كل ما يجري من حولك

المشتركات بين سورية والعراق واليمن أربعة عناصر

المشتركات بين سورية والعراق واليمن أربعة عناصر

595

متابعات:

ليس من قبيل المصادفة أن تجتمع عناصر متشابهة للسيطرة على ثلاثة بلدان تطلّ على البحر الأحمر ومياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط.

فاليمن يُمسك بحركة العبور البحري من الخليج الى المحيط الهندي، ومنه أيضاً الى البحر الأحمر وباب المندب وقناة السويس.

كما ان العراق هو البلد الأكبر سكاناً الذي يجاور بلدان الرعاية الأميركية القصوى في الخليج ويربط إيران بسورية محاذياً تركيا والكويت.

أما سورية فهي قلب الشرق، ومَن يمسك بها يسيطر على لبنان والأردن والفلسطينيين ومعظم العراق.

هذه هي الأهميات التي يريد الأميركيون مع السعودية وتركيا، الإمساك بها وتطويرها في خدمة مصالحهم العربية والإقليمية والدولية.

ما هي هذه العناصر؟

إنها القوى الأميركية والتركية والسعودية التي تسعى منذ ثلاثة عقود إلى خنق المحور السوري ـ العراقي ـ اليمني.

فبدأته في التسعينيات بحصار بلد الرافدين وواصلته مع بدء الحملة الكونيّة على سورية منذ عقد تقريباً، وهي تجتاز السنوات الخمس في هجومها على اليمن.

قد تبدو عناوين الهجمات على هذه الدول مختلفة، لكن مضامينها واحدة، فبذريعة وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق، هاجمه الأميركيّون في 2003 بشكل عسكري مباشر، وسرعان ما انتشر إرهاب ضخم، تذرّع الأميركيّون به للبقاء، منظمين تعايشاً علنياً مع داعش والقاعدة كاد أن يطيح بالدولة لولا دعوة المرجعيّة الدينية العليا للعراقيين للاستنفار، فكان الحشد الشعبيّ الذي قضى عليه لجهة، فقد تكفلت السعودية وتركيا وقطر والإمارات بتحريض جماعات إرهابية على تنظيم تمرّد شعبي مسلح ارتدى اللبوس الطائفي منتشراً في معظم سورية، وتبين أنها منظمات القاعدة وداعش والنصرة وعشرات التنظيمات الاخوانية والتركمانية، لكنها فشلت فكشف الأميركي عن وجهه وتدخل عسكرياً ومعه فريق دول الناتو الأوروبي اللاهث خلف أي نفوذ يجعله شريكاً في التحاصص الدولي.

هذا إلى جانب الاحتلال العسكري التركي الذي يمسك ببعض المناطق السورية في الشمال الغربي والشرقي.

ماذا عن اليمن؟ هاجمته قوات سعودية واماراتية منذ نصف عقد بدعم عسكري مكشوف من أميركا والناتو الاوروبي وقوات مرتزقة من السودان والأردن ومصر وباكستان و«إسرائيل»، ولم يتمكن الجانب الخليجي المهاجم من إخفاء البعد الأميركي الاساسي لهذه الحرب. هذا إلى جانب الدور التركي الكبير فيها، الداعم لحزب الإصلاح اليمني الذي يشكل فريقاً من فدرالية الاخوان المسلمين ومن القوى المسلحة الكبرى في جنوب اليمن.

يتبيّن أن العناصر الثلاثة الاولى تظهر في الحلف الأميركي، السعودي، التركي عن تعمد وليس بالمصادفة، ولديها مشروع عنوانه الاساسي أميركي ويقضي كما قال الرئيس التركي اردوغان علناً في واحد من خطاباته امام الجمهور بأن البيت الأبيض الأميركي كلف تركيا بالدور الاساسي في معركة التأسيس للشرق الوسط الكبير.

لقد اختار الأميركيون الامساك بالشرق الأوسط من خلال الإطباق على العراق وسورية واليمن، في الشرق العربي، مانعين أي نقل للسلطة في مصر مثلاً من الجيش حتى إلى الأخوان المسلمين، موفرين حمايات هائلة لخليجهم النفطي والاردن فبدت مشاريعهم مصرَّة على الإمساك بهذه الدول او تفتيتها، للعديد من الاعتبارات.

