اليمن والسعوديّة في 2020.. هل يتكرّر سيناريو 2009؟ وكيف تحقّقت نبوءة الملك عبدالله؟
طالب الحسني
من المفارقة أننا أَيْـضاً في الذكرى العاشرة لحرب سعوديّة خاسرة ضد أنصار الله الحوثيين في محافظة صعدة شمال اليمن وجنوب المملكة في العام 2009 ليس لمساعدة الرئيس الأسبق علي عَبدالله صالح -كما اعتقد البعضُ- ولكن للقضاء على الحركة بعد فشل 5 حروب شنَّها صالح بدعم كبيرٍ منها، أي السعوديّة.
العجيبُ أن الملكَ السعوديّ الراحل عَبدالله بن عَبدالعزيز كان يطرحُ ما يُطرح اليومَ، أن هناك مخاوفَ سعوديّةً من قيام حزب الله آخر جنوب المملكة، واللافت أن الولاياتِ المتحدةَ دعمت تلك الحرب ووفرت غطاء في الأمم المتحدة لمنع مساءلة نظام صالح والسعوديّة عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبت ضد المدنيين في محافظة صعدة (تعرضت المدينة والمحافظة لتدمير شبه كلي) بعد أن قصفت بالطائرات وقتل آلاف المدنيين، وهي من الجرائم الوحشية التي غطَّتها الولاياتُ المتحدة الأمريكية.
في هذا الإطار وطالما أننا أتينا على ذكرِ العلاقةِ الأمريكية بالأحداث وبالحروب على اليمن، لا بأسَ من التذكير بزيارة صالح الأخيرة له إلى الولايات المتحدة الأمريكية منتصف العام 2007 التقى حينها في البيت الأبيض بالرئيس الأمريكي جورج بوش، لم يكن هذا اللقاء عابراً؛ لأَنَّ الرياضَ قرأته بطريقة مختلفة، فصالح في هذا اللقاء أراد أن يكونَ هناك تنسيقٌ أمريكي يمني مشتركٌ ومباشِرٌ في ”مكافحة الإرهاب” بعد أن كان هذا المِلف ثلاثي الأبعاد أمريكي سعوديّ يمني، لقد تعقّبت السعوديّة فوجدت أن صالح همس للأمريكيين أن الرياض ليست جادة في محاربة “الإرهاب” وأنها منهمكة بشكل أكبر في دفعه لتصفية أنصار الله الحوثيين في صعدة؛ كون الحركة تشكّل تهديداً كبيراً ومباشراً لأمنها القومي وحتى الفكري وعلى تماسٍ مباشر لها، بينما شعر صالح أن الحربَ معهم تتوسعُ وأن القضاءَ عليهم أمرٌ شبهُ مستحيل، ووعد واشنطن بإجراء مصالحة في صعدةَ بعد أن قلّل من هذا المِلف للهروب من الحروب المضنية، بعد أن وجد أن خصومه السياسيّين (حزب الإصلاح) استفادوا من غرقة في الحرب ضد أنصار الله الحوثيين بمحاولة إسقاطه في الانتخابات الرئاسية 2006 التي خرج منها بصعوبة.
في مذكرات لقاء صالح – بوش – 2007 قرأتُ جُزءاً منها، طرح صالح موضوع ”الإرهاب” بشكل أكبر، واستغل الأمريكيون هذه النقطة وطلبوا تدخلاً أوسعَ في اليمن تحت عنوان ”مكافحة الإرهاب”، وهو ما أعطي لهم، ومن بين ذلك فتحُ الأجواء اليمنية للطائرات الأمريكية المسيّرة، تحت ذريعة ”الحرب على الإرهاب”، بعد أن انتزع الأمريكيون قراراً من صالح بإنشاء جهاز الأمن القومي في عام 2002 لليد الأمريكية سلطة كبيرة في تسييره، ومع ذلك عاد صالح من لقاء 2007 بتشديد أمريكا لمحاربة أنصار الله الحوثيين وهو التشديد الذي نوقش خلال جلسة جمعت صالح والرئيس الأمريكي بوش ونائب الرئيس آنذاك ديك تشيني ووزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ونائب وزير الخارجية نيفرولونتي والسفير الأمريكي لدى اليمن في ذلك الحين، توماس كرابيسكي.
صحيحٌ أن صالح عاد وهو غيرُ متحمِّسٍ للحرب على صعدةَ وأعطى فيما بعدُ مجالاً لجهود الوساطة القَطَرية، لكن السعوديّةَ ولكي تعاقبَه كانت قد غيّرت طريقَها في الحرب على أنصار الله الحوثيين بدعم الجنرال علي محسن الأحمر الذين كان يقودُ جُزءاً كبيراً من القوات اليمنية ومعه رديفٌ سياسيّ وقبَلي يتمثل في حزب الإصلاح (إخوان اليمن)، ومن هنا جرى الحديث أن تلك الحرب أخذت منعطفاً مختلفاً تغذّيها رغبةٌ سعوديّة جامحة جرّتها إلى صِدام عسكريّ مباشر مع أنصار الله الحوثيين وقائد الحركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في العام 2009 خرجت السعوديّة من هذه الحرب بخسارة مدوية وبوساطة وتشفى صالح سرًّا وعلناً على الأقل؛ لكونه ليس الخاسر الوحيد أمام الحوثيين الذين لا يُغلبون.
