كل ما يجري من حولك

صورة اليمن بكل ما أوتيت من صبر

588

متابعات:

هو زمن الصورة. والصورة توثيق للّحظة. باليمنيّ، الصورة توثيق للزمن بكلّ ما يحوي. والطفل الذي حوى وجوهنا بكل ما مرّ عليها من مآسي، بدا اختصارًا لحكاية البلاد العزيزة التي تقاوم العدوان بكل ما اوتي احرارها من صبر وجلد، ومن عزة أنفس.

بعيدًا عن التعاطف الذي يأتي مسيئًا ان لم يرتبط بموقف واضح من كل ما يجري على اليمن.. بعيدا عن حدّة المشهد الذي طفل بعينين تحدّقان في حيرتنا، وتكاد تواسي قهرنا العاجز، لولا التعب.. عبرت الصورة مواقع التواصل الاجتماعي كرسالة تحاكم الكون كلّه وكل القلوب التي عجزت عن قول الحق في وجه عدوان جائر، وحصار جبان. استقرت نسخة منها في وجوه أطفالنا، وفي أرواحنا.

لمن لا يعرف، لمن يدّعي حرصًا على الطفولة ويدعو لتحييد الأطفال عن صراعات الكبار، لمن يرفع شعار حماية الأطفال ويقيم الدنيا ويقعدها دفاعًا عن ما يسمّيه حقوق الطفل.. لمن يحرص على موقف محايد من العدوان على اليمن، ولمن يبحث عن مبررات للعدوان.

هل لمحت صور أطفال اليمن؟ هل مرّت بك تلك الحكايات التي من أشلاء طفل كان قبل القصف يحبو ويرفرف في عيون والديه؟ هل مررت على باص المدرسة الذي تحول إلى هدف لطائرات معادية معتدية، فأخذ ما فيه من أطفال نحو الموت جثثًا بلا معالم؟ وبعد.. لم يكتفِ العدو السعودي الأميركي بقصف مستشفيات ومدارس وباصات وبيوت اليمن.. فكان الحصار عدوانًا موازيًا، يسلب اليمنيين ابسط مقومات الحياة: الماء والدواء.. حصار طاول كل شيء. حرفيًا كل شيء!

 

في زمن الصورة التي تواجهنا بكل ما فيها من هول المصاب، التي تضعنا أمام حقيقة الحياة التي تقاوم، تسقط الأراء.. تسقط وجهات النظر..فلا وجع يضاهي نظرة وثّقتها الصورة لطفل لا يدرك أن جلده الملتصق بعظامه سيجف تدريجيًا ويذوي.. لا يعرف أن عينيه الجاحظتين من عطش وجوع وألم، ستنغلقان بين لحظة وأخرى. ولا يعرف أن فمه كان سيبدو ورديًا لو كان في هذا العالم قليل من العدل، ومن الضمير.

دعنا من الشعارات.. كل أب شاهد تلك الصورة ولم يتحسس وجه أطفاله ليس أبًا.. كل أم لم تذرف قلبها دمعًا أمام صرخة اختنقت خلف الصورة، ليست أمًّا بالمعنى الذي نعرفه للأم.. كل عين رأت ذاك الوجع الغاضب الحائر ولم تلعن آل سعود هي عين لا تستحق نعمة البصر.. كل فرد عرف بالحكاية وما قال نبضه “أنا في اليمن حوثيّ مقاوم” ولو بكلمة حق، تسقط عنه صفة الانسان.بنيّ.. تحسست خدّيك في وجه ابني.. وكأمّك يأكلني العجز اللئيم عن مدّ عينيك بقطرة أمان.. وكأمّك وددت لو اعتصر روحي قطرة ماء تبرّد حرّ الوجع فيك.. يا صغيري الجميل، يا ذا العيون المقاوِمة، كيف لنا أن نختبأ من تلك النظرة، كيف لنا جميعًا أن نبرّر يومًا ما اقترفه الغدر في أيامك، وأيامنا.

 

(ليلى عماشا – كاتبة لبنانية)

You might also like