من وصاية الداخل إلى هيمنة الخارج: حضرموت.. البحث عن ممثل للقضية!!
متابعات:
مجدداً وليس أخيراً، تتسابق القوى للوصاية على حضرموت، تلك المحافظة التي تنتج ربع مليون برميل من النفط يومياً ولا تزال واعدة بالاستثمارات في قطاعات عدة، لكن هذه المحافظة التي وضعت لعقود في الهامش اليمني رغم ما تشكله، مساحةً وأرضاً وإنساناً، باتت هذه المرة محل أطماع إقليمية.
خلال الساعات الماضية، شهدت حضرموت الوادي والساحل تحركات لقوى الوصاية التقليدية، ففي الوقت الذي عقد فيه المحافظ، فرج البحسني، لقاء عسكرياً بأهم أركان قواته في المكلا، محدداً العام المقبل موعداً للانتشار في وادي وصحراء المحافظة تلك الخاضعة لسيطرة المنطقة العسكرية الأولى الموالية لعلي محسن، التقي الأخير برئيس حلف القبائل، عمر بن حبريش وناقش معه تطورات الوضع في مناطق الوادي والصحراء الذي شهد مؤخراً عمليات إرهابية سقط على إثرها العشرات في غضون يومين.
لم يكن الانتشار قرار البحسني العائد لتوه من الرياض، وهو الذي فشل خلال أكثر من عامين في محاولاته نشر النخبة في مناطق الوادي، ناهيك عن فرض السعودية نفسها واقعاً جديداً في مناطق الوادي والصحراء يتمثل بالحكم الذاتي بعيداً عن المركز في المكلا الذي يديره البحسني، لكن الاجتماع حمل رسالة لمحسن الذي تتسع فجوة الخلافات بينه وبين الرياض بعدما صعَّدت الأخيرة في وجهه مؤخراً، وباتت تهدد وجود قواته من شبوة في الجنوب وحتى مارب في الشمال، غير أن محسن الذي لا يزال يحتفظ بقوة وحلفاء قبليين في هذه المناطق يناور مجدداً علَّه يربح ولو القليل في معركة تقليم الأظافر، التي بدأها التحالف بهدف إضعاف كافة القوى اليمنية وفرض واقع جديد تقبل به دون معارضة.
على مدى العقود الماضية ظلت حضرموت محل وصاية أطراف محلية عدة، ولم يبقَ منها اليوم سوى محسن المتحصن في الوادي والصحراء، في حين التقف المجلس الانتقالي ممثلاً بالنخبة الحضرمية السلطةَ في الساحل من تنظيم القاعدة الذي سلَّم العام الماضي مدينة المكلا بناء على اتفاق مع التحالف، بحسب تقارير غربية، ولا زال يسيطر على العديد من مديريات المحافظة بناء على ذات الاتفاق الذي كفل للتحالف زخماً في طرد القاعدة دون إطلاق رصاصة واحدة، وللتنظيم وجود في السلطة ومزاولة نشاطه بعيداً عن المطاردة باعتراف ضباط إماراتيين لصحيفة الاندبندنت البريطانية، لكن اليوم وفي ظل الضغوط الدولية لإحلال السلام في هذا البلد الذي أنهكته الحرب على مدى أربع سنوات، يحاول التحالف إعادة حياكة المشهد في هذه المحافظة، وقد عمل على مدى العامين الماضيين على إضعاف كافة القوى وتغذية قوى جديدة طفت إلى السطح.
لا مستقبل للانتقالي أو علي محسن في هذه المحافظة التي تريد السعودية إخضاعها للإشراف المباشر، ليس لإنتاجها النفطي أو موقعها الاستراتيجي على بحر العرب فقط، بل لما لمخزونها المائي الذي يشكل نحو 90% من مخزون اليمن بأكملها، وقد سبق للسعودية وأن فكت ارتباط النخبة بالانتقالي العام الماضي عندما عزلت عناصر النخبة القادمين من الضالع وأبين ورحَّلتهم على متن شاحنات إلى محافظاتهم، وواصلت مؤخراً تقليم أظافرهم في مديريات الساحل برفع علم اليمن إلى جانب علم المملكة الذي مزقه أنصار الانتقالي في شوارع المكلا قبل أيام قليلة على حفل حضره السفير السعودي بمعية نظيره الأمريكي، وسلَّم خلالها سواحل المحافظة لمصلحة خفر السواحل اليمنية.
لم تخفِ السعودية أطماعها في حضرموت، وهي التي جندت المئات من أبناء وادي وصحراء حضرموت وتصرف رواتبهم بالريال السعودي، ويتوقع إحلال قوات محسن بهم، إضافة إلى دعمها إنشاء كيان حضرمي يدين بالولاء لها ممثل بمؤتمر حضرموت الجامع الذي أعلن “إقليم حضرموت” كأبرز أهدافه التي يسعى لتحقيقها في بيان صدر عن أول اجتماع للمؤتمر العام الماضي، وأقام مهرجاناً سياسياً في الشحر مؤخراً بذكرى الهبة الحضرمية، بعيداً عن الانتقالي الذي نظم فعالية مماثلة في المكلا، أضف إلى ذلك مواصلة السعودية تنفيذ أبرز النقاط الـ40 التي تضمنها المؤتمر في بيان التأسيس، وقد دفعت ببرلماني المحافظة للمطالبة بحصة في مجلس النواب وتسعى لأن تشكل حضرموت مركز ثقل داخل “اليمن الاتحادي” الذي تتطلع الرياض لتنفيذه في اليمن وأنفقت المليارات في سبيل تحقيقه بما فيها الحرب.
من يقرأ تاريخ حضرموت يتذكر مآثر الممالك التي نشأت على ترابها والأساطير حول هذا الجزء من اليمن الذي ظل عصياً حتى على الاحتلال البريطاني، لكن كل هذا لم يشفع لحضرموت أن تحضر بقضيتها كما هو الحال في بقية المدن اليمن، والسبب قد لا يكمن في سلمية أهلها ووحدتهم، بل لأن الساسة من أبنائها فضلوا المناصب الخارجية على حساب القضية الحضرمية التي عانت، شأنها شأن بقية الأراضي اليمنية، واليوم تحقق حضرموت نقلة جديدة، ليس في سياق التحرر بل في الانتقال من الوصاية الداخلية إلى الخارجية.
(تقرير/ عيسى الشيخ)