الحوثيون يمارسون السحر!
الشيخ عبدالمنان السُّنبلي
من منا لا يُردِّدُ دوماً عبارةَ (الله أكبر)؟!.
من منا لا يتمنّى الموتَ لإسرائيل ذلك الكيان العنصري الهمجي الغاصب الذي زُرع في قلبِ الأُمَّـة العربية في واحدة من أهـمِّ وأطهرِ الأماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين أَيْـضاً؟!.
من منا لا يتمنّى الموتَ لأمريكا تلك الدولة المستكبرة والمتغطرسة نكالاً بما اقترفته ولا زالت أياديها الآثمة في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال من قبلُ، بالإضافة إلى وقوفها ودعمها الدائم واللامحدود لإسرائيل؟!.
من منا لا يتمنّى النصرَ للإسلام والمسلمين على كُـلِّ أعداء هذه الرسالة السماوية المكملة والمتممة لما سبقها من الرسالات السماوية الحقة؟!.
أنا عن نفسي وكيمني عربيٍ مسلمٍ لا أجد تحرُّجاً بالاعتراف بذلك؛ لذات الأسباب سالفةِ الذكر طبعاً، سواءٌ أكنت اتفق أَو أختلف مع الحوثيين أَو غير الحوثيين، فقد أدركت ذلك قبلَ أن أعرفَ الحوثيين أَو أسمعَ عنهم.
هذه المشاعرُ ليست لديّ وحدي طبعاً، وإنما هي موجودةٌ لدى كُـلّ العرب والمسلمين ليس من اليوم فحسب، وإنما منذُ أن سيطرت الحركةُ الصهيونية على فلسطين بدعمٍ من القوى الاستعمارية والمتغطرسة الكبرى وعلى رأسها طبعاً أمريكا التي لا تتردّد دائماً بالاعترافِ والمجاهرة والتأكيد على التزامها الكامل بحماية ودعم هذا الكيان المجرم الغاصب.
ولو أخذت في الحقيقة عينةً من الناس من حقبة الخمسينيات أَو الستينيات مثلاً، وطرحت عليهم واحداً واحداً هذا الطرحَ، لوجدت أن أقلَّ واحد فيهم سيلعن أمريكا وإسرائيل واليومَ الذي عرفهم أَو سمع عنهم فيه، يعني مشاعرُ الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ليست وليدةَ اللحظة، وإنما هي موجودةٌ في نفوسِ الناس من قبل ظهور الحوثيين أَو غير الحوثيين بعقودٍ من الزمن.
ما فعله فقط السيّدُ حسين بدر الدين الحوثي، هو أنه جمعَ هذه المشاعر الناقمة على أمريكا وإسرائيل وقولبها في القالب التي هي عليها اليوم (الصرخة)، ثم دعا الناس بعد ذلك إلى أن يبوحوا ويصرخوا بها كحالةٍ من حالات التعبئة العامة الهادفة إلى استنهاضِ الأُمَّـة وحثِّها على مواجهة الأخطار المحدقة بها.
فأين المشكلةُ إذَا؟!
المشكلةُ ليست هنا طبعاً، المشكلةُ بصراحة هي في أولئك الذين ظلّوا لعقود يلقون على مسامعنا هذه العبارات وإن كانت بصيغ مختلفة، ويحرضوننا على أمريكا وإسرائيل في المدارس والمساجد والمنتديات والمظاهرات كيف أنهم وبقدرة قادر انقلبوا عليها وأصبحوا يرون فيها تحريضاً على العنف والكراهية وعملاً منافياً لأسس التعايش والسلام..
يا الله.. ما هذا الانفصامُ العجيب؟!
أين ذهبتم بتلكم الشعارات، سنرمي إسرائيلَ في البحر، ولن نعترفَ بإسرائيل، وافتحوا بابَ الجهاد، ورفض التطبيع، واللاءات الثلاث، ومقاطعة مصر السادات، وحملات التبرع لفلسطين والقدس وَ… وَ…؟!
تلاشت وتلاشيتم بعدها.
ولما جاء الحوثيُ مجدِّداً لتلك الشعارات ومختزلاً لها في شعارٍ واحدٍ هو (الصرخة)، في عملٍ هو أصوبُ ما يكون، دفع من أجله حياتَه ثمناً وقُرباناً، ثارت ثائرتكم وجُنَّ جنونُكم وقلتم: عملٌ دعائيٌّ خمينيٌّ إيرانيٌّ مجوسيٌّ رخيصٌ، الهدفُ منه استقطابُ أكبر عدد من البسطاء والسذّج واستمالتهم إلى صفوفهم في أكبر عملية خداعٍ وتضليلٍ واحتيال تُمارس بحقِّ هؤلاء الناس، أَو هكذا تقول أبواقكم وناعقوكم.
طيب، ما دام الأمرُ كذلك كما تدعون، وما دمتم ترون أنفسَكم أنكم أنتم وحدَكم حماةُ الدين وحراسُ العقيدة المرابطون في الثغور والسائرون على المنهج القويم والسليم، فلماذا لا تقومون أنتم أنفسكم إذَا ولو من باب سدِّ الذرائع بسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء (المخادعين) و(المحتالين) وتطلقون بأنفسكم هذا الشعار استشعاراً بمسئوليتكم في حثِّ الناس وتحريضهم على كُـلِّ من يُكِنُّ لهذه الأُمَّـة العداءَ بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ وعلني خَاصَّةً وأن هذا الشعارَ قد لقي استجابةً واسعةً ومتزايدةً في أوساط كثيرٍ من الناس؟!.
ألا يستحقُّ واقعُ أمتنا البائس الذي تعيشه اليومَ يا محترمون أن تطلقوا له مثلَ هكذا صرخة ومثلَ هكذا شعار؟!.
فما الذي يمنعكم إذَا من أن تستنفروا الناسَ وتستنهضوا الجهودَ والهممَ لمواجهة ما يحيقُ بالأمة من أخطار وكوارث؟!.
ألأنكم غير معنيين بمثل هكذا أمر؛ أم لأنكم تخافون أن تجرحوا مشاعرَ أمريكا وإسرائيل أم ماذا يا تُرى؟!.
بصراحةٍ لقد استطاع هؤلاء القادمون من الكهوف بشعارِهم هذا تعريتكم وإظهاركم على حقيقتكم وحقيقة خذلانكم ومتاجرتكم بقضايا الأُمَّـة ومدى انخراطكم في المشروع الصهيوني الخبيث والمتربص بالأمة ودينها القويم، يكفي أن المرءَ يقفُ مذهولاً وهو يرى أيّ (سحرٍ) وتأثيرٍ عجيب أحدثه هذا الشعارُ الآخذُ في الانتشار بصورة دراماتيكية متسارعة في إعادة إحياء وإظهار قضية العرب الأولى –فلسطين-، وإبرازها على السطح في نفوس العامة بعد أن أوشكَ الناسُ على تنحيتها جانباً تمهيداً لنسيانها؛ بفعلِ الخمول المتعمّد الذي أبداه من يفترض أنهم قادةُ وزعماءُ الأُمَّـة تجاه هذه القضية المحورية والمصيرية رضوخاً واستسلاماً لشروط وإملاءات سادتهم هناك من بني الأصفر وبني قينقاع..
فهل هكذا يمارس الحوثيون السحرَ؟!..