النظام السعودي: من إغتيال الرئيس الحمدي إلى إغتيال شعب الحمدي
متابعات:
من يعود الى تفاصيل يوميات الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي يجد ان معظم المشاريع التنموية من مؤسسات ومصانع وطرقات ومبانٍ وحدائق وميادين وشوارع وفنادق وبنوك وصناديق ومراكز بحوث ومشافي تعود الى فترته فقد استشهد وهناك المئات من المشاريع قيد الانشاء والعمل فيها جارٍ ليأتي من بعده من ينسبها لنفسه ويعمل على طمس كل ما يدل على تاريخ التأسيس او من وضع حجر الأساس.
لقد شهدت اليمن ثلاث سنوات مجيدة عنوانها العمل والبناء ومحاربة الفساد وتكريس قيم النزاهة واحترام النظام والقانون واعلاء هيبة الدولة وترسخت مفاهيم الوطنية النقية والقيم الاصيلة قبل ان تفسد تلك القيم المنظومة الحاكمة بعد استشهاد الحمدي.
عند العودة الى الأرشيف وجدنا ان عدد المشاريع التي افتتحها الرئيس إبراهيم الحمدي أو أفتتحت في عهده لا يمكن حصرها إضافة الى المشاريع التي تركها الشهيد وهي قيد الانشاء كسد مأرب واستكشاف النفط والكثير من المباني الحكومية والمراكز ومن يطالع ارقام الموازنة المالية للدولة في آخر أشهر الحكم الرشيد يتأكد ان اليمن كانت تعيش مرحلة استثنائية تمكنت خلالها من القفز خطوات عدة نحو البناء والتنمية والاقتصاد وتحسنت الأوضاع المعيشية الى درجة ان صحف غربية توقعت ان تودع اليمن حالة الفقر وتصبح من الدول الغنية.
شهدت مرحلة السبعينات الكثير من الاحداث في ظل صراع عربي صهيوني استمر حتى مرحلة ما بعد انتصار أكتوبر 1973م كان لليمن دور في ذلك الانتصار من خلال اغلاق مضيق باب المندب لتسارع تل ابيب بعد انتهاء الحرب إلى العودة العسكرية الى منطقة جنوب البحر الأحمر بحجة تأمين انتقال السفن الإسرائيلية إضافة الى العلاقة التي كانت مع اثيوبيا والتي ساهمت في إيجاد موطئ قدم للكيان الصهيوني بالقرب من باب المندب ليتسع ذلك النشاط مهدداً مصالح الدول العربية وعلى رأسها اليمن التي كانت ترى ضرورة مواجهة ذلك الخطر وتلك الاطماع التي افصح عنها عدد من القادة الإسرائيليين منهم قائد القوات البحرية الذي هدد باحتلال باب المندب.
وأمام تلك الاحداث والتحولات قرر الرئيس إبراهيم الحمدي اجراء اتصالات مكثفة مع الرئيس سالم ربيع علي وتم الاتصال مع عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر وذلك لمواجهة هذا الخطر فكان مؤتمر تعز الرباعي الذي عقد في مارس 1977م بمشاركة زعماء دولتي السودان والصومال إضافة الى زعيمي شطري اليمن.. وفي ظل أجواء المؤتمر أعاد الاعلام التذكير بقضية الجاسوس الإسرائيلي الخطير الذي تمكنت الأجهزة اليمنية من القاء القبض عليه وسلمته للأجهزة المصرية التي استفادت منه باعتباره من الشخصيات الأمنية المهمة وهو ما يفسر مطالبة وزير الخارجية الامريكية كيسنجر بتسليمه والافراج عنه اثناء مفاوضات تبادل الاسرى مع مصر بعد حرب أكتوبر إضافة الى قضية الجزر اليمنية التي أصبحت تحت دائرة الخطر..
لقد كان الرئيس الشهيد الحمدي يشعر أن اليمن بحاجة الى تشكيل جبهة متضامنة تضم كافة الدول المطلة على البحر الأحمر إلا ان عدداً من الدول لم تستجب للتحركات اليمنية في وقت استجابت لها السودان والصومال بينما كانت جيبوتي في تلك الفترة تحت الاحتلال الفرنسي ولهذا نجد ان اليمن وقتها لعب دوراً مهماً في استقلال جيبوتي فقد تضمن بيان مؤتمر تعز مطالبة فرنسا بضرورة منح الشعب الجيبوتي حقه في الاستقلال وضمان أمن جيبوتي باعتباره جزءاً من امن البحر الأحمر وطالب المؤتمر ان يكون البحر الأحمر منطقة سلام ووئام وان يتم منح الساحل الصومالي الاستقلال وان استغلال ثروات البحر الأحمر لصالح الدول المطلة عليه..
الرئيس الحمدي أكد في كلمته الافتتاحية للجلسة الأولى للقادة المشاركين بالمؤتمر على أهمية المؤتمر على المستوى العربي والدولي وقال: اننا كدول مطلة على البحر الأحمر مسؤولة عنه بحكم حقنا في السيادة الوطنية على مياهنا الإقليمية.. وقال: قد حققنا لأمننا ونضالنا العربي انتصاراً يضاف الى انتصاراتها إذ ان هذا اللقاء يعتبر فريداً من نوعه عملياً واستراتيجياً.
وعلى ما يبدو ان الحمدي كان يشعر بردة الفعل المتوقعة من قبل قوى إقليمية ودولية على التحرك اليمني ولهذا نجده في خطابه يؤكد على ان هذا التحرك ليس ضد احد حيث قال: ان هذا اللقاء ليس مظاهرة ضد احد ولا أرى فيه خروجاً على حقنا المشروع كأخوة اشقاء ان نلتقي لنتدارس أمورنا وقضايانا صغيرة او كبيرة وخصوصاً ما يتعلق بالتعاون المشترك على ما فيه حماية سيادتنا على أراضينا ومياهنا الإقليمية في حوض البحر الأحمر.
وأضاف أن هناك من يحاولون زج الدول المطلة على البحر الأحمر في حلبة الصراع الدولي وذلك بتركيزهم المستمر اخيراً على استراتيجية هذا البحر وكأنهم بذلك يوجهون الدعوة لنا لنحضر محافل الشر والدمار ولذا تقع علينا اليوم مسؤولية عظيمة جداً هي الخروج بأوطاننا من شباك الصراع الدولي إذ ان الدخول فيه يعني التوريط والمجازفة والمخاطرة بالمصالح الوطنية العليا لأوطاننا وشعوبنا الى جانب الاحتمالات المخيفة الأخرى..
وقال الرئيس الشهيد الحمدي: اننا بحاجة الى مساندة الاشقاء العرب انطلاقاً من مبدأ وحدة النضال العربي ضد الصهيونية وقوى الغزو الأجنبي واختتم حديثه بالتأكيد على اننا دعاة سلم وحق وعدل وان مؤتمر تعز يخدم الامن والسلام في العالم وقال: لابد ان يتأكد الجميع من اننا لن نكون ابداً أداة صراع ومخالب غدر.
الرئيس سالم ربيع علي قال في تصريح صحافي: يعلم الجميع ان اليمن شمالاً وجنوباً يحتل موقعاً استراتيجياً مما جعله باستمرار عرضة للأطماع الامبريالية والاستعمار على مر الزمن وقد اثبت الشعب اليمني قدرته على حماية ارضه والحفاظ على سيادته عليها الامر الذي كلفه التضحيات الكبيرة طول تاريخه النضالي.. ومما يجب تأكيده وفي ظل التطاولات الامبريالية والصهيونية ان الشعب اليمني يملك القدرة والاستعداد على مواصلة النضال في سبيل حريته وسلامة وامن بلاده وادراكاً من أن امن وسلامة أراضينا مرتبط بعوامل عدة لأمن واستقرار المنطقة العربية والمحيطة فإننا سنولى اهتماماً متزايداً للتعاون مع البلدان العربية والمحيطة وموقع بلدنا الهام أكسبها مكانة خاصة وبذلك فإنه ينبغي ان يكون لليمن اسهام اساسي في إيجاد حالة السلم والاستقرار في منطقة البحر الأحمر.
وأضاف سالمين: ان اللقاء في تعز خطوة على طريق وضع الأسس التي تكفل مساهمة كل البلدان المطلة على البحر الأحمر ليكون منطقة محصنة لا تطالها ايدي الصهيونية والاستعمار بعد اللقاء قال الحمدي ان المؤتمر نجح بنسبة 100% وان وجهات النظر متطابقة
وقد صدر البيان عن المؤتمر في تاريخ 22مارس وتطرق لأهم نتائجه حيث تم الاتفاق على تحرك مشترك وتناول الرؤساء الوضع في البحر الأحمر واتفقوا على ضرورة ان يظل منطقة سلام ووئام وان تعمل الدول المطلة على تحقيق هذا الهدف وان تعمل الدول