استقلال اليمن بين التطبيق و«التنظير» On ديسمبر 1, 2018 375 Share 51 عاماً على نيل الجنوب استقلاله عن «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، لكن ذكرى «30 نوفمبر» لهذا العام جاءت واليمنيين لا يزالون ينشدون «استقلالاً». هي 4 أعوام من الحرب والحصار، تفرّق فيها اليمنيون وتشتت عضدهم، وبين موالٍ لهذا البلد ومعارض لذاك، انقسمت أبناء البلد الواحد، حتى صار الاستقلال مطلباً متعدد الوجهات. خلال سنوات الحرب الـ 4، يجدّد اليمنيون في كل «30 نوفمبر»، مفردات السيادة والتحرير واستعادة الدولة كاملة السيادة، وعلى غرار ما فعله ثوار «14 أكتوبر» ضد الاحتلال البريطاني للجنوب، يهتف اليمنيون في الشمال والجنوب لخروج القوات الأجنبية من اليمن، ووقف الحرب وفك الحصار. يعيش الجنوب اليمني اليوم، استقلالاً غير منجزٍ في مفاهيمه الجغرافية والسياسية. كل ما في الأمر، أن بريطانيا الدولة التي احتلت سابقاً، تحولت الى دولةٍ راعيةٍ للاحتلال، والذي أخذ طابعاً عربياً هذه المرة، إذ تدعم الأخيرة دول «التحالف» في حربها وتوسعها جنوباً وشمالاً، فيما تقضم الإمارات والمملكة السعودية، الجغرافيا اليمنية، لخدمة مصالحها ونفوذها، وتنفيذاً لأجنداتها الخاصة، بعيداً عن أي اعتباراتٍ أخرى. وتنقسم على ذلك القوى الجنوبية، بين داعمٍ ومعارضٍ، أو متسترٍ على موقف، بانتظار تغيراتٍ ما. الثابت الوحيد، أن المستفيد من التشرذم اليمني، يرى في المطالب والدعوات التي تطلقها القوى الجنوبية على وجه التحديد، وسيلة لأهدافه لا غايةً ينشدها، فتتحول معظم المطالب لـ«حصان طروادة» تستغله قوى خارجية، للسيطرة على القرار السياسي، ومن خلاله على الأرض والثروة والمؤسسات الحيوية. ما بين رحيل القوات البريطانية عن جنوب اليمن عام 1967، ودخول القوات السعودية والاماراتية اليه خلال السنوات الثلاث الماضية، تتبدّل الوجوه لا الأدوار، فالاحتلال قائم بأساليبه المباشرة وغير المباشرة، ينهب ثرواته ويشتت قوته ويضيّع إنجازاته، ويختلق بين مكوناته السياسية الفتن والخلافات، متبعاً طريقة «فرّق تسُد» للحؤول دون توحّد الجهود ضدّه. فلم تعد المشكلة بمن يدعم الانفصال عن الشمال، ممن يعارضه، بل بمن يرى في قوى «الاحتلال» داعمةً لمطالبه، بغض النظر عن تلك المطالب وتوجهاتها، لأن الأهداف والمطالب التي تتحقق بدعمٍ من محتلٍ، ستسقط سريعاً أمام التبعية وسترتبط حكماً بمصالح المحتل لا المصالح الوطنية. الأهداف التي تتحقق بدعمٍ من محتل ستسقط أمام التبعية ليس المطلوب المقارنة بين احتلالين، بقدر ما هو مطلوب الاستفادة من التجارب الدالة على ذاتها بذاتها. لم تدخل بريطانيا جنوب اليمن للنهوض به، ولم تخرج منه على هواها ورأيها، بل دخلته محتلة ناهبة لخيراته، وخرجت منه بقوة السلاح الذي رفع بوجهها. والحال اليوم، أن القوات الإماراتية والسعودية لم تدخله أيضاً داعمة ولو أنها تتذرّع بذلك. فالشواهد كثيرة، تبدأ من احتلال الموانئ والسيطرة على الثروات ولا تنتهي باحتلال القرار «الجنوبي» قبل الأرض. بناءً عليه، بات المطلوب بالدرجة الأولى فهم المرتكزات التي تتحرك في فلكها قوى «التحالف» وسحبها منهم، كـ «دعم الشرعية» و«دعم الانفصال» و«مواجهة القوات الانقلابية» و«مواجهة القاعدة وداعش»، جميعها ذرائع، تعطي قوى «التحالف» مشروعية لتوسعها وهيمنتها. يكمن الحل باستعادة القرار في تلك التحديات، وفصله عن القرار الخارجي، والسير ضمن تفاهماتٍ يمنية وطنية خاصة وجامعة، تعطي كل ذي حقٍّ حقه، ولا تشرعن التدخلات الخارجية، لا سيما وأن الأمور باتت أكثر وضوحاً من المرحلة السابقة، فلا «الشرعية» استطاعت فرض عودتها بقوة السعودية، ولا «الانفصال عن الشمال» تحقق بدعمٍ إماراتي، فقد بقيت الأولى ذريعة للرياض للتوسع شمالاً والسيطرة، وتحول المطلب الثاني بعد عشر سنواتٍ من النضال، وتأسيس «الحراك الجنوبي»، لمجرّد شعارات تستخدمها أبو ظبي لفرضِ هيمنةٍ طال انتظارها. يدخل الاستقلال عاماً جديداً، مخنوقاً بعبرَة الاحتلال والحصار والقتال الداخلي، ومحكوماً بالعِبرة من التجارب السابقة، في الوقت الذي يزداد المشهد اليمني سوءاً، تحت وطأة الاستنجاد بالخارج. ووفق التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بات لزاماً المطالبة باستقلالٍ آخرَ تتجاوز أهميته استقلال عام 1967، مع ازديادِ منسوبِ القهر والاستغلال والسرقة، الذي يمارسه «الاحتلال الجديد»، والتشرذم الذي أصاب المجتمع اليمني بقبائله وأحزابه وطوائفه. وعليه، يستحق النضال ضد المستعمر جولةً أخرى، ليدخل الاستقلال مرحلته التطبيقية، لا «التنظيرية». فهل المكونات السياسية اليمنية تستطيع تطبيق قوانين التاريخ بينها وبين الاحتلال، الذي يخفي أهدافه بقناعِ أهدافها؟ وبعد توغلها في ارتهان قرارها للخارج، الى أي حدٍّ بات الرجوع عن هذا الخطأ مهلكةً لتلك المكونات واندثاراً لها، بعد أن كان فضيلة؟ (العربي) 375 Share FacebookTwitterGoogle+ReddItWhatsAppPinterestEmail