“نيويورك تايمز”: ابن سلمان متهوراً بدرجة لا يمكن الثقة به
“نيويورك تايمز”: ابن سلمان متهوراً بدرجة لا يمكن الثقة به
متابعات:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها الدولي، ديفيد كيركباتريك، يقول إن ولي العهد السعودي ابتعد عن الأضواء لفترة، ثم جاء بحرب أسعار النفط واعتقال الأمراء البارزين.
ويشير التقرير، إلى أن محمد بن سلمان أمر أولا باعتقال أربعة من الأمراء البارزين في العائلة الحاكمة، وفي اليوم التالي ورط السعودية في حرب أسعار مع روسيا، وهو قرار أدى إلى تراجع أسواق الطاقة والأسهم حول العالم.
ويقول كيرباتريك إن “الأمير بدا أنه لفترة يبتعد عن سمعته بصفته شخصا عدوانيا، وربما أدبته جريمة مقتل جمال خاشقجي والتداعيات الدولية التي أعقبتها، واتهامه بإصدار أمر القتل للصحافي الناقد له، لكن لا، لم يتعلم”.
وتلفت الصحيفة إلى أن لعبة القوة الجديدة التي يمارسها ابن سلمان أحيت النقاش داخل العواصم الغربية حول شخصيته، وإن كان متهورا بدرجة لا يمكن الثقة بها، فقراره المفاجئ تخفيض أسعار النفط ضرب الاقتصاد العالمي الذي يواجه مخاطر الدخول في حالة من الركود، مشيرة إلى أن قراره يهدد بحرق احتياطات السعودية النقدية، وتقويض وعوده البراقة بالاستثمار في مشاريع جديدة لتخفيف اعتماد المملكة على النفط.
وينقل التقرير عن الخبير في المنطقة في جامعة ساثرن ميثوديتس، غريغ برو، قوله: “هذا بالتأكيد دمار متبادل لأي اقتصاد يعتمد على تصدير النفط، وبالتأكيد السعودية وروسيا، وربما الولايات المتحدة أيضا.. لكن هذا هو (أم بي أس) هو مخاطر ويميل للقرارات المتهورة”.
وينوه الكاتب إلى أن التسريبات حول اعتقال الأمراء بدأت يوم الجمعة، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية لم تصدر بيانا توضح فيه الأمر أو حتى تعترف به.
وتشير الصحيفة إلى أن من بين المعتقلين أصغر أشقاء الملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز، وولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، لافتا إلى أن أخبار الاعتقالات أدت إلى انتشار شائعات حول خطط الأمير محمد بن سلمان لتهيئة الطريق أمام صعوده للعرش، وتحييد والده الذي يفقد ذاكرته ولا يعرف من حوله، إلا ان مقربين للديوان الملكي أكدوا أن ولي العهد اعتقل عمه وابن عمه لانتقادهما له، وأنه يريد تلقين بقية العائلة درسا.
ويورد كيركباتريك نقلا عن الباحث في مدرسة لندن للاقتصاد، ستيفان هيرتوغ، قوله: “كانت الأمور هادئة لوقت، واعتقد البعض أن (أم بي أس) قد لان.. الواضح أن شخصيته لم تتغير”.
وتذكر الصحيفة أن الأمير محمد قرر تخفيض أسعار النفط لمعاقبة روسيا التي حملها مسؤولية عدم التعاون لتخفيض مستويات الإنتاج، ورفع أسعار النفط، مشيرة إلى أن السوق النفطية تواجه هبوطا في الطلب بسبب انتشار فيروس كورونا.
وينقل التقرير عن هيرتوغ، قوله: “أظهر الروس تحديا وها هم السعوديون يحاولون تعليمهم ثمن عدم التعاون”، وبالنسبة للسعودية “فهي لعبة خطيرة”.
ويرى الكاتب أن السعودية لديها ما تخسره أكثر من روسيا؛ لأن الأخيرة لديها مصادر دخل متنوعة، وقامت ببناء احتياطاتها النقدية منذ التراجع الأخير في أسعار النفط، وفي المقابل تعتمد السعودية على النفط، وعلاوة على هذا فإن احتياطها النقدي لم يزد خلال السنوات الأربع الماضية على 500 مليار دولار، وهو أقل من الاحتياطي في عام 2014 بـ740 مليار دولار.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللين، قولهم إن السعودية بحاجة إلى سعر 80 دولارا للبرميل لتوازن حساباتها السنوية، ودون أن تضطر لتبني سياسات تقشف مؤلمة، إلا أن سعر البرميل انخفض يوم الاثنين إلى 35 دولارا، أي أقل من نصف السعر المطلوب، مشيرة إلى أنه لو استمر الانخفاض على مدى عامين فإن الاحتياط المالي سيتأثر، ما يضع ضغوطا على سعر الصرف، وكذلك على خطط تنويع الاقتصاد.
