الإحتلال يتجدد .. فماذا عنا؟
متابعات:
حتى الآن لا يزال البريطانيون يقيمون الفترة التي أمضوها في احتلال الجنوب وخصوصاً السنوات الأخيرة من الاحتلال التي شهدت مواجهات مسلحة مع الثوار اليمنيين والتي أدت في النهاية إلى الاستقلال ودحر المستعمر في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
بالنسبة لقوى الاستعمار، ومنها بريطانيا فإن انسحاب قواتها أو اندحارها من أي بلد أو مستعمرة لا يعني نهاية الأطماع أو تسليمها بحقوق الشعوب في السيادة والاستقلال وتقرير المصير.
لكنها مجرد استراحة لتغيير الخطط والأدوات والاستعداد لجولات أخرى قوى الاستعمار تجدد نفسها باستمرار وتستفيد من تجاربها السابقة وتخضعها للدراسة والتقييم وتبحث في أسباب الإخفاق والنجاح، ولا يترددون في إعلان ذلك لأنهم على ثقة بأننا في اليمن والمنطقة العربية على سبيل المثال لم نستفد من تجاربنا السابقة مع الدول المستعمرة لم نحصن استقلالنا مادياً أو سياسياً وثقافياً ولا تزال في صراع عبثي مع بعضنا منذ عقود.
في حين لا تزال قوى الاستعمار في تحالف مستمر يتبادلون الخبرات والنصائح بالسر والعلن.. وهذا ما دونه أحد المحاربين القدامى في قوات الاحتلال البريطاني في رسالة إلى من أسماهم “الرجال على أرض الواقع” وهو يقصد بالتأكيد القوات البريطانية والأمريكية التي تنفذ مهمات استعمارية في العديد من البلدان ومنها بلادنا اليمن يقول ديفيد ليدجر: لقد كانت الدروس في عدن واضحة كالمعتاد فمن غير الإرادة السياسية والجماهير المتعاطفة والمعلومات الاستخباراتية الدقيقة وبدون قوات كافية وفهم عميق للعدو يكون من الصعب التنبؤ بالنتائج النهائية بسهوله.
وينقل ليدجر عن أحد الضباط البريطانيين الذين شاركوا في العمليات العسكرية للسيطرة على ردفان عام 1964: لم نكن نقدر شدة العنف من ردة فعل القبائل على وجودنا.. هكذا نحن وفي كثير من الأحيان نقلل من قدرة العدو.
وينقل المحارب القديم ديفيد ليدجر عن جندي آخر: كانت مشاركتنا مجرد أكل عيش وهي إشارة لضعف معنويات الجنود خلال مشاركتهم في عمليات ردفان وصعوبة الحرب التي عاشوها.
ثم يختتم ليدجر رسالته بصراحة ووضوح قائلاً: “ولأن ظروف القتال لا تختلف الآن عما كانت عليه في الستينيات فقد أرسلت كل الدروس المستخلصة للمستشارين الأمريكيين العاملين حالياً في تلك الأراضي الجدباء”.
هكذا تجدد قوى الاستعمار نفسها وتطور أدواتها وخططها وتبني على تجاربها بينما نغرق في أنانيتنا ونهدر تجاربنا ونتجاهل تضحيات بعضنا بل ونزوّر حتى تاريخنا أيضاً.
فإذا كانت الثورة ضد الاحتلال البريطاني انطلقت من جبال ردفان في الـ 14 من أكتوبر 1963 فماذا نسمي الانتفاضة التي قادها المناضل مساعد علي ضد الاحتلال البريطاني عام 1956 وهو من منح المناضل علي أحمد ناصر لقب “عنتر” الذي كان لا يزال فتى وكان عنتر يرى في مساعد علي قدوة ونموذجا ولماذا أقدمت الطائرات البريطانية على تدمير قرية “الذنبة” في ردفان عام 1956م – قبل ثورة 14 أكتوبر بسبع سنوات؟! أين المناضل سيف مقبل عبدالله القطيبي بطل ردفان المغيب؟! وهل من الإنصاف أن نمحو مواقف من سبقونا وتضحياتهم ونحصر الثورة بتاريخ وحزب وأشخاص ونظام محدد.
للنظام الإمامي عيوبه ولا شك لكن كيف يستقيم أن نضعه تاريخياً في خانة واحدة مع الاحتلال البريطاني مع أن أول بندقية يحصل عليها المناضل علي عنتر كانت هدية من الإمام أحمد وأول وسام يحصل عليه علي عنتر كان وسام الشجاعة والبطولة الذي قلده إياه القاضي السياغي نائب الإمام عام 1956 تقديراً لدوره وشجاعته النادرة خلال مشاركته مع جيش الإمام في معركة الجليلة بالضالع ضد القوات المدعومة من الاحتلال.
هكذا مسخناً تاريخنا فتحول بعضنا إلى مسوخ لا يفرقون بين الأخ والغريب بين الصديق والعدو ولا بين التحرير والاستعمار.. حنى أصبح للاستعمار “قاعدة جماهيرية متعاطفة” كما أوصى المحارب القديم ليدجر في رسالته!
بقلم: عباس السيد