ويتحدثون عن يومٍ عالمي للسلام.. فأيُّ سلامٍ يقصـدون؟ 364 يوماً للحرب.. ويومٌ واحد للسلام!.. هل هناك طريقٌ للسلام.. أم السلام نفسه هو الطريق؟
ويتحدثون عن يومٍ عالمي للسلام.. فأيُّ سلامٍ يقصـدون؟ 364 يوماً للحرب.. ويومٌ واحد للسلام!.. هل هناك طريقٌ للسلام.. أم السلام نفسه هو الطريق؟
متابعات:
حتى الدول التي تحترف الحرب وتمتهن العدوان تحيي هذا اليوم- اليوم العالمي للسلام- تقاسم الشعوب والدول التي تعتدي عليها حتى في ذلك الحق المعنوي في أن يكون لها يوم واحد في السنة تحييه أملاً واستذكاراً، وفي أغلب الأحيان مواساة لنفسها من دون توقع الكثير، بل ربما من دون توقع أي شيء برغم أن هذا اليوم العالمي للسلام تحمل رايته الأمم المتحدة مركز الشرعية الدولية والتي هي في الوقت نفسه تجمع تحت سقفها الدول التي تحترف الحرب والعدوان، والدول التي يُعتدى عليها ويُقتل أبناؤها وتُنهب ثرواتها.. ربما من هنا، من خلال الوجود تحت سقف الشرعية الأممية تعد الدول التي تحترف الحرب والعدوان أن «من حقها» أن تشارك في إحياء اليوم العالمي للسلام.
هذا ليس تهجّماً على الأمم المتحدة ودورها ومكانتها كمقرر عالمي، قراراته يجب أن تكون مُلزمة للجميع، خصوصاً ما يتعلق بالتسويات واتفاقات السلام، وباعتبار أن هذا الأمر هو أساس وهدف تأسيس منظمة الأمم المتحدة التي قامت على أنقاض عصبة الأمم.. وهذه الأخيرة كما هو مكتوب- تزويراً وتضليلاً في كتب التاريخ- سقطت بسبب فشلها في منع الحروب والعدوان وليس بسبب طمع الدول التي تحترف الحروب وتصارعها فيما بينها على القتل والنهب والعدوان.
ومرة أخرى، نحن لا نتهجم على الأمم المتحدة كما إننا هنا لا ندافع عن عصبة الأمم، ولكن دعونا نفترض أن عصبة الأمم فشلت في تحقيق هدف السلام العالمي.. فهل نجحت الأمم المتحدة في ذلك؟
في كل الأحوال، فإن الأمم المتحدة ودورها، خصوصاً الأيام العالمية التي تُعلنها على مدار العام تقريباً بخصوص قضية ما- تاريخية أو إنسانية أو دولية…الخ.. هذا الدور لم يعد على طاولة أي نقاش داخلي ولا إقليمي ولا دولي، فالجميع يعلم، شعوباً ودولاً، أن النظام العالمي لا تقرره ولا تسيّره الأمم المتحدة وإنما على الأغلب الولايات المتحدة الأمريكية، عدو السلام العالمي.
وإذا كان لابدّ من وجود يوم عالمي للسلام، وإذا كانت الأمم المتحدة متمسكة بهذا اليوم، فليتم استكماله. اليوم العالمي للسلام ناقص الأركان، وليكون مكتملاً لابدّ من أن يُرفق بتحديد الجهة /الدولة/ القوة/ التي هي العدو العالمي للسلام، مقابل تحديد الجهة/ الدولة/ القوة التي هي الصديق العالمي للسلام.. قد يُجادل البعض بأن كليهما معروف من دون إعلان.. ونقول هذا صحيح بلا شك، لكن الإعلان ضروري بل هو واجب.. لماذا؟
أولاً، لوصم هذا العدو بالجريمة والعار تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، فلا تنساه الأجيال المتلاحقة، فيسقط من الوجدان الإنساني في كل عهد وفي كل جيل.. ومهما بلغ من قوة وجبروت، فتلك الوصمة لابدّ ستسقطه ككيان بكل أركانه وإن طال الزمن قليلاً، ولنا في التاريخ دروس وعبرة.
