ليس للمدموزيل فلورونس بارلي من يراسلها
د. أحمد الصعدي
ليست السيدةُ الفرنسية فلورونس بارلي مشهورةً كعارضة أزياء أَو نجمة سينمائية أَو مغنية أوبرالية أَو صاحبة أدوار إغراء، فلا علاقةَ لها بهذه الأمور النسائية، إنها وزيرةُ الجيوش (وزيرة الدفاع الفرنسية) تأمر أساطيلَ وطائراتٍ، وتدير حروباً معلنةً وأخرى سرية، من الحروب السرية التي تشاركُ فيها فرنسا الحربَ العدوانية على اليمن التي تتكشفُ اليدُ الفرنسيةُ القذرةُ فيها يَوماً إثر يوم. إلا أن الوزيرةَ الفرنسيةَ المدموزيل فلورونس بارلي تنكر ما يفعلُه سلاحُها وخبراؤها وجنودُها من قتل لليمنيين ومحاصرتهم وعزلهم عن العالم.
الوزيرة الفرنسية التي تدافع بشراسة عن سفك الدم اليمني وتحاولُ إنكارَ معطيات قدمتها مصادرُ فرنسيةٌ لا تفعل ذلك عن نزعة شريرة بل تؤدي وظيفة؛ كَـوْنها عضواً في الحكومة الفرنسية، والحكومة الفرنسية ليست إلا هيئةٌ تنفيذيةٌ تعمل لدى رأس المال ممثلاً بالشركات ومن أهمها شركات صناعة وتجارة السلاح. وقد سبق الوزيرة الفرنسية رئيسُ وزراء فرنسي سابق هو مانويل فالس في يناير عام 2017 عندما دافع عن بيعِ السلاح للسعوديّة في رد على سؤال أحد الصحفيين قال فيه: ((هل من المعيب أن ندافعَ عن وظائف عملنا؟)). طَبْــعاً لا عيبَ لدى هذا السياسيّ الفرنسي أن تتطايرَ جماجمُ أطفال اليمن وأن تمزَّقَ أجسادُ نسائه وشيوخه وأن تحالَ مُدُنَه وقراه إلى خرائبَ في سبيل ارتفاع هدير المصانع، وتدفق أموال النفط الخليجي على الخزائن الفرنسية وأن تظلَّ جيوبُ الفرنسيين مليئةً بالنقود وموائدهم عامرةً بما لذ وطاب من الأكل والشراب. فالسيدة فلورونس بارلي شأنُها كشأن السياسيّين الفرنسيين الآخرين ليست الإنسانية والديمقراطية وحقوقُ الإنسان والشعوب عندهم إلا زخارفُ وذرائعُ قد تستخدم لتحقيق أغراض سياسيّة في سوريا أَو فنزويلا أَو كوبا أَو أي بلد لا ترضى عن نظامِه الطُّغمة الرأسمالية في باريس أَو في باريس وواشنطن معاً.
تفاجِئُنا تلك المواقفُ من الفرنسيين؛ بسَببِ تصوراتنا السطحية عن باريس كمدينة للنور والخمور والعطور وعاصمةِ اليونسكو وعن فرنسا موطَن عصر التنوير وروسو وفولتير والموسوعة الفرنسية الكبرى التي فيها كُــلُّ شيء من ((صناعة الإبرة إلى صناعة المدفع)).
إنَّ فلورونس بارلي قائدةَ الجيوش الفرنسية هي ابنةُ فرنسا الوفية لمثلها بما فيها فلسفة التنوير التي لم تكُنْ إلا فلسفةَ البرجوازية الصاعدة الباحثة عن الربح بأي ثمن.
وللتذكير فإنَّ الجملة التي تقولُ: إن الرأسمال جبان، التي يعودُ لكارل ماركس فضلُ إشهارها، وردت لأول مرة في صحيفة فرنسية وكان المقصود بالقول أن الرأسمال جبان هو أن الرأسمال يخافُ انعدامَ الربح، أما إذا حقّـــق ربحاً -كما يقول كارل ماركس- فإنه يقبلُ على المخاطرة وإذا بلغ الربحُ مائةً في المائة أَو أكثرَ داس بقدمَيه على كُــلّ القوانين والأخلاقيات وارتكب كُــلَّ المحرمات. وهذا هو حالُ الرأسمال الفرنسي مع الأرباح التي يحقّـــقُها من بيعِ السلاح لمجرمي الحرب الإماراتيين والسعوديّين.
وما دُمْنَا قد ذكرنا عصرَ التنوير -أي القرن الثامن عشر- وقلنا: إن المدموزيل فلورونس بارلي وفية لثقافة ومثل بلدها التي وضعت تماثيلَ لمفكري ذلك العصر؛ باعتبَارِهم عظماءَ فرنسا، فلنذكَّرْ أن ديدرو الذي تزعم إصدار الموسوعة الفرنسية الكبرى كانت لديه رؤيةٌ جدلية إلى التقدم الاجتماعي؛ كَـوْنه يؤدي إلى بعضِ الشرور التي لا بُـدَّ منها. فعلى سبيل المثال لاحظ ظاهرةً جديدةً هي وَلَعُ الفرنسيين لا سيما السيدات بتربية الكلاب حتى لو كانت تربيتُهن على حساب الحاجات الضرورية لإطعام الأسرة.
ففي تساؤُلٍ ورد في حوار بين جاك القدري ومولاه -وهذا عمل روائي لديدرو- عن أسبابِ ولع النساء خَاصَّــةً في تربية الكلاب، يجيب جاك بالقول: إن النساء من الطبقات الغنية والفقيرة على السواء أصبحن يحطن أنفسهن بالكلاب عندما لا يجدن حولَهن من يحببنه أَو يحبهن فلا يستطعن تبادُلَ المشاعر إلا مع الكلاب.
وأظن المدموزيل بارلي تفعَلُ الشيءَ نفسَه عندما تتجرّدُ عن المشاعر الإنسانية بما فيها من رحمةٍ وأُمومة وطفولة وتدافعُ عن ذبح اليمنيين فلا تجدُ مَن يتبادل معها المشاعرُ إلا بني سعود وعيالَ زايد.