فرنسا تمنح اللجوء لوعلٍ يمني وتكشف مختطفه الخليجي
الكيانات الخليجية التي اكتسبت فيما بعد صفة دول وممالك عقب طفرة نفطية أدرَّت عليها الأموال الطائلة والثروات المهولة، ظلت طيلة العقود الماضية تدأب على إيجاد مكان لها ولو في هامش صغير من التاريخ يظهرها كدول لها جذور حضارة قديمة أو امتداد تاريخي يكسبها قيمة حضارية تنفي عنها صفة الكيانات الطارئة المستحدثة،
وهو الهاجس الذي أصبح يؤرق الأنظمة الأبدية التي تحكم تلك الكيانات، فرغم ما تمتلكه من ثروات ونهضة عمرانية مصاحبة يبدو أنها غير راضية بما هي عليه، يظهر ذلك في محاولاتها البائسة أن تكون غيرها، وهو ما تعكسه من ممارساتها المجبولة على النزعات العدائية ضد محيطها العربي من الدول ذات الجذور التاريخية والحضارات العريقة، خصوصاً اليمن، التي تشن عليها تلك الدول أكبر حملة حقد تدميري على المستويات كافة، كما لو كان تصدرها واجهة أقدم الحضارات البشرية ذنباً استوجب العقاب عليه.
منذ عقود من الزمن موّلت أنظمة خليجية عمليات تهريب ونهب وتدمير ممنهج للآثار اليمنية، وجندت لها عصابات محترفة محلية وأجنبية، بل إنها وظفت لتلك العمليات الإجرامية بحق اليمنيين وحضارتهم رموزاً وشخصيات اعتبارية داخل الأنظمة السابقة ومحسوبين على الحكومات المتعاقبة طيلة ثلاثة عقود، وضخت لهم أموالاً طائلة في سبيل تسهيل عمليات التهريب والتغاضي عنها والتستر على منفذيها الذين كانوا في الغالب شراءهم، حتى امتلأت متاحفهم بقطع أثرية يمكن لأي بشر كان أن يتوه عن هويتها اليمنية، كما ظهرت قطع أثرية كثيرة في عدد من المتاحف العالمية، تارة باسم الدول التي تحتضن تلك المتاحف وتارة باسم دول أخرى تشارك في فعاليات متخصصة بذلك الشأن، وهي دول خليجية لم تحصد سوى خيبة الأمل والفضيحة المدوية باستيلائها على ممتلكات غيرها مهما تعددت أساليب حصولها على تلك المنهوبات الأثرية.
كانت الإمارات أكثر الكيانات الخليجية نهباً وسرقةً للآثار اليمنية، فقد وظفت على مدى عقود عصابات تهريب كبيرة للآثار خصوصاً في محافظات مارب والجوف وشبوة، إذ استطاعت شراء ولاءات قبلية في تلك المناطق وولاءات حكومية أيضاً تورطت في نهب وتهريب أغلى الآثار اليمنية وأقدمها، إضافة إلى قطع صغيرة تنتمي لمراحل تاريخية عدةً من الحضارة اليمنية يزين بها مشائخ وأمراء تلك الأنظمة مجالسهم وينسبونها إلى ما ظلوا يتمنونه منذ نشأتهم من انتماء لأي بُعد تاريخي، ورغم علم ومعرفة رموز وقيادات الحكومات اليمنية السابقة بكل ذلك العبث إلا أن مواقفها كانت مخزية بصمتها وغض بصرها كما لو أنها استلمت ثمن ذلك مقابل السكوت عليه.
وكان آخر ما ظهر من القطع الأثرية اليمنية المنهوبة خليجياً تمثال الوعل البرونزي الذي شاركت به مؤسسة يملكها حمد آل ثاني، أحد أبناء عمومة أمير قطر، في متحف قصر فونتينبلو الذي يقع على بُعد 55 كيلو متراً من وسط العاصمة الفرنسية باريس، مدعيةً ملكيته، وهو الأثر الذي حصد إعجاب كل المشاركين في فعاليات المتحف الفرنسي، حتى من شاهده على شاشات الفضائيات، وكان التمثال اليمني قد طاف بلداناً كثيرة على أنه قطعة أثرية قطرية.
القناة الفرنسية الثانية التي نقلت فعاليات متحف قصر فونتينبلو، وخبراء آثار آخرون كانوا على يقين أن التمثال لا ينتمي لقطر كونهم يعرفون متى نشأت، وضمن تحقيق عن نهب الآثار في البلدان العربية التي تشتعل فيها الحروب، الممولة خليجياً، كشفت القناة الفرنسية أن التمثال البرونزي ينتمي للحضارة اليمنية القديمة، مسببةً فضيحة كبيرة للمؤسسة القطرية الذي رفض مسئولها التصريح للقناة عن مصدر حصولهم على التمثال، مبدياً استعداده للحديث بشرط أن يكون بعيداً عن الكاميرات، تجنباً للمزيد من الفضائح، وصرح الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي، جيرمي شيتيكات، للقناة أنه أبلغ المتحف الفرنسي بأن مصدر القطعة الأثرية غير شرعي، وأن مصدرها هو منطقة أثرية في محافظة حضرموت اليمنية تسمى مريمية.
وحسب مراقبين تُعدُّ عمليات نهب وتهريب الآثار اليمنية وتمويلها وإدارتها من جهات خليجية أحد أوجه الحرب الشاملة على اليمن، حتى من قبل بدء عمليات التحالف العسكرية في 2015، مؤكدين أن ما لم تستطع مافيا الآثار إيصاله إلى مموليها الخليجيين، فقد تولت أمره طائرات التحالف على مدى سنوات الحرب حيث قصفت أقدم وأعرق القلاع والحصون التاريخية اليمنية والمتاحف والمساجد والأضرحة القديمة، بدوافع الحقد نفسها الناتجة عن فقدانها تلك القيمة التي لا تستطيع شراءها بالأموال وإقناع العالم بأنها تمتلكها.
YNP – إبراهيم القانص :