وجهُ الشبه بين حركة الإمام زيد وحركة الإمام الحسين -عَلَيْهِما السَّلَامُ-
أم مصطفى محمد
لقد توافرت للإمام زيد بن علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مائدةُ أهل البيت السخية؛ كونه ابنَ هذا البيت الطاهر.. فقد فتح عينَيه على ينابيع العلم والتقوى والقيم الخُلقية الرفيعة، فقد اغترف من منهل أبيه الزاخر بالتقوى والإخلاص والخشوع والعلم بالكتاب والشريعة مدة خمسة عشر عَاماً، ثم عاش في رِحاب الإمام الباقر -عَلَيْهِ السَّلَامُ- تسعة عشر عَاماً ينهلُ من علومه ومعارفه حتى بلغ الغايةَ في العلم والمعرفة، فكان يطوفُ على بعض رؤساء المذاهب والتيارات الأُخرى كواصل بن عطاء؛ لمناقشتهم في مسائل العلم بعد أن استوعبها من مصدرها الأصيل فكان يبين لهم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- موقعَ أهل البيت -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- ودورهم في حفظ الإسلام والأمة.
إن معالمَ شخصيةِ الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كانت مستمدَّةً من ملامح الشخصية المتميزة لأهل البيت -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وخطِّهم السياسي والعقائدي والاجتماعي، حَيْــثُ سار في حياته طِبْقَ تلك المبادئ الربانية والثورية حتى في أصعب مراحل ثورته، وذلك حين عرض عليه عبيدُ الكوفة المشاركةَ في الثورة فرفض ذلك؛ احتراماً لحق ساداتهم، كما رفض عرضُ نساء الكوفة المشاركةَ في الثورة رغم أن بعضَهن قُمْنَ بمحاكمة والي الكوفة يوسف بن عمر أمام الناس بعد شهادة الإمام زيد وأثبتن بُطلانَ موقف والي الكوفة، ولعل ذلك الرفض؛ بسبب أن العادةَ لم تجرِ على المرأة في حمل السيف أَو لأَنَّه -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بعدُ لم يستيقنْ من حاجته إليهن.
إن الحديثَ عن شخصية الإمام زيد يعني الحديثَ عن أهل البيت -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- ودورِهم في تربية المجتمع على القيم الثورية الإسلامية الأصيلة، ولا شك أن معرفةَ شخصية الثائر لا تكفي لمعرفة اتّجاه الثورة وأهدافها، إذ لا بُدَّ من دراسة عصر الثورة وأحداثها السياسية والتاريخية والعسكرية؛ لأَنَّ ذلك يُشكل هدفاً مستقلاً بذاته ضمن دراسة تاريخنا الإسلامي؛ ولكونه الظرفَ الذي حدثت فيه الثورةُ من جهة أُخرى، لكن الحقيقة التي لا خلافَ فيها أن حركة الإمام زيد بن علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قامت بذات الدور الرسالي المشرق الذي مارسته حركةُ الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فإذا كانت ثورة الإمام زيد بن علي لم تنجح في إسقاط الحكم الأُمَوي في ظرفها التاريخي فهي بلا شك منحت الأُمَّــةَ روحاً جهادية ونسفت حواجزَ الخوف في نفوس أبناء الأُمَّــة، ومن هنا كان ينبغي علينا دراسةُ هذه الثورة ومعرفةُ ظرفها وأسبابها وأحداثها ونتائجها، فلكُلِّ ثورة جذورٌ تاريخية وأسبابٌ تتصلُ بالماضي القريب ومن أجل دراسة ثورة الإمام زيد بن علي لا بُدَّ من استعراض أهم الأحداث التاريخية التي برزت في القرن الهجري الثاني واكتشاف اتّجاه الأحداث وطبيعة الحكم وموقف أهل البيت -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- من تلك الأحداث.
إن الثورة لا تحدث من فراغ ولا تنطلق من دون هدف محدّد، بل هي كسائر الظواهر الاجتماعية الأُخرى لها أسبابُها ودوافعها وأهدافها وكلما كانت الثورة ذاتِ قيادة واعية تميزت بصورة واضحة أهدافها وبرامجها، وعلى أَسَاس هذه الرؤية انطلقت ثورة الإمام زيد بن علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فالأوضاع التاريخية التي سبقت الثورة لعبت دوراً كبيراً في تحديد دوافع هذه الثورة؛ كونَ ثورةِ الإمام زيد بن علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم تكن حالةً ارتجاليةً وقراراً فُجائياً اتخذه الإمام زيد في مقارعته الظالمين، بل كانت تعبيراً عن موقف رسالي وإرادة فذة وقرار شعبي.