كل ما يجري من حولك

الاعلام الخليجي في أروقة الأكاذيب

862

عندما يصير الإعلام جزءاً من المعركة

نور الهدى صالح

“اكذب اكذب حتّى يصدّقك الناس” وزير الدعاية السياسية لألمانية النازية جوزيف غوبلز.

يبدو أنّ دول الخليج تحاول جاهدة تطبيق مقولة غوبلز اليوم، في ظلّ  تعدد المحاولات لتغيير “بوصلة” الوقائع. لم يقتصر “حشر أنف” الخليج في شؤون البلدان العربيّة الأخرى عسكريًا فقط، بل تعدّى ذلك الترويج الاعلامي الكاذب.

الاعلام المضَلِّل ضمن عملية “عاصفة الحزم”

التضليل الاعلامي في الحرب على اليمن تجسد بفضائح شملت كالعادة قناتي “العربية” والجزيرة”.  سعت القناتان إلى إظهار العملية السعودية بأنها “عملية عربية شرعية وجامعة”. هذا ما  كررته “الجزيرة”  في أخبارها السريعة، وسعت للتأكيد على أنّ “عاصفة الحزم” هي عملية مشتركة بين جميع الدول العربية ضد جماعةٍ صغيرة “مخرّبة” في اليمن.
كذلك عمدت “العربيّة” إلى تلميع صورة المملكة السعودية وتسويغ عدوانها “الإنساني”، من خلال حملة دعائية تعتمد على التزوير في فبركة التقارير والأخبار، مُلصقة كل ما هو عدواني بحركة “أنصار الله” اليمنية.

كما  عرضت القناة صورة لما قالت إنه تدمير لـ “رتل عسكري للحوثيين في صعدة”، تبيّن فيما بعد أن الصورة تعود إلى حرب الخليج عام 1991، وأن الدبابات هي دبابات عراقية. كذلك بثّت على شاشتها وعلى موقعها الالكتروني مقطع فيديو، زعمت أنّه يظهر “أحد مقاتلي جماعة الحوثي أثناء تدريبه من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني على استخدام طائرة حربية في أحد مطارات اليمن العسكرية”،  مستنتجةً أن ما سبق “يؤكد الأنباء حول الدعم الإيراني المستمر للانقلابيين الحوثيين”. لكن المفاجأة تظهر في الفيديو نفسه، الذي ما إن تضغط زر المشاهدة حتّى تكتشف أنّه فارغ من أي أثر يشير الى أن الحرس الثوري الايراني يتدخّل في اليمن.”

كذلك اصطنعت”الجزيرة” مشاهد مليئة بالأكاذيب خلال تغطية جريمة العدوان السعودي- الأميركي على اليمن حيث بثّت القناة مشاهد فيديو زعمت أنّها تعود “لاشتباكات وقعت  في مدينة عدن بين المقاومة التابعة للرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي وعناصر حركة أنصار الله وقوات الجيش المؤيدة للرئيس السابق علي عبد الله صالح” الا ان سرعان ما تبين ان المشاهد ليست الا صورلاشتباكات بين حزب الله وجبهة “النصرة” الارهابية في جرود عرسال بتاريخ 20 ايلول 2014 وهو ما كشفه موقع العهد .
لم يكن هذا التضليل الإعلامي الذي قامت به قناة “العربية” أو حتى “الجزيرة” هو الأول وقد لا يكون الأخير، إذ أصبح “التلفيق الاعلامي”  قاعدة في عمل هاتين القناتين خصوصًا في ما يتعلق بالأزمة السورية.

