فورين بوليسي»: السر وراء استقبال قابوس لنتنياهو في قصره
قال ستيفن كوك في مقال له على موقع مجلة «فورين بوليسي»: إنه قبل أكثر من أسبوع أزاحت عمان قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي التي هزت العالم عن صدارة نشرات الأخبار لفترة وجيزة بواسطة شريط فيديو قادم من وكالة الأنباء الرسمية في عمان. أظهرت اللقطات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ضيافة السلطان قابوس بن سعيد في قصره في مسقط.
وأوضح كوك أن الاتصالات بين الإسرائيليين ودول الخليج الفارسي قائمة منذ زمن، وكان العمانيون «سباقين» بشكل خاص، كما يقولون في واشنطن، إذ قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين بزيارة إلى مسقط في أواخر عام 1994، عندما بدا أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ممكنًا. ومع ذلك طلب العمانيون أن يبقى الاجتماع سرًا حتى نهايته. وقد استضاف شمعون بيريز، الذي خلف رابين، وزير الخارجية العماني في القدس عام 1995، وتبادل البلدان افتتاح مكاتب تجارية في عام 1996 قبيل إغلاقها بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000.
لكن زيارة نتنياهو مختلفة – يشير كوك – لأنه لا توجد عملية سلام، بل وأشار السلطان إلى أنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهذا يتجاوز بشدة حجم العلاقات بين إسرائيل والدول العربية الأخرى التي زاد في السنوات الأخيرة وسط تلاقي المصالح فيما يتعلق بإيران والتطرف الإسلامي. لقد كان المسؤولون السعوديون المتقاعدون مستعدين للجلوس مع نظرائهم الإسرائيليين المتقاعدين، وتستضيف الإمارات ما هو أساسًا منفذًا دبلوماسيًا إسرائيليًا في أبوظبي تحت غطاء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهناك أنباء متناثرة عن اجتماعات منتظمة بين رؤساء الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية والأردنية والخليجية. ومع ذلك لم يذهب أي زعيم في الخليج إلى حدود ما فعله قابوس بالاجتماع علانية مع نتنياهو.
سياسة خارجية هادئة
غالبًا ما لعب قابوس دور الوسيط الهادئ في المشكلات الإقليمية وحامل الرسائل بين أولئك الذين لا يستطيعون – أو يفضلون – عدم التحدث إلى بعضهم البعض، ينوه كوك. فمعظم المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاقية النووية لعام 2015 تم إجراؤها من خلال قناة عمانية. وعلى مدار العام الماضي، كانت هناك تكهنات أيضًا بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى لاستخدام مساعي مسقط في طهران للمساعدة في إنهاء النزاع المدمر في اليمن. وهكذا، كثرت التكهنات بأن زيارة نتنياهو إلى مسقط ناقشت إما الملف الفلسطيني أو الإيراني أو كلاهما. لكن ذلك لم يكن الهدف من الزيارة، على الأقل بالنسبة للعمانيين.
كان إسماعيل صبري عبد الله، وزير التخطيط في عهد الرئيس المصري السابق أنور السادات، قد برر بشكل فاضح المنطق وراء تواصل المصريين مع إسرائيل في أواخر السبعينات، قائلًا: «إذا أردنا علاقة جيدة مع واشنطن، فعلينا أن نمضي الليل في تل أبيب». كان عبد الله، وهو يساري ومعادٍ للصهيونية، إما يعكس وجهة نظر فظيعة ومعادية للسامية مفادها أن اليهود يتحكمون في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أو أنه بسبب العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كان المصريون يستفيدون من التوصل إلى اتفاق مع الإسرائيليين. ثمة منطق مشابه يقف خلف زيارة الزعيم الإسرائيلي إلى مسقط – يكشف كوك – فعلى الرغم من أن عمان كانت محاورًا موثوقًا به في الماضي، إلا أن هناك ضغوطًا سياسية ودبلوماسية جديدة على البلاد قد تؤدي زيارة من جانب الإسرائيليين إلى التخفيف منها.
الغموض يحيط بخليفة قابوس
تدهورت صحة السلطان قابوس «77 عامًا» الذي استولى على السلطة في انقلاب مدعوم من بريطانيا عام 1970 – ينوه كوك. ويقال إنه يعاني من مرض السرطان، وبدا واهنًا إلى حد كبير إلى جانب نتنياهو القوي. يعلم الجميع أنه نهايته دنت، وليس له وريث محدد. سيحتاج القائد الجديد لعُمان – أيا كان – إلى دعم سياسي ودبلوماسي من الولايات المتحدة عندما يموت قابوس لتعزيز استقرار البلاد في لحظة حرجة. في ظل الظروف العادية، سيأتي الدعم، لكن نظرًا للصراعات الإقليمية، فلا توجد ضمانات. إن دور عُمان في المنطقة كمحاور ووسيط متقن للصفقات يجعل مسقط مهمةً إلى أبعد من حجمها ومواردها، لكنها أيضًا ضعيفة. تعمل مسقط كوسيط في أزمة اليمن. وإذا لم يستطع السلطان أو خليفته الحفاظ على التوازن بين هذه الدول، فإن عمان قد تتورط في نزاعات سعت قيادتها إلى تجنبها.
الزيارة اتسمت بالدفء الشديد ويبدو أن هناك ضغوطًا على مسقط لتحديد حلفائها. فلأن العمانيين لم ينضموا إلى السعودية والإمارات في اليمن، إلى جانب علاقاتهم مع إيران، أثار المحللون تساؤلات حول ما إذا كانت مسقط هي عامل تمكين لسلوك طهران السيئ بدلًا عن كونها وسيطًا محايدًا. هناك اتهامات بأن عمان غضت الطرف عن الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن بتهريب الأسلحة عبر الأراضي العمانية. إذا كان هذا صحيحًا، فقد يتورط العمانيون في المشاكل. وفي وجود إدارة ترامب التي تتخذ موقفًا عدائيًا شديدًا اتجاه طهران، فقد تنقلب واشنطن على مسقط. لقد قرر الرؤساء السابقون أنه مهما بلغت تجاوزات عُمان، فإن الحفاظ على «قناة عمانية» كان مهمًا لصانعي السياسات. ولكن يبدو أن ترامب لا يوافق على ذلك.
التزام الحياد من الأزمة الخليجية
إضافة إلى ذلك – يواصل كوك حديثه – فإن عدم مساندة حصار قطر، وضع عمان في موقف صعب مع الجيران، لا سيما السعودية. وحتى مع صمود القطريين منذ بدء الحصار الذي قادته السعودية في يونيو (حزيران) 2017، فإنهم يظلون قلقين بشأن سيادتهم نظرًا لتهور القيادة السعودية الحالية. فعلى خلاف قطر، تمتلك عمان موارد أقل بكثير ولا تستضيف واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة.
فأي طريقة أفضل للتخفيف من هذه الضغوط المتزايدة أكثر من استضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ يدرك قابوس بوضوح خصوصية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مثلما أدركها إسماعيل صبري عبد الله. ويقدر مؤيدو إسرائيل في الولايات المتحدة بشدة تودد مسقط مع القدس نظرًا للأهمية التي تعلقها إسرائيل على توسيع دائرة السلام، وهو إنجاز دبلوماسي، حيث إن احتمالات السلام مع الفلسطينيين واهية.
يتوقع العمانيون رد الجميل من جانب الإسرائيليين في واشنطن إذا أصبحت الأمور صعبةً على مسقط – يقول كوك. كما أن الإسرائيليين دافعوا سرًا عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بينما تتصارع إدارة ترامب مع تداعيات وفاة خاشقجي.
إن وجود علاقات لبلد ما مع الإسرائيليين لا يعني بالضرورة أنها ستكون مفيدة في واشنطن؛ فقد اشتكى رئيس المخابرات المصرية الراحل عمر سليمان بمرارة من حملة إسرائيل العلنية حول أنفاق التهريب في غزة، لكنها ظلت علاقات مفيدة. وبدون الموارد التي أنفقها جيرانه بسخاء «وبشكل غير فعال» على الاستشاريين وجماعات الضغط، فقد كسب قابوس لنفسه ما يكفي من النوايا الحسنة دون إهدار سنت واحد