندياً، بينهم 52 إماراتياً، وستة بحرينيين، و26 يمنياً، و10 سعوديين. ولحق ذلك الهجومَ آخرُ نهاية العام، استهدف معسكراً للتحالف السعودي – الإماراتي في منطقة شعب الجن في باب المندب غربي تعز، ما أسفر عن مقتل وإصابة 152 عسكرياً من جنسيات متعددة، أبرزهم سعوديون وإماراتيون ومرتزِقة من شركة «بلاك ووتر». وكان على رأس القتلى قائد القوات السعودية، العقيد الركن عبد الله السهيان، وقائد القوات الإماراتية في باب المندب، العقيد الركن سلطان الكُتبي. وتزامن هذا الهجوم مع إعلان القوة الصاروخية دخول صاروخ «قاهر 1» المطوُّر من صاروخ «سام 2» الروسي إلى الخدمة، بتجربة أولى استهدفت مطار جيزان الإقليمي جنوب السعودية لأوّل مرّة. واستُخدم ذلك النوع من الصواريخ، أيضاً، في أكثر من 40 هجوماً على مصالح وقواعد عسكرية سعودية خلال النصف الأول من العام 2016. وعلى مدى السنوات الماضية، تَمكّنت صنعاء من تعديل وتطوير عدد من الصواريخ الروسية التي تمتلكها، وتوقّفت عن استخدام صواريخ «توشكا» بنسختها السابقة. فخلال العامين الأول والثاني من الحرب، ظهرت صواريخ من طراز «البركان»، لكنها خضعت للتطوير والتحديث ليتمّ إنتاج منظومة متكاملة منها، وكان لها دور فاعل في تنفيذ هجمات طويلة المدى، كما في العمليات ضدّ مدينة جدة السعودية.
وأكد مصدر في القوات الجوّية في صنعاء، لـ»الأخبار»، أن معظم الصواريخ الروسية كانت قابلة للتطوير والتحديث والتعديل، وأن روسيا ذُهلت من القدرات التدميرية لصواريخ «توشكا»، وهو ما عَبّر عنه سفيرها لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، خلال زياته صنعاء أواخر عام 2015، حيث أبدى اندهاشه الشديد من قدرة اليمنيين على «تفعيل صواريخ تجاوَز عمرها 60 عاماً». وأوضح المصدر أن الصواريخ الروسية قابلة لرفع المديات والسرعة وزيادة الرأس المتفجّر، لافتاً إلى أن «الكثير منها تمّ تعديلها وأثبتت فاعليتها في تنفيذ الأهداف بدقة عالية، وأخرى يمنية الصنع، الكثير منها تعمل بالوقود الصلب الذي أصبح يُنتَج محلّياً».
صواريخ قصيرة المدى
خلال السنوات الماضية، شهدت القوة الصاروخية تطوُّرات متلاحقة، حيث خضعت كلّ المنظومات المُعدَّلة والمُطوَّرة من صواريخ «سام» و»توشكا» و»سكود» و»فروغ» الروسية للتحديث المستمرّ. وفي ظلّ استمرار العدوان والحصار وشحّ الإمكانيات المادية، تَمكّنت صنعاء من امتلاك منظومات صاروخية قصيرة ومتوسّطة وبعيدة المدى. وخلال الفترة من 2016 إلى 2021، دخلت الخدمة أكثر من عشر منظومات صاروخية، بعضها مُطوَّرة وأخرى محلّية الصنع بشكل كامل. وحالياً، تمتلك صنعاء عدّة أنواع من الصواريخ المحلّية القصيرة المدى التي تُستخدم في الجبهات الداخلية لاستهداف تجمُّعات القوات المعادية ومعسكراتها، كصاروخ «الصرخة»، وصاروخ « صمود « الذي يبلغ مداه 38 كلم، ويبلغ وزن رأسه الحربي 300 كلغ، وتصل شظاياه إلى 10 آلاف شظية، ومنظومة صواريخ «الزلزال» التي تتميّز بدقة عالية في إصابة الأهداف، واستُخدم الطراز الثالث منها في قصف أهداف سعودية في نجران، فضلاً عن منظومة «النجم الثاقب» التي يمكنها إلحاق خسائر كبيرة بالدشم والتحصينات.
وفي مطلع عام 2019، أعلنت صنعاء انتقالها إلى تصنيع الصواريخ الذكية، مُدشّنةً صاروخ «بدر 1» المُطوَّر. وكانت القوة الصاروخية قد أعلنت، أواخر عام 2018، دخول صاروخ «بدر P-1» الذكي، الخدمة، في معركة الساحل الغربي. ونظراً إلى أهمّية هذا النوع من الصواريخ في صدّ الهجمات البرّية، تمّ الكشف، أخيراً، عن عدد من الصواريخ القصيرة المدى، كـ»سعير» و»نكال» المتشظّي محلّي الصنع.
صواريخ متوسّطة وبعيدة المدى
خلال الفترة نفسها، دخل عدد من المنظومات الصاروخية المتوسّطة والبعيدة المدى، الخدمة. إذ أسدلت القوة الصاروخية، مطلع عام 2017، الستار عن منظومة صواريخ «قاهر 1» المُعدّلة من صواريخ «سام 2» الروسية، لتصبح باليستية هجومية، تعمل بالوقود السائل والصلب، ويزن كلّ منها طنّين، فيما يزن رأس الصاروخ 200 كيلوغرام ويحمل نحو 8000 شظية، وهذا النوع تمّ تفعيله تجاه المناطق الحدودية السعودية في جيزان ونجران خلال العام نفسه. ومن المنظومة عينها، يبرز «قاهر M2» الذي يزن رأسه الحربي 350 كيلوغراماً. وخلال عام 2017، أعلنت صنعاء عن منظومة صواريخ «بركان 1» الباليستية المُطوَّرة من «سكود بي»، والمصمَّمة رؤوسها لقصف القواعد العسكرية الضخمة، ولذا استُخدمت في استهداف مطار الملك عبد العزيز في الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر 2016. لاحقاً، تمّ تطوير «بركان 1» إلى «بركان 2»، ليدخل الخدمة في العام نفسه. ووفقاً لمصادر عسكرية في صنعاء، فإن هذه» المنظومة خضعت للتطوير ليتمّ رفع معدّل مدياتها إلى أكثر من 1000 كلم، لتصل إلى ما بعد الرياض، وتمّ استخدامها في الهجوم على مدينة ينبع السعودية، واستهداف مطار الملك خالد في الرياض أيضاً». وفي عام 2019، أعلنت القوة الصاروخية في صنعاء استهداف إحدى أكثر مصافي المملكة تطوُّراً في مدينة ينبع الصناعية بصاروخ باليستي من نوع «بركان H2».
وخلال العامين الفائتين، دخلت منظومتا «القدس 1» و»القدس 2» الخدمة، فضلاً عن صاروخ «ذو الفقار» الذي يعمل بالوقود السائل ويتميّز بدقة عالية في تنفيذ الأهداف، واستُخدم خلال الفترة الماضية في تنفيذ عدد من العمليات، أبرزها استهداف منشآت «أرامكو» في جدّة السعودية، وكذلك صاروخ «قاصم – 1» الذي يتّسم بدقة عالية في تنفيذ الأهداف.
كيف دمّرت أميركا الدفاعات الجوّية اليمنية؟
كانت الأيام الأولى للعدوان على اليمن كبيسة. الطائرات السعودية والإماراتية من طرازَي ” F15″ و” F16″ تجوب سماء صنعاء وتستهدف كلّ شيء من دون رادع لها، باستثناء دفاعات جوية مداها محدود، نُصح بإيقافها لعدم جدواها في صدّ الطائرات المعادية، فضلاً عن ارتفاع مخاطرها على المواطنين. حينها، تساءل العسكريون والسياسيون عن مصير الدفاعات الجوية الروسية التي كان يمتلكها الجيش اليمني الذي صُنّف رابع جيش في المنطقة عام 2010، وظلّت تلك التساؤلات من دون إجابة لستّ سنوات، إلى ما قبل أسبوع، حين كشف قائد حركة “أنصار الله”، السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد مؤسِّس الحركة السيد حسين الحوثي، عن دور أميركا في تدمير القدرات التسليحية للجيش اليمني خلال مرحلة ما قبل العدوان، لتتمّ بعد ذلك إماطة اللثام عن الكثير من خفايا هذا الدور الذي قادته سفارة واشنطن في صنعاء، بالشراكة مع السلطة الحاكمة حينذاك.
بدأ الأمر بتسويق الإدارة الأميركية، في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، مخاوف من تسرُّب تلك الأسلحة إلى التنظيمات الإرهابية، لكن الإجراءات التي أعقبت ذلك لم تقتصر على سحب نوع معيّن من صواريخ الكتف، بل شملت منظومة الدفاع الجوي ومعظم صواريخ أرض – جو الروسية التي كانت في مستودعات الجيش اليمني. فالخارجية والاستخبارات الأميركيتان تَمكّنتا من الوصول إلى مخازن الأسلحة اليمنية خلال العقدين الماضيين، لتبدآ مهمّة تدمير منظومة الدفاع الجوي اليمنية، بتعاون فاعل من قِبَل جهاز الأمن القومي في صنعاء خلال الفترة الواقعة ما بين 2004 و2014، بدعوى إزالة المخاطر التي تُهدّد الأمن القومي اليمني. وأكدت وثيقة صادرة عن الخارجية الأميركية بتاريخ 25 أيلول/ سبتمبر 2004 ، حصلت “الأخبار” على نسخة منها بمساعدة معدّ الفيلم الوثائقي: “الحرب على السلاح”، الزميل في قناة “المسيرة” عبد الحميد الغرباني، صدور توجيهات أميركية للرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، بسرعة التخلُّص من تهديد الصواريخ المحمولة التي يمتلكها اليمن. وأشادت الخارجية الأميركية، في رسالتها المُوجَّهة إلى صالح حينذاك، “بسحب سلطات صنعاء 1435 صاروخاً من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة من مختلف المعسكرات”، مبديةً استعدادها لـ”دفع تعويضات مالية مقابل تدمير هذه الأسلحة، وأيّ أنظمة دفاع جوي محمولة سيتمّ سحبها في المستقبل لغرض التدمير”، الذي اشترطت أن يتمّ بإشراف خبراء أميركيين. وقالت الوثيقة إن “كمية الاعتمادات المالية الدقيقة التي ستُقدَّم مقابل تدمير الأسلحة، تعتمد على نتائج تفتيش أنظمة الدفاع الجوي المحمولة”، مقدّرةً “تعويض الجانب اليمني، مقابل تدمير 1435 صاروخ دفاع جوي، بـ 7.17 ملايين دولار”.
مراحل عملية تدمير منظومة الدفاع الجوي استمرّت حتى عام 2014، بإشراف أميركي كامل. إذ إن برنامج جمع وتدمير أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، والذي صادق عليه صالح، لم يعترض عليه سلَفه عبد ربه منصور هادي عقب وصوله إلى السلطة مطلع عام 2012، بل توسّع في عهده ليشمل أسلحة أخرى. وتُظهر وثيقة صادرة عن السفارة الأميركية في صنعاء، ومُوجَّهة إلى جهاز الأمن القومي في الثامن من آذار/ مارس 2008، مطالبة واشنطن بسرعة “إبطال مفعول أيّ صواريخ أرض جو مدرَجة على قائمة الانتظار” للتدمير، خلال مهلة أقصاها الـ 19 من الشهر نفسه، موعد زيارة مرتقبة لضابط في جهاز الاستخبارات الأميركية إلى صنعاء لإجراء عدة لقاءات رسمية حول إزالة التهديد الناجم عن صواريخ أرض – جو المحمولة. لكن الطلب الأميركي سرعان ما تَحوّل، بتواطؤ من قِبَل قيادات في جهاز الأمن القومي في صنعاء خلال عام 2012، ليشمل تدمير منظومات دفاع جوي أخرى.
عملية تدمير منظومة الدفاع الجوي اليمنية تسارعت في عهد الرئيس المنتهية ولايته
عملية تدمير منظومة الدفاع الجوي اليمنية تسارعت في عهد الرئيس المنتهية ولايته. فتحت ذريعة هيكلة الجيش اليمني، تمّ استكمال العملية بتواطؤ من الجانب اليمني حينذاك، حيث تمّ رفع تكاليف التعويضات جرّاء تدمير منظومة صواريخ “سام – استريلا” الروسية. ووفقاً للمعلومات، فقد تمّ تدمير منظومات متعدّدة من الدفاع الجوي، ومنها شحنة في الساحل الغربي، وأخرى في قاعدة العند العسكرية التي كانت توجد فيها قوات من البحرية الأميركية خلال الفترة الواقعة بين 2012 و2014.
وأكد تحقيق استقصائي مرئي بعنوان “الحرب على السلاح”، نشرته قناة “المسيرة” الأسبوع الماضي، أن بطّاريات صواريخ “الكودرات” و”البتشورا” الروسية المضادّة للطائرات، والمُخصّصة للارتفاعات المتوسّطة والعالية، تعرّضت، خلال عام 2014، لعملية تدمير واسعة من قِبَل الجانب الأميركي، حوّلتها إلى مجرّد هياكل. وبيّن التحقيق أن صواريخ “البتشورا” كانت منتشرة في أماكن متفرّقة من الساحل اليمني، فيما صواريخ “الكودرات” في المرتفعات والأماكن الحسّاسة، كالمنشآت النفطية، كونها فاعلة في حماية الأجواء الوطنية من استهداف الطيران المعادي، للخواصّ الفنّية التي تمتاز بها.
*جريدة الأخبار اللبنانية