حُـــبُّ الدنيا رأسُ كل خطيئة
أم مصطفى محمد
من المعلوم أن حُبَّ الدنيا من الأمور المذمومة والمبغوضة عند أهل البيت عليهم السلام فقد ورد عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال “حب الدنيا رأس كُــــلّ خطيئة” فهذا الحديث قد أشار إلى كُــــلّ شرور الدنيا ومفاسدها؛ كون الدنيا تقوم على حب الجاه وحب المال وحب الطعام والشراب وغيرها من الأمور وكل واحد من هذه المجموعة قد يؤدي إلى أعظم المفاسد وأشدها، فإن من يحبُ الجاهَ قد يبلغ به الحالُ أن يتكبَّرَ على غيره وقد يبلغُ به الحالُ أن يُسيءَ إلى الغيرِ فيستغيبه أَو يذمه وقد يعتدي عليه، وقد يبلغُ به الحالُ أن يتعدى إلى القتل كُــــلّ ذلك للمحافظة على الجاه، ومن يحب المال قد يبلغ به حب المال إلى السرقة فيتعدى بذلك على الغير وقد يتعدى الحال به إلى القتل، كُــــلّ ذلك في سبيل تحصيل المال والمحافظة عليه، ومن يحب الطعام والشراب إلى حد لا يكتفي بالقليل منهما الذي تقضى به الحاجة إليهما بل يطلب ما هو الأجود قد يبلغ به الحال أن يسرق وقد يبلغ به الحال أن يعتدي أَو يقتل، فحب الدنيا -كما يقول صلّى الله عليه وآله وسلم- رأس لكل هذه الخطـايا وقال أَيْــضاً في حديث آخر: “من أحب دنياه أضر بآخرته” وجاء في الحديث المروي عن الإمام علي عليه السلام “من تعلق قلبه بالدنيا تعلق فيها بثلاث خصال: هم لا يُفنى، وأمل لا يُدرك، ورجاء لا يُنال”.
ونجد أن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم قد تبرأ من الدنيا، حيث يقول “ما لي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل بظل شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها” وكذلك نجد أن أمير المؤمنين عليه السلام قد تبرأ منها وطردها وطلقها، حيث قال “يا دنيا إليك عني يا دنيا غُري غيري أبي تعرضت أم إليّ تشوقت، هيهات باينتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها، فعمرك قصير وخطرك حقير”.
لذا نجد أن سيد من زهد في الدنيا هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقد أعرض عنها مع قدرته عليها، وقد عُرضت عليه فرفضها ففي الحديث المروي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال جاءني ملك فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت جعلت لك بطحاء مكة خدار ذهب قال: فرفع النبي صلّى الله عليه وآله رأسه إلى السماء فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك” ولذلك نجد أن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلام قد حذو حذوَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه سيرة أمير المؤمنين تشهد له بذلك فهذا جرابه المختوم وهذا قرصه الذي اتخذه من الشعير وهذا أدامه الذي اتخذه من جريش الملح، هذا كله مع قدرته على تحصيل ما طاب من المطعم والملبس، فلقد أعرب عن قدرته علي ذلك فقال “والله لو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل، ولُباب هذا القمح، ونساج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي أَو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة”.
إن هذا هو الزهد عند أهل البيت عليهم السلام، وهم القدوة لنا فيه وقد نص أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك فقال: “ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه”.
ولقد تجسد قول أمير المؤمنين عليه السلام في رئيسنا الراحل الشهيد صالح الصماد رضوان الله تعالى عليه ذلك المؤمن الذي زهد في هذه الدنيا رغم أنها كانت بيديه إلا أنه آثر رضوان الله على ذلك المتاع الزائل وما ذلك إلا لكونه قد تعلم في مدرسة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله تعالى عليه وَكذا في مدرسة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وهنا سؤال يتبادر إلى الذهن ماذا لو خُيرت بين أن تسلك طريق الباطل وتكون مع الظالمين وتملك الدنيا وما فيها وبين أن تعيش فقيراً دون راتب تأكل قرص شعير مع الملح الجريش وتكون مع الصادقين المرابطين على الحَــقّ فأي الطريقين يا ترى تختار؟