هذه المقدمة ليست استعراضاً تأريخياً بقدر ما هي إعطاء مفاتيح نتمنى من السعوديّة قراءتها لفهم أن هذا الطريق الذي تسلكه منذ 2015 وحتى الآن في خواتيم 2019 طريق خاسر ومضني ونتائجه عكسية تماما والدليل أنه لا يمكن إجراءُ مقارنة بين أنصار الله 2009 وأنصار الله 2020 وربما ما سيحدث مستقبلا سيكون مرعبا بالنسبة للسعوديّة، ومن المفارقات أن القيادات السعوديّة التي خاضت حربا ضروسا في 2009 لنفس الحجج والمبررات التي تطرح اليوم، غابوا عن المشهد إما بالموت أَو بالعزل والإقامة الجبرية التي نفّــذها محمد بن سلمان بالعائلة الحاكمة منذ 2015 واللافتُ أن جزءاً كبيراً منهم عاضوا العدوان على الأخير على اليمن.
المشهد اليمني والسعوديّ في 2020 يحتم قراءة دقيقة وناضجة مبنية على حقائق أهمها أن الحسم العسكريّ شبه مستحيل، وأن بقاءَ السعوديّة في حرب مفتوحة سيعني إبقاء الباب مفتوح أمام استهداف المملكة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة مع تنامي قدرات اليمن العسكريّة خلال السنوات الماضية ومستقبلاً وعجز الرياض عن استعراض نتائج التحقيقات التي تشارك فيها الأمم المتحدة وتتعلق باستهداف مصافي ابقيق وخريص منتصف سبتمبر الماضي رغم أنها وعدت بعرضها في نوفمبر الذي مضى مؤشر واضح يؤكّـد أن هذه العملية الأضخم في 2019 جاءت من اليمن وقد تتكرّر.
هذا لا يعني أن الرياضَ تتجاهَلُ هذه الحقيقةَ، خُصُــوصاً مع تنامي الدراسات الإسرائيلية التي تعتبر حرب السعوديّة في اليمن خاسرة، وبالتالي بحسب التوصيات من القائمين على هذه المراكز الإسرائيلية فإنَّ على ”تل أبيب” البناء على أن التهديدات التي تأتي من اليمن واقعية ويجب التعامل معها بجدية وما نشره «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» للباحث بالمعهد «يوئيل غوجانسكي» بعنوان «المملكة العربية السعوديّة ودول الخليج: الممالك في الجريان، في ديسمبر الجاري يؤكّـد تموضعاً عسكريًّا مختلفاً في اليمن يتحول إلى تهديد خطير مع مرور الوقت، هذا التهديدُ رأسُه منظومة صاروخية قد تطال مواقعَ في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وما يفهم هنا أن المعادلةَ العسكريّة قد تغيّرت وتجاوزت مسألةَ التطلع السعوديّ لحسم الحرب لصالحها، مع استبعاد ما تريده مراكزُ الإسرائيلية فيما يتعلق بدفع السعوديّة لبناء شراكة مع كيان العدوّ الإسرائيلي تحت عنوان ”مواجهة إيران“.
ما يمكنُ استنتاجُه من السلوك السعوديّ خلال الأشهر الثلاثة الماضية هو محاولة تبريد الحرب وتجميدها عند المرحلة الراهنة والابقاء على حالة اللاحرب واللاسلم ريثما تخرج الرياضُ إلى معادلة إقليمية ودولية جديدة قائمة على مفاعيل الحرب الاقتصادية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأُوروبية على إيران، بالإضافة إلى نتائج التصدع والاحتجاجات التي تشهدها لبنان والعراق؛ باعتبارِ هذه الأحداث في “المحور الإيراني”، وبالتالي سحب هذه الحالة طوال العام القادم 2020، يمكنُ أن يحدُثَ ذلك إذَا كانت الحربُ جامدةً، لكنها ليست كذلك وتصريحات القيادات السياسيّة والعسكريّة في العاصمة صنعاء تتجه نحو التصعيد، فالتهدئة الطويلة مع بقاء الحصار وحالة اللاحرب واللاسِلم ورقة سعوديّة سيجري حرقها بعودة إطلاق الصواريخ الباليستية واستهداف العمق السعوديّ، وخُصُــوصاً بعد الحديثِ أن المشاورات اليمنية السعوديّة في مسقط قد وصلت إلى طريق مسدود.
2020 إما خروجٌ سعوديٌّ من هذه الحرب أَو تصعيدٌ يمنيٌّ غيرُ مسبوق يضيفُ تعقيداً جديداً أمام السعوديّة.
للرياض جرّبوا سيناريو 2009.