كل ما يجري من حولك

عطوان يكشف: 10 أسباب وراء رفض “أنصار الله” للمُبادرة السعوديّة .. ما هي؟ وهذه قراءتنا لما سيحصل خلال الأيّام المُقبلة

2٬311

 

عبد الباري عطوان

فاجأت السعوديّة عبر وزير خارجيّتها العالم بأسره بإعلان مُبادرة سلام لوقف الحرب في اليمن من طرفٍ واحد، ولكنّها قُوبلت بالرّفض والتّشكيك من قبل حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها، وعاد الحِوار بالغارات الجويّة والصاروخيّة بين الجانبين قبل أن تُكمِل هذه المُبادرة الـ 24 ساعة من عُمرها.

صحيح أنّ المُبادرة السعوديّة تضمّنت بعض التّنازلات على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة مِثل إعادة فتح مطار صنعاء جُزئيًّا، وكذلك رفع حِصار “مشروط” على ميناء الحديدة، ووضع العوائد من الرّسوم في حِساب مصرفي مُشترك في المدينة، ولكنّ هذه المُبادرة السعوديّة المشروطة التي تُركّز على الجانب الإنساني للأزمة وفصله عن الجوانب السياسيّة والسياديّة إلى مُفاوضات قد تمتد لسنوات، جاءت في التّوقيت الخطأ، ومُحاولةً لتقليص الخسائر، واعتراف مهم بفشل الحرب وعدم إعطائها النّتائج المأمولة.

*     *     *

هُناك عشرة أسباب تَقِف خلف هذه المُبادرة بالتّنسيق، أَو بضَغطٍ من الإدارة الأمريكيّة الجديدة:

أوّلًا: حركة “أنصار الله” التي تتقدّم قوّاتها في مأرب، وإن بشَكلٍ بطيء؛ بسَببِ ضخامة التّحالف الذي يتصدّى لها، والقصف الجوّي السعودي، لا يُمكن أن تنخرط في أي مُفاوضات أَو وقف لإطلاق النّار إلا بعد السّيطرة على هذه المدينة التاريخيّة، والغنيّة جِـدًّا باحتياطات النّفط والغاز.

ثانيًا: ترى الحركة، مثلما قال لنا مسؤول كبير فيها، إنّ الثّقة في الطّرف السّعودي شبه معدومة، إن لم تَكُن معدومة بالكامل، وحديثه عن فتح مطار صنعاء جاء مشروطًا ومحدودًا ممّا يَعكِس استمرار سيطرتهم عليه، وبالتّالي يُمكن إغلاقه في أي لحظة كورقة ضغط في حال تعثّرت المُفاوضات.

ثالثا: الضّمانات الدوليّة ليس لها أي قيمة، فالتّصاريح التي كانت تُصدرها الأمم المتحدة من خِلال مقرّها في جيبوتي للسّفن لدُخول ميناء الحديدة لم يتم احترام مُعظمها على الإطلاق، وهُناك 14 سفينة تتواجد حَـاليًّا قُبالة الميناء محملة بالوقود والبضائع والأغذية وتحمل تصريحًا بالدّخول ما زالت تنتظر “الرّحمة” السعوديّة.

رابعًا: ربط المِلف الإنساني بالمِلف العسكري الذي كان أحد أبرز بُنود المُبادرة السعوديّة لم يَكُن موضع قُبول من قبل الطّرف الحوثي؛ لأنّهم يرون أنّ فكّ الحِصارات عن المطارات والموانئ حقٌّ لعشرين مليون مدني يمني وليس له عُلاقة بالحركة، ولا يجب أن تكون له عُلاقة بالحرب، ففي مُعظم الحُروب المُماثلة ظلّت المطارات والموانئ مفتوحة.

خامسًا: لا حديث في المبادرة عن مسألة السيادة اليمنية، والجزر اليمنية المحتلّة، وانسحاب القوات الأجنبية والسعودية والإماراتية منها.

