كل ما يجري من حولك

لماذا يتجنب ترامب التصعيدَ مع إيران؟

414

 

 

صالح القزويني*

في مقال سابق ذكرتُ أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران لو كانت ترمي بالفعل إلى منعها من تصدير قطرة نفط واحدة عبر حدودها البرية أَو مياهها فيتعين عليه نشر أساطيله في مياه الخليج الفارسي وبحر عمان والمحيط الهندي، وكذلك نشر قواته في الحدود البرية لإيران.

وبما أن ذلك مستحيل لذلك لجأت الإدارة الأميركية إلى الخيار الأسهل وهو تهديد البنوك العالمية بفرض عقوبات صارمة عليها إذَا حولت عائدات الصادرات الإيرانية وخَاصَّـة عائدات النفط إلى طهران، ولكن بما أن خيارات طهران متعددة في الالتفاف على العقوبات الأميركية؛ فان منع البنوك العالمية من التعامل مع إيران لا يحقّق غرض ترامب أَيْضاً.

من الخيارات التي يمكن لإيران أن تلجأ اليها هي المقايضة وذلك عبر بيع نفطها وشراء بضائع من البلدان التي تستورده، أَو أن تلجأ إلى التعامل بالعملة المحلية، أَو أن يستلم المتعاملون مع إيران حوالات مالية وصرفها في دول أُخْـرَى، وستكون كُــلّ هذه الخيارات وغيرها متاحة لطهران فيما لو رفض الاتّحاد الأوروبي تفعيل آلية التبادل التجاري مع إيران، بينما لاتزال الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تصر على أنها ستقوم بتفعيل الآلية، وبذلك فلا حاجة للجوء الحكومة الإيرانية إلى استخدام الخيارات البديلة.

غير أن الملفت أن طهران تعلن بكل صراحة وعلى لسان الرجل الثاني فيها وهو الرئيس روحاني بأنها ستلتف على العقوبات الأميركية ولا تعبأ بها؛ لأَنَّها غير شرعية، وفي الوقت نفسه فان المتابع للشأن الإيراني يلتفت وبشكل ملموس إلى تصعيد إيراني ضد الولايات المتحدة، خَاصَّـة على الصعيد العسكريّ.

فمنذ أَكْثَــر من 3 أشهر والقادة الإيرانيون سواء كانوا سياسيّين أَو عسكريّين يطلقون تصريحات نارية ضد الولايات المتحدة، والى جانب هذه التصريحات فان طهران تقدم بين فترة وأُخْـرَى على خطوات عسكريّة سواء باختبار أسلحة جديدة أَو اطلاق صواريخ الاقمار الصناعية أَو إجراء المناورات العسكريّة البرية والجوية والبحرية، ورغم كُــلّ ذلك فان واشنطن لا تنبس ببنت شفة.

فهل يا ترى أن الولايات تخشى من إيران لتلتزم الصمت تجاه مواقف قادتها أَو إجراءاتها السياسيّة والعسكريّة؟

بكلمة أن السبب الرئيس هو خشية ترامب من ارتفاع أسعار النفط، فهو يدرك بشكل جيد أن أية ردود فعل من قبله أَو من قبل أي مسؤول في حكومته سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط خَاصَّـة إذَا كان رد الفعل هذا مقترنا بأفعال وليس مجرد توجيه التهديد.

ويعلم ترامب أَيْضاً أن سعر النفط سيقفز إلى أعلى من 100 دولار للبرميل الواحد بل وربما يصل إلى 200 دولار لمجرد أن يحرك قطعة بحرية عسكريّة باتّجاه مياه الخليج الفارسي خَاصَّـة إذَا أعلن مع تحريكها أن الهدف من ذلك هو لتضييق الخناق على إيران وارغامها على الامتثال لمطالبه.

اليوم يعض ترامب بنواجذه على سعر النفط ليحافظ على أدنى سعر خَاصَّـة بعد رفض السعوديّة غير المباشر بخفض سعره عبر اغراق سوق الطاقة به، فعندما التزمت الرياض بحصتها في اجتماعات منظمة أوبك وَأَيْضاً التزمت باتّفاقات أوبك بلاس، فانها عملا تنكرت لطلب واشنطن بضخ كميات أَكْبَــر من حصتها في السوق ليؤدي إلى خفض سعره.

بعد أن وصل ترامب إلى قناعة بانه لا يمكن الرهان على أوبك لخفض سعر النفط لجأ إلى المخزون الاستراتيجي الأميركي من النفط، لذلك فانه يقرر بين فترة وأُخْـرَى بضخ كميات من هذا المخزون لكي لا يقفز سعر النفط، وبما أن اللجوء إلى المخزون النفطي يعرض الاقتصاد الأميركي لمخاطر وتحديات كبيرة ويؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط لذلك نرى أن بعض وسائل الاعلام تنشر معلومات وأرقام وهمية عن ارتفاع مستوى المخزون الاستراتيجي.

هل هذا يعني أن المواجهة العسكريّة بين إيران والولايات المتحدة لن تقع بتاتاً؟

من المستبعد وقوع المواجهة على المدى القريب وخَاصَّـة حتى انتهاء الفترة الرئاسية لترامب (هذا إذَا لم يحجب الكونغرس الثقة عنه)، ولكن بعد انتهاء فترته الأولى وترشيح نفسه لفترة ثانية وفوزه فيها فانه من المتوقع أن يلجأ إلى مثل هكذا مغامرة.

ومع أن ترامب صب معظم جهده على تقوية الاقتصاد الأميركي وخفض نفقات معظم الأجهزة الحكومية في الميزانيات السنوية وكذلك التوقف عن المساهمة المالية في العديد من المنظمات الدولية كاليونكسو وَمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كما قطع المساعدة المالية لبلاده عن بعض الدول كالأردن؛ غير أن إدارة ترامب حرصت على رفع ميزانية البنتاغون من أجل تعزيز القدرات العسكريّة الأميركية ولعل الانسحاب من اتّفاقية الصواريخ مع روسيا يصب في هذا الإطار.

رفع مستوى النفقات العسكريّة في الوقت الذي تحسر فيه إدارة ترامب نفقات معظم الأجهزة والدوائر وقطع المساهمات الدولية يشير إلى أن لدى ترامب خططاً لاستخدام الخيار العسكريّ لحل مشاكل بلاده مع بعض الدول.

* كاتب إيراني- رأي اليوم

You might also like