كل ما يجري من حولك

“شوق” وعيناها الصغيرتان

472

 

خولـــة العُفيري

تضمحل الكلماتُ وتسابقها الدموعُ، تارةً تبكيها، وتارةً تحمّلها ثقل كُـلّ ما تعنيه كلمةُ شوق من معانٍ، إنها طفلةٌ صغيرةٌ مذُ أن فتحت عينيها، لم ترَ النورَ إلّا من زاويةٍ واحدة وأُخرى معتمة، لم تشاهدْ منها سوى ذلك الظلام المكفهر الذي تُحدّق إليه وبقوة، آملةً بأن تُشِعَّ إشراقةٌ نورانية لتبصرَ بكلتا العينين، ولكنها ما زالت مُحدّقةً لم تبصر شيئاً.

تأخّرت بضعة شهور وكان قد سبقَها من سُمّيت بـ”شوق” لفقده قد ذهبَ بلا عودةٍ، فشوقها لرؤيته ومعرفته سيكمنُ في ذاتها، يرافقها بل ويكبر معها كلما كبرت، كما اشتاقَ إليها قبل أن تأتيَ وها قد حان دورُها تتوقُ وتشتاقُ إليه بعد أن رحلَ وباتت بينهما مسافةُ سبع سماوات، كانت شوق تسكن عالماً ووالدُها يسكن عالماً آخرَ، فقبل مجيئها إلى عالمِ أبويها ببضعة شهور غادر أحدُهما إلى عالم الخلود تاركاً شوقَ انتظارها صورة تُعانق عينيها.

ذهب الوالدُ إلى الجبهةِ حاملاً قضية أمَّة على عاتقه، يروم تحريرَها وقلبه ينبضُ شوقاً للقاء الجنين الأول الذي لم يعلم ما جنسهُ (أنثى أم ذكراً)، فرحةٌ أولى بخبرِ قدوم طفلٍ سيحمل اسمه في الوقت القريب، هاتفته زوجته قائلةً له: يا محمد عندما ذهبت إلى الطبيبة للكشفِ عن الجنين أخبرتني بأنه ابنٌ والطبيبة الأخرى تقول ابنة، فماذا تُريد؟

أجابها برضا قائلاً: ابنة أَو ابن، كلاهما نعمةٌ من الله، فأصبحا يتناولان الحديث عن اختيار اسمٍ لطفلهما الذي لم يأتِ بعدُ، الذي لا يعلمون جنسَه.

أما الوالدُ فكان يُدعى أبا حسن -اسمه الجهادي-، أكملا المكالمة بتمتمةٍ عن طفلهما المنتظر.

ولم يبقَ أبو حسن من الوقت بضعَ ساعات قليلة ليستقبلَ طفله طالما حلم به وبفرحته، ولكنه بعدَ المكالمة بيومٍ اقتحم أحدَ المواقع وبينما كان درعاً خلفياً للمجاهدين، استهدفته أيادي العدوان المأجورة بقذيفة هاون صنعت حاجزاً بينه وبين طفلته التي وُلدت ولم تجد سندَها وعزَّها وعزوتها، ولم ترمقه نظرةً واحدةً بعينيها الصغيرتين البريئتين، فحملت شوق شوقاً ثقيلَ الحملِ على جسمها الصغير.

فمن سيبشره بالفرحة الأولى، قد أتت ابنتُه إلى الدنيا الفانية؟! ومن سيخبرها بأن سندَها قد ذهبَ إلى الدار الباقية؟!..

You might also like