بالنسبة إلى العراق، فإن الإمساك بالدولة فيه، او تفتيتها الى ثلاثة كيانات، يحمي الخليج أهم منطقة نفطية للمصالح الأميركية في العالم، ويضعف ايران بضرب تفاعلاتها من حدودها مع العراق مروراً بسورية حتى البحر الأبيض المتوسط في لبنان.

على المستوى اليمني، بدا أن هناك إصراراً أميركياً عنيفاً جداً يرفض أي تغيير في سياسات الدولة اليمنية بحيث يجب أن تبقى في خدمة السعودية والمصالح الكبرى الأميركية، لأن أي تغيير حقيقي في السياسة اليمنية يعني بناء دولة مستقلة ترفض الوصاية السعودية وتعمل على الاستفادة من أهمياتها من مصادر الطاقة، وموقعها البحري والبري الاستراتيجي، ما يؤهلها لأداء دور اقليمي في جزيرة العرب، وربما الشرقي العربي.

لجهة سورية، التي تجتاز عامها العاشر في التصدير للحرب التي تستهدفها، فإن القضاء على دولتها، يؤدي فوراً إلى القضاء على القضية الفلسطينية نهائياً والدور المقاوم في لبنان، متيحاً إعلان حلف عربي ـ إسرائيلي بقيادة أميركية من دون أي اعتراض من أي مصدر، وهذا من شأنه إعادة كامل المنطقة العربية إلى مرحلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي ساده الاستعمار المباشر.

بذلك يمكن الاستنتاج أن المشروع الأميركي في اليمن والعراق وسورية يريد امساكاً نهائياً وقوياً بالشرق الأوسط وإخضاعاً متكاملاً للعالم الاسلامي.

إنما لماذا يعمل الأميركيون على مشروع يمسكون أصلاً بالقسم الأكبر منه من دون حروب؟

ارادوا استغلال تفرّدهم بالقطبية العالمية لإعادة تشكيل القسم الأغنى والاضعف من العالم بطريقة تبقي على سيطرتهم المقبلة أي الغاز بين أيديهم كحالة النفط.

هذا ما أرادوه، فماذا عن النتائج التي جنوها بعد نحو ثلاثة عقود من اطلاق هجماتهم؟

لم يتمكّن الأميركيون من الإمساك بالعراق، محاولين إبقاء قواتهم فيه، وسط صليات صاروخية تصيب قواعدهم وتجعلهم في عزلة شديدة داخل قواعدهم، ولولا الدعم الذي يردهم من جماعات عراقية انفصالية في كردستان وأنحاء من الوسط لتركوا العراق خائبين، لكن الدولة العراقية تصرّ أكثر من أي وقت مضى على انسحابهم منه لجهة سورية، فقد تحول المشروع الأميركي من مستوى اسقاط الدولة السورية الى قرصان يسرق النفط من المناطق الشرقية ويسوقه عبر تركيا، هذا إلى جانب تراجع الدور التركي الاحتلالي في شمالي سورية والذي يشكل جزءاً من الجيوبولتيك الأميركي على الرغم من بعض التعارضات بين الطرفين.

كما أن الدولة اليمنية في صنعاء استطاعت الانتقال من الدفاع الى الهجوم بالصواريخ والمسيرات على اهداف نفطية وإدارية في السعودية هي بالحقيقة أهداف أميركية أيضاً، وتواصل تقدمها البري لاختراق حدود السعودية من جهة أعالي الجوف ومأرب، حيث توجد قوات سعودية وميليشيات حزب الاصلاح الاخواني ـ التركي.

هذه المشتركات هي إذاً «مشروع أميركي» ينفذه كل من السعودية وتركيا بأشكال مختلفة إلى جانب قوات من الناتو ومرتزقة، في ميادين ثلاثي عربي في العراق وسورية واليمن.. إلا أن هذا الثلاثي افشل مشروع إسقاط دوله مؤدياً إلى اسقاط مشروع الشرق الأوسط الكبير وخنق العالم الإسلامي ممهداً لروسيا والصين، زعزعة اركان الأحادية القطبية الأميركية.

قد يؤخر انتشار وباء «كورونا» هذا السياق، لكنه لن يلغيه، لأن الاحتكام إلى نتائج الميدان هو أقصر الطرق إلى الحرية والاستقلال.

(وفيق إبراهيم – مركز كاتيخون للدراسات الإستراتيجية)

You might also like