بَوحٌ وجداني عن قـــائد عظيم
خولة العُفيري
من بيــن حنــايا الروح أكتبُ إليكَ هذه الكلمات، وأهدي عباراتي الآتيةَ من الكيان، بل من عُمْــقِ الوجــدان، جمعتُها وهي حروفٌ مُبعثرة ما بين إحساس قلب وضجيج فكر، من بين عبارات كاتب في مقالة نثرية، وشعور شاعر في مقطوعةٍ شعرية، من لحنٍ هادئٍ لأُنشودة روحانية، ومن دقة حماسية في بداية زامل شعبي، من نـص رسالة صمود بيضاء زَيّنتها دمـوع مجاهد.
ومن وصية أخيرة كُتبت بدم شهيد.
من كلمات تأتأة من لسان طفلٍ يحاولُ أن ينطقَ بكلمة: يا سيدي.
وَمن أنفاس أخيرة يلفظُها جريحٌ انتهت بعبارة: لك جددنا العهدَ والولاءَ، عندَ شهادته.
يا سيدي لقد رأيت في ملامحك جمال القدس وحزن حلب يملأ الكمد، فتفاصيلُ وجهك على أمَّة جدك كحزن القدس المحتلّة.
ولك طلة تزهر القلوب وتنير الأفئدة، يطمئن بها البال ويكتمل بها المقال كطمأنينة مكّة بالحرم.
يا من أبحرت بنا في بحور العلم بخطاباتك الذي يصحبها روحانية وخشوع كخشوع صلاة في محراب القدس، فأنت السكينة والرضا في قلب من استمع إليك.
عظيم أنت يا قائدي كعظمة الجهاد والشهادة.
كفرحة ذلك الذي كان يتوق إلى أمنية تحقّقت وإلى شهادة نالها.
جميلٌ كتلك البسمة التي تشع من شفاه يتيمٍ ارتسمت على محيّاه وتلألأت في عينيه الدموع.
هادئ أمام تلك الأعاصير والأفواج المتكالبة من جبابرة وَطغاة الأرض، كـشاطئٍ هادئٍ بين ضجيج وتلاطم موجات في بحرٍ عاتٍ.
مُنيرٌ أنت في آفاق الحكمة والبلاغة، تتألق في سماء الزهد نجماً وتضيء بدراً في عليائه.
أنت المشكاة النورانية التي يشقُّ ديجورَ العتمة نورُها، كذلك المصباح الذي ينير منزل مهجور في ليلٍ دامس على قارعة طريق.
صاحبُ الإطلالة النبوية والابتسامة التي تروي الأنفس الظامئة كرشفة من ماءٍ باردٍ في حرارةٍ صحراوية.
عباراتك تطمئن لها القلوب وتوجل، كلماتك تتردّد على مسامعنا كأنغام تشدو وتترنّم بها العصافير في صباح باكر.
كنسيم الفجر، كالبدر يُضيء غياهب الظلمات والديجور ونجمٍ مُشعٍّ في غسق الدجى، كأقمار تتربعُ قلبَ السماء يشع نورها سماوات سبع تملئ الأرض ضياءً.
نعم سيدي أنت البدرُ في سماء الزهد والنجمُ في أرض الحكمة، أنت للشجاعة سيف علويّ، وللقدوة وسام محمديّ.
أنت بدرُ الهدى ومصباح الدجى.
أنت العينُ اليقظة في عالم السبات.
استثنائي عصرنا أرى فيك صفاتِ النبوة، فأنت يعقوبي الصبر، وعلوي الشجاعة، حسيني التضحية، زيدي الإباء، لُقماني الحكمة، للإيمان أيقونة، وللتُّقـى عــنوان، من صفوة الأتقياء والأزكياء.
عمار بن ياسر عاد في شخصِك العظيم، ونوح الداعية الصابر والإمام الهادي الثائر.
نابغٌ من نوابغ العلم والفصاحة وهادٍ ومرشد.. قائد القادة وقدوتهم.
اقتدى بالحسنين وجعل أباهما نصبَ عينَيه، وتأسّى بجدهما وجدِّه رسول الله.
مضى في الطريق الذي رُسمت بدماءِ أجدادِه من أئمة آل البيت، وعاد ليكملَ المشوار.
حاملٌ هَـمَّ الدين وحاملٌ همومَ الدنيا، يحملُ القضيةَ في كَفٍّ والمظلومية في الكف الآخر.
مسئوليةٌ يحملُها على عاتقه، يسعى بكُــلّ جهد بأن يمضي بالأمَّة إلى نهج قويم نحو صراطٍ مستقيمٍ عبر سفينة النجاة، مترجم للنهج الرسالــي والسيرة القرآنية.
حروفي مبعثرة لا أستطيع جمعها والكلمات هامدة كالرماد.
معناها باهتٌ وأقدام يراعي عرجاء، ضعيفة وهشة.
ها أنا واقفة على أشواك العبارات وموائد القواميس ودواوين الشعر، تعجزني ترتيب القوافي، وشفافة المقال، فيا قواميسَ اللغة ارحمي جبروت حبّنا لهذا المقدام..
فهل بمفردات تطفئ بركانَ تلك الكلمات التي في صدورنا، التي لا نستطيعُ كتابتَها أَو البوحَ بها بطريقة عادية إلى قائد عظيم وسيّد همام سيف حيدري ضرغام غير عادي..
لك السمو والرفعة ولك التبجيلُ، وأسمى التحايا تُهدَى في قلـب الريحان وأطواق الفل والياسمين بباقات النصوص الحرّة، والبساتين الوردية والأوراق الخضراء.
فاعْذُرْ تقصيرَ حروفي الكسيرة، واعْذُرْ ذراع قلمي القصير الأعرج، فلنا الحقُّ بأن نعذرَ أمامَك يا سيدي فأنت أمَّةٌ في رجل.