كل المطبعين لا يزِنون نقطة دم مجاهد
كل المطبعين لا يزِنون نقطة دم مجاهد
متابعات| كتابات| د. عبد الستار قاسم:
أنظمة عربية تهرع نحو الكيان الصهيوني وتقيم معه مختلف أنواع العلاقات، ولم تكن هذه الأنظمة يوما بعيدة عن هذا الكيان أو تناصبه العداء. ولم يكن لها أثر على معادلة الصراع في المنطقة، ولا أثر إيجابي على القضية الفلسطينية إلا في المحافل الدولية إذ كانت تناصر القضية. ولهذا لا ضرورة للهلع والجزع والتوتر. لقد كانت الأنظمة العربية في كثير من الأحيان عبئا على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وقد تصبح بعد التطبيع عبئا على الكيان الصهيوني. وإذا كان منا من يحزن على الأموال التي كانت تقدمها هذه الأنظمة فإن هذه الأموال لم تكن تصلنا بدون إذن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. هل كان من المعقول أن تسمح أمريكا بتمويل مقاتلين يعملون على تحرير فلسطين؟ دائما يجب ربط العلاقات الجدلية لكي نفهم مختلف السياسات الداخلية والخارجية.
كانت تسمح أمريكا ومعها الكيان الصهيوني بالتمويل لعدة أسباب منها:
تنمية ثقافة التسول والتوسل لدى الشعب الفلسطيني، والاعتماد على الآخرين؛
تنمية الشعور بالعجز لدى الفلسطيني ولكي يعتاد الكسل والهمة المتثاقلة؛
دعم القيادة الفلسطينية لكي تستمر في استعمال الأموال لاستقطاب التأييد لكل خطواتها التنازلية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تدهور القضية الفلسطينية والثقافة الوطنية. أي أن الأموال كانت فقرة هامة جدا في استراتيجية تصفية القضية الفلسطينية.
الضرر الأكبر الذي لحق بالقضية الفلسطينية تمثل بخروج مصر من معادلة الصراع، أما باقي الأنظمة العربية المطبعة فتأثيرها كان هامشيا جدا. صحيح أن السودان ساعدت مصر في حرب تشرين/1973 وأرسلت بعض القوات إلى جبهة قناة السويس، وأن المغرب أرسلت قوات إلى جبهة الجولان، لكن كل القوات العربية التي أتت إلى الجبهتين السورية والمصرية لم يرجحا كفة الحرب. حتى أن مجيء بعض القوات العربية إلى الجبهتين خلال الحرب أحدث إرباكا لدى الجيشين المصري والسوري بسبب عدم التموضع المسبق وفق تنسيق عسكري محكم.
الصهاينة تواجدوا في بلدان عربية عدة منذ زمن بعيد، وحتى في بعضها مثل الأردن قبل عام 1948. وما لدي من معلومات دقيقة يثبت العلاقات التي كانت قائمة بين النظام الأردني والصهاينة، وبين الصهاينة وقيادات لبنانية، وبينهم وبين قيادات عراقية ملكية. حتى أن مصر كانت تلاحق المقاومين الفلسطينيين الذين قد يشنون هجمات ضد الكيان من قطاع غزة تبعا لاتفاق خروج القوات الصهيونية من سيناء بعد حرب عام 1956.
ماذا كان تأثير أموال العرب وطريقة تصويتهم في المحافل الدولية على الساحة الدولية؟ لا شيء. بينما يحظى طفل فلسطيني يقدف حجرا على جندي صهيوني باهتمام سياسي عالمي واسع، وبتغطية إعلامية محمومة. كل الأنظمة العربية سواء كانت مع الصهاينة أو ضد الصهاينة لا ترتقي بالاهتمام مثلما يتم الاهتمام بعربي يحمل بندقية ويدافع عن حريته وكرامة وطنه. الصهاينة والأمريكيون لا يرون في الأنظمة العربية الاحترام والتقدير، وإنما يرون فيهم التبذير والشهوانية والطغيان والاستبداد ونهب ثروات شعوبهم. أنظمة العرب موضع احتقار وازدراء من قبل أسيادهم الذين يرون في هذه الأنظمة النماذج الأفضل للمحافظة على المصالح. كل هؤلاء المطبعين بمن فيها مطبعي فلسطين لا يزنون حذاء مجاهد واحد.
وهنا أذكر للقراء الكرام بعض قصص الملك الحسن ملك المغرب السابق. كان يستضيف الملك قمما عربية في بلاد المغرب، وعندما عقد مؤتمر الرباط خصص جلالته غرفة خاصة للموساد الصهيوني بجوار قاعة المؤتمر ونصب أجهزة التنصت لكي يكون بث ما يجري في القمة مباشرا لرجال الموساد الصهيوني. طبعا عدد لا بأس به من المجتمعين في القمة عملاء وجواسيس للصهاينة والأمريكيين، لكن رجال الموساد فضلوا الاستماع مباشرة لما يقال في القمة. حتى أن أحد ملوك العرب غير الخليجيين كان يتقاضى شهريا مليون دولار من المخابرات الأمريكية مقابل نقله معلومات عن مختلف التطورات العربية.
فلا تيأسوا ولا تهنوا ولا تحزنوا فنهوض العرب والمسلمين ليس مربوطا بخونة ساقطين.
كاتب واكاديمي فلسطيني