ويلفت التقرير إلى أن خطط الاقتصاد التي قدمها ولي العهد تركزت على طرح أسهم من شركة النفط السعودية “أرامكو” في السوق المالية، وسيلة لجمع المال والاستثمار في القطاعات الأخرى، لكن الخطة الكبيرة للطرح الدولي أجلت واستبدلت بطرح كسول في السوق المالية، مشيرا إلى أن انخفاض أسعار النفط خلال اليومين أدى إلى خسارة الشركة 320 مليار دولار من قيمتها.
وينوه كيركباتريك إلى أن “حرب الأسعار جاءت مباشرة بعد حملة الاعتقالات الأخيرة، ما أدى إلى تكهنات حول محاولة ولي العهد احتواء المنافسين المحتملين له قبل بداية المشكلات، وربما كانت الاعتقالات محاولة وقائية ضد أعدائه قبل تعرض الاقتصاد للمشكلات بطريقة تكشف عن ضعف الأمير”.
وتنقل الصحيفة عن كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج في واشنطن، قوله: “التهديد لـ(أم بي أس) لا يأتي من الأمراء المنافسين له” بل “من انهيار عائدات النفط، وأثر ذلك على خططه الطموحة للاقتصاد”.
ويستدرك التقرير بأن الدبلوماسيين والمحللين العارفين بالشأن السعودي يرون أن محمد بن سلمان وطد دعائم سلطته، وهو لا يخشى في هذه الحالة من أي منافسة، فاستطاع الأمير وبشراسة غير مسبوقة في تاريخ السعودية الحديث مراكمة سلطات لم يحظ بها أي ملك سعودي في الماضي، وركز وحشيته على أفراد العائلة الذين هددهم للخضوع له.
ويجد الكاتب أنه حتى لو تعرضت السعودية لمشكلات بسبب حرب النفط، فإن الأمراء الذين اعتقلهم لا أمل لهم بتحدي سلطاته، فقد وضع الأمراء تحت رقابة شديدة، وحد من قدراتهم على التآمر، بحسب أشخاص مقربين من الديوان الملكي، فالأمير أحمد، الذي عبر عن مواقف ناقدة للملك والأمير عندما كان في لندن، بدا خانعا للأمير، على الأقل في المظهر العام، أما الأمير محمد بن نايف فقد وضع منذ عام 2017 تحت الإقامة الجبرية، وجرد من مناصبه كلها، بصفته وليا للعهد ووزيرا للداخلية.
وتقول الصحيفة إن الحكام السعوديين السابقين كانوا في العادة يخبرون واشنطن أو لندن مقدما بأي عملية اعتقالات كهذه، مشيرة إلى أن ولي العهد التقى في الأسبوع الماضي بوزير الخارجية البريطاني دومينك راب، وقبل شهر مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وبحسب دبلوماسيين فإن ولي العهد لم يقدم أي إشارة عن حملة اعتقالات قادمة.
ويورد التقرير نقلا عن إميل هوكاييم من المعد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله إن المسؤولين الغربيين يخشون من “مخاطر السمعة” للارتباط بزعيم لا يمكن التكهن بتصرفاته، مع أن محمد بن سلمان لم يواجه حتى هذا الوقت أي تداعيات خطيرة.
ويشير كيرباتريك إلى أن ابن سلمان قاد حربا في اليمن خلقت أكبر كارثة إنسانية، وقام بحملة اعتقالات واسعة للأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون، وأجبرهم على التخلي عن أرصدة وأموال، بل إنه حاول اختطاف رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، لافتا إلى أن المخابرات الأمريكية توصلت في عام 2018 إلى أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل جمال خاشقجي، الصحافي الذي كان يكتب في صحيفة “واشنطن بوست”.
وتستدرك الصحيفة بأن المحللين لاحظوا نضجا في العام الماضي عندما قرر تخفيف المواجهة مع إيران، وفي قمة العشرين في اليابان في عام 2019 استقبل بصفته رجل دولة، ومنحت بلاده شرف استضافة القمة هذا العام، ووصفه الرئيس دونالد ترامب “بصديقي” وقال له: “قمت بعمل باهر”، لافتة إلى أنه عندما هز محمد بن سلمان الأسواق، فإن ترامب أكد الجانب الإيجابي، قائلا: “هذا جيد للمستهلكين، وهبطت أسعار البنزين”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول أندرو ميللر من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إن حملة الاعتقال وحرب النفط هما تعبير عن أن محمد بن سلمان لم يتغير، و”لم يتعلم من الدروس أو ينضج.. بل تعلم العكس، وهو أنه فوق القانون، ولأن السعودية مهمة للحلفاء الغربيين فدائما يتم التسامح معها”.