التضليل الاعلامي … جزء من المعركة

الحرب إعلاميّة أوّلاً
“حرب التضليل الاعلامي في البلدان العربية لم تكن بداياتها مع أحداث اليمن وسوريا الأخيرة، بل لها تاريخ يؤكد مدى أهمية الوسائل الاعلامية في التأثير على مجريات الأحداث في المنطقة “. هذا ما يوضّحه في مقابلة مع العهد، الدكتور في الجامعة اللبنانية-كلية الاعلام والتوثيق وفيق ابراهيم. الذي يشير إلى أنّ ما يحدث اليوم في الاعلام الخليجي يعود إلى  العام 1990، أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسيطرة الولايات المتحدة منفردة على العالم . يتحدث ابراهيم عن ” خطّة اعلامية  وضعتها يومها واشنطن شملت الإعلام الغربي والخليجي لدراسة ما يُفرّق الدول العربية والاسلامية”، ويعتبر ابراهيم أنّ الاعلام “عمد منذ ذلك التاريخ حتّى اليوم إلى تحطيم المناعة الوطنية في هذه الدول عبر إثارة مكونات المجتمع المذهبية، الطائفية، القومية والعرقية وجعلها تتصادم في سبيل فسح المجال للولايات المتحدة الأمريكية للامساك بالمنطقة وقولبتها على النحو الذي تريده”.

ويشدد ابراهيم على أنّ الولايات المتحدة والخليج تخصص مليارات الدولارات في سبيل تحطيم المجتمعات العربية والاسلامية.   يتحدث استاذ الاعلام عن ان الرياض ” لم تنفق دولاراً واحداً على مشروع اقتصادي في اليمن، في حين أنّها أنفقت مليارات الدولارات لنشر الارهاب هناك، عبر دعم وسائل التضليل الاعلامي، وإقامة “لجنة لمكافحة الروافض”، وإقامة أكثر من ألف مدرسة لتعليم الوهابية في اليمن.

إذاً  المعركة  اليوم “إعلامية صرفة ” بحسب ابراهيم. يوافقه الرأي الدكتور في كلية الاعلام عباس مزنر، الذي يؤكّد على دور الاعلام المضلل في التأثير على مجريات المعركة من خلال حرف الصراع وتعزيز الشرخ الطائفي، “فالاعلام ساهم بتضليل قيادات عالمية ورجال دين وحرضهم  للنزول إلى أرض المعركة”. يبيّن مزنر كيف لعبت الوسائل الاعلاميّة دوراً بارزاً في صناعة عدوّ جديد يهدد المنطقة، ويشير إلى  ان “هذه الوسائل عمدت إلى تصنيع داعش أوّلاً وتضخيم صورتها من خلال حملات اعلامية، ثمّ صناعة تهديد آخر وتحويل بؤرة الاهتمام عن العدوّ الداعشي “.

ويعتبر مزنر أنّ الغرب والخليج يسعى من خلال الاعلام إلى إقامة جدار بين العرب والايرانيين وإظهار إيران وحزب اللّه كطرف شيعي يهدد السنة في العالم. حصل هذا في سوريا والعراق ولبنان . يضيء مزنر على تجربة العراق حيث ” انشغلت الوسائل الاعلامية بتسليط الضوء على التهديد الايراني الشيعي الزاحف الى تكريت”. كذلك في اليمن يقوم الاعلام الخليجي  بصناعة صور نمطية مفبركة للوحش والضحية كأسلوب من أساليب تزوير الحقائق، حيث يجد مزنّر أنّ استخدام هذه الوسائل الاعلامية مفردات معينة “كالحوثيين المتمردين”، وحتّى نشرها للأكاذيب كقتل رئيس الحوثيين عبد الملك الحوثي، أو قتل عناصر من حزب اللّه هناك، يصبّ في إطار الهدف التضليلي نفسه.

دور الاعلام في المجابهة

اداء الاعلام الخليجي دخل مرحلة حساسة وخطيرة  ،  ما يستدعي موقف يواجه حملة التضليل الواسعة هذه. لذلك يؤكّد مزنّر على وجوب مجابهة هذا التحدّي. ويقترح الاعتماد على أساليب رفع المعنويات، وتقديم صورة للانتصارات “حتّى لا تمرّ بعض الانجازات مرور الكرام”. كما ويشدد على تحرّك الوسائل الاعلامية تحرّكاً منسقًا مع الجمعيات، والعمل على “الصورة ” وخصوصًا “الانسانية” لأن لها دور كبير في التحريض. ويشير مزنّر إلى أهميّة تسليط الضوء اليوم على انجازات الحوثيين إعلاميًّا والاعتماد على مبدأ الممانعة بكلّ معنى الكلمة، لمجابهة التضليل الحاصل في الهجوم السعودي-الأميركي على اليمن.

You might also like