سادسًا: إدارة حركة “أنصار الله” للأزمة طِوال السّنوات الماضية من عُمر الحرب اتّسمت بكفاءةٍ عالية، وتبنّيهم لسياسة الصّبر الاستراتيجي طويل النّفس كان لافتاً ومُثيرًا للإعجاب في صُفوف الكثير من المُراقبين، وباتوا هُم الذين يُحدّدون قواعد الاشتباك على حَــدّ توصيف خبير عسكري غربي تحدّثنا إليه في إطار التّحضير لهذا المقال.

سابعًا: يُطالب الحوثيون بتعويضاتٍ ماليّة عن خسائر الحرب بقِيادة التّحالف السعودي، ولفَت أحدهم نظرنا إلى البندين الذين طالب بهما السيّد محمد الحوثي عُضو القيادة، أثناء مُفاوضات وثيقة الحل الشامل، وتضمّنا دفع السعوديّة لرواتب اليمنيين لمُدّة عشر سنوات قادمة، أمّا البند الآخر فهو إعادة إعمار اليمن وتحمّل كُـلّ التّكاليف وجلاء القوّات الأجنبيّة جميعاً، وهُما بندان رفضهما الجانب السّعودي.

ثامنًا: لا تُوجد في المُبادرة السعوديّة أي إشارة لاحتياطات اليمن من النّفط والغاز الموجود في جوف منطقة مأرب، وكيفيّة استغلالها ومصير عائِداتها بالتّالي.

تاسعًا: حُصول انقلاب في موازين القِوى على الأرض في العامين الأخيرين من عُمر الحرب لصالح حركة “أنصار الله” وحلفائها ميدانيا، وترسيخ مُعادلة “ضربة مُقابل ضربة” وصاروخ مُقابل صاروخ، ومدني مُقابل مدني.

عاشرًا: الألم السّعودي من الحرب بات الأضخم بعد القصف بالصّواريخ الباليستيّة والمُسيّرات المُلغّمة من قبل القِيادة العسكريّة للجيش واللّجان الشعبيّة اليمنيّة للأهداف والبُنى التحتيّة الاقتصاديّة السعوديّة (شركة أرامكو ومصافيها وموانئها) عصَب الصّناعة والدّخل النّفطي القومي السّعودي في الرياض وجدّة وخميس مشيط وأبها وجيزان والدمام ورأس تنورة.

*     *     *

ما لا تُدركه القيادة السعوديّة التي تملك خبرةً كبيرةً في تأسيس التّحالفات الدوليّة، والانخراط في المحاور الإقليميّة والعالميّة، أنّ اليمن اليوم غير اليمن الذي شنّت “عاصفة الحزم” ضدّه قبل ست سنوات، وأنّ حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفاءها باتت جُزءًا من تحالفٍ قويّ إن لم يَكُن الأقوى في المِنطقة، اسمه محور المُقاومة، أي أنّها لا تَقِف لوحدها، والفضل في ذلك يعود إلى سُوء تقدير الموقف قبل إطلاق الطّائرة الحربيّة الأولى وصاروخها الأول باتّجاه صعدة وصنعاء.

باختصارٍ شديد نقول: إنّ من أشعل فتيل هذه الحرب لا يستطيع وقفها حَـاليًّا ولا في المُستقبل حتّى لو استخدم القنابل الذريّة، ومهما قدّم من تنازلات، وهُنا تَكمُن المُعضلة الكُبرى بالنّسبة إليه، فالمارد اليمني خرج من القُمقُم وباتَ من الصّعب، بل المُستحيل إعادته إليه، ولا تفاوض أَو قُبول أي مُبادرات للسّلام إلا بعد حسم المعركة في مأرب، بُوصَلة هذه الحرب ونُقطة الحسم فيها، وبعد ذلك لكُلّ حادثٍ حديث.. والأيّام بيننا.

 

You might also like