كل ما يجري من حولك

لا بديل عن الحل السياسي

441

 

د.أحمد صالح النهمي

منذ ما قبل العدوان السعودي على اليمن كان مفكرو العالم وسياسيوه بما فيهم كثير من مفكري المملكة والخليج يصرحون في كتاباتهم الصحفية وأحاديثهم المتلفزة  أن حل المشكلة اليمنية لن يكون إلا سياسيا يستوعب الجميع، ولا يقصي أحدا، كما يستوعب المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي اليمني وطبيعة الخلافات بين الأطراف المختلفة .

وحدها المملكة ظلت تراهن على الحل العسكري كخيار وحيد لحل المشكلة اليمنية،  فسعت مع بعض مرتزقتها من الأحزاب اليمنية إلى إفشال الحل السياسي الذي كانت الأطراف اليمنية المختلفة قاب قوسين أو أدنى من استكماله في حوار مباشر ترعاه الأمم المتحدة عبر ممثلها السابق جمال بن عمر في فندق الموفنبيك بالعاصمة صنعاء.

لقد أعلنت المملكة الحرب على اليمن وباشرتها ـــ واليمنيون على طاولة الحوار ـــ منتهكة بذلك روابط الأخوة والدين والجوار، ومتجاوزة طبيعة الأزمة اليمنية، والقوانين الإنسانية والأعراف الدولية، في عدوانها السافر الذي  يعبر عن عقلية النفط الاستعلائية والتوحش الإنساني.

ومثلما سعت المملكة جاهدة بكل ثقلها إلى إحباط التقارب بين المكونات السياسية اليمنية والتوصل إلى حل سياسي في مؤتمر جنيف، تسعى اليوم بكل ثقلها أيضا إلى إفشال المساعي الأممية في التوصل إلى حل سياسي للمشكلة اليمنية مستغلة هيمنتها على  (هادي) ومن معه في التحكم بموقفهم من الموافقة على حضور مفاوضات مسقط ورفضها، فبعد أن رحب العالم بموافقتهم قبل انعقاد مجلس الأمن رفضوا الحضور والمشاركة بعد انعقاده في موقف متناقض يمليه عليهم الريموكنترول السعودي تبعا لمصالح المملكة وأحلامها في فرض الوصاية على اليمن، فلم يعد (هادي) للأسف سوى أداة تنفذ ما يُملى عليها، تماماً كما قال الشاعر :

خليفة في قفص    بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له     كما يقول الببغا

إن العدوان السعودي يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى حجم الفشل الذريع الذي يحاصر قوات تحالف الشر العدواني على اليمن بعد أن تلقت المملكة ضربات موجعة على حدودها الجنوبية وفي معاركها التي تقودها مباشرة مع بعض الدول الخليجية والمرتزقة في الداخل اليمني لا سيما بمارب ، ولذلك فإنه سيسعى إلى استثمار استلاب هادي وفريقه للمملكة في تعقيد نجاح المساعي الأممية في التوصل إلى حل سياسي بين المكونات اليمنية من جهة، ومن جهة أخرى سيعمل على فتح جبهات اقتتال داخلية بين اليمنيين وتغذيتها وتوسيع رقعتها تحت ذرائع مناطقية ومذهبية وتفريخ حواضن إرهابية تمكنه من الانتقال من مرحلة الحرب العسكرية المباشرة إلى مرحلة الحرب غير المباشرة من خلال إدارة الصراعات بين اليمنيين وتغذية استمرارها بما يكفل في النتيجة تحقيق هدفها في الوصول إلى وطن يمني هزيل تحكمه أطراف متصارعة يسهل معها فرض الوصاية عليه والتحكم في سيادته وثرواته وقراراته.

التحدي الكبير الذي يجب أن ينتصر فيه اليمنيون اليوم هو إطلاق مبادرات السلام الوطنية وتكوين جبهة يمنية محايدة تقودها نخبة من الكفاءات اليمنية المشهود لها بالنزاهة والوطنية والشجاعة ؛ ليكون مهمتها إيقاف نزيف الدم اليمني في سائر ربوع الوطن، وتجريم الاقتتال اليمني اليمني والعمل مع كل المخلصين على نزع فتيل الحروب الداخلية واحتواء تداعياتها وإتاحة الفرصة أمام القوى التي تماهت مع العدوان والإرهاب في المرحلة السابقة لمراجعة مواقفها وتصحيح أخطائها، فالوطن يتسع للجميع في ظل حقوق المواطنة المتساوية، وهو الأمر الذي سيفوت على العدوان تسويق بضاعته المذهبية والمناطقية ، ولن يبقى في صفوفه إلا حثالة من المرتزقة الذين سيلفظهم أبناء المجتمع بكل فئاته ومكوناته.

إن هذا التحدي يتطلب تقديم التنازلات من الجميع، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية وإشاعة أجواء العفو والتسامح وإطلاق الأسرى والمعتقلين، وتوحيد الجبهة الداخلية في وجه العدوان الخارجي .

You might also like