ثانياً، ليبقى الصديق العالمي للسلام حيّاً أبداً، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.. حيّاً بقوة الحق والعدل والإنسانية التي هي دليله ومرشده. هذه القوة لا يمكن إسقاطها أو إسقاط من يقف وراءها، وهي لابدّ منتصرة وإن طال الزمن.
أيضاً.. ما سبق ليس تهجماً على اليوم العالمي للسلام، بل هو مبادرة أو تنويه أو إشارة أو لفت انتباه أو رأي- أياً تكن التسمية- وذلك لتكتمل الصورة وليكون اليوم العالمي للسلام يوماً مؤثراً فاعلاً عسى أن تتوقف الدول المعتدية لحظة وتلتفت وراءها وترى المآسي والآلام والدمار الذي تخلفه من دون وجه حق، فقط طمعاً وجشعاً وإجراماً.. لتتوقف تلك الدول عن الحرب والعدوان يوماً واحداً فقط وهو اليوم العالمي للسلام كما طالبها الأمين السابق للأمم المتحدة بان كي مون في عام 2015 قائلاً: «لنجعل هذا اليوم- اليوم العالمي للسلام- خالياً من العنف.. إذا أمكن العيش ليوم واحد فقط في عالم خالٍ من العدوان والعداء، فيمكن تصور تحقيق ما هو أكثر من ذلك».
هذا اقتراح جيد جداً كبداية.. ولكن أحداً لم يعمل به، ليستمر هذا اليوم مثله مثل كل الأيام الدولية التي تقيمها الأمم المتحدة.. هذا ليس ذماً إنما هو واقع الحال، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على المشهد العالمي لنرى كيف أن العالم يتفجر حروباً جديدة في كل عام.. والأنكى أن حديث السلام نسمعه على الأغلب من الدول المسؤولة عن إشعال الحروب، وعلى رأسها طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية، فعلاً أو تمويلاً أو تحريضاً.. كيف لا وهي تتخذ من السلام ومؤتمراته وقممه وسيلةً للحرب وتشريعاً للعدوان.. هذا بالضبط ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية. في اليوم الـ 21 من أيلول من كل عام- وهو اليوم العالمي للسلام- تجدد الأمم المتحدة دعوتها لوقف الحروب والنزاعات، فتكون النتيجة في كل مرة غلبة الحروب والنزاعات واتساعها طولاً وعرضاً.
منذ 38 عاماً على أول يوم عالمي للسلام تواظب الأمم المتحدة على دعوتها لوقف الاقتتال والنزاعات، بغض النظر عن الشعار الذي يتخذه اليوم العالمي للسلام في كل عام، فشعاره لهذا العام 2019 هو «العمل المناخي من أجل السلام» وهو بلا شك شعار مهم وله دوره في منع استضعاف الشعوب والدول التي تصيبها الكوارث المناخية الناجمة عن الاحترار الكوني وما يسببه من تغير في النظام المناخي الذي ينعكس فيضانات وأعاصير وحرائق وغيرها تصيب الكثير من الدول، غنية وفقيرة، مع فارق أن الدول الغنية تستطيع تجاوز الآثار والتداعيات أو على الأقل احتواءها والتعويض لاحقاً، على عكس الدول الفقيرة التي قد تكون نهايتها في هذه الكوارث.
في كل الأحوال، وبدلاً من أن تستدعي الكوارث المناخية تضامناً عالمياً، فإن الدول التي تحترف الحرب والعدوان تعد الكوارث المناخية باباً جديداً لتبتز الدول وتساومها.. وإذا لم يكن للدول المنكوبة أي خيار سوى القبول فعندها يُقرأ عليها السلام.. أي الرحمة لها وعليها.
حروب تتواصل
أياً يكن.. الكوارث المناخية هي جانب واحد فقط من الأبواب المفتوحة أمام الدول المعتدية، لكن لا نعتقد هنا أن الدول والشعوب عندما تحيي اليوم العالمي للسلام ستفكر في الكوارث المناخية، وإن كانت لا تقلل من شأنها.. وإنما ستأخذ هذا اليوم بمعناه الأساسي والبدهي، أي من اسمه الذي هو نقيض الحرب، أو بعبارة أدق السلام مقرون بالحرب ومختص بها، فلولا الحروب التي قامت وتقوم لما كنا نشهد اليوم أياماً عالمية للسلام ولا مؤتمرات ولا قمماً أو ندوات أو ملتقيات أو تجمعات تغطي كل أيام العام تقريباً، وهي لا تبحث إلا في قضية واحدة هي قضية السلام العالمي، ولكن النتيجة أن الحروب لا تتسع وتتعدد فقط بل تتخذ الوجه الأكثر وحشية لها عبر التاريخ، لناحية طرق القتل الممنهج والتدمير الشامل، ليس فقط بالعسكرة، بل بالحرب الاقتصادية.. من لم تقتله الحرب قتله الجوع والبحث عن لقمة العيش في خضم الحصارات الاقتصادية التي تفرضها الدول المعتدية، ودائماً الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها.. وللأسف هذه الدول هي طرف أساس في كل عملية سلام، ولنا أن نتخيل هنا لماذا تفشل كل عملية سلام، لتستمر الحروب إلى ما لا نهاية.
يوم الإثنين الماضي، وفي رسالة له لمناسبة اليوم العالمي للسلام، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش «جميع الأمم والشعوب للتخلي عن أسلحتها وإعادة تأكيد التزامها بالعيش في وئام بعضها مع بعض».. وطبعاً تطرق غوتيريش إلى قضية المناخ وما تمثله الكوارث المناخية باعتبارها تهديداً للأمن والاستقرار العالمي لناحية المناطق التي تحولها هذه الكوارث إلى مناطق غير صالحة للعيش، فيُجبر ملايين الناس على شدّ الرحال والهجرة إلى مناطق أخرى فيقاسمون أهلها على الموارد وعلى نحو يهدد دائماً بنشوب النزاعات والاقتتال.
كيف يستوي المعتدي والمعتدى عليه؟
لن نجادل غوتيريش في هذا الجزء المناخي، ولكن نجادله في الجزء الأول، إذ إنه يساوي بين القاتل والضحية ويضعهما في ميزان واحد عندما يدعو كليهما للتخلي عن السلاح، وإثبات التزامه بالعيش المشترك مع الآخر بشكل سلمي.. أليس في هذه الدعوة الكثير من الظلم.. كيف يمكن للأمم المتحدة أن تتوقع سلاماً عالمياً في ظل دعوات كهذه هي الأكثر تهديداً للسلام العالمي.. والأكثر تهديداً لدورها ولجهودها في هذا الإطار.. كيف يمكن للأمم المتحدة أن تخصص يوماً عالمياً للسلام بينما هي أكثر من ينتهك شرعة هذا اليوم.. وأكثر من يعطي إحباطاً وتشاؤماً للشعوب والدول التي يُعتدى عليها؟
لماذا لا يكون غوتيريش أكثر تحديداً ووضوحاً في التوجه نحو الجهة المعتدية ودعوتها بصورة علنية ومباشرة لإلقاء السلاح والالتزام بالعيش العالمي المشترك؟
السوريون يحيون اليوم العالمي للسلام على طريقتهم
برغم كل ما سبق تبقى لكلمة السلام وقعها، لناحية ارتباطها بالأمل وبالإيمان اللذين يغذيان روح الاستمرار والبقاء.. والمقاومة لدى الشعوب والدول التي تتعرض للحروب والاعتداءات.. ولنا نحن السوريين حصة مهمة في السلام وفي يومه العالمي، وإذا كان السوريون حريصين على المشاركة في إحيائه كل عام وبأكثر من فعالية ونشاط، فهذا هدفه الاستمرار على خريطة يوم السلام العالمي في رسالة يؤكدون فيها أنهم باقون في ساحات المواجهة والصمود.. في ساحات الأمل والإيمان بأن الغد سيحمل نصراً لهم.. وسيحمل سلاماً.
(مها سلطان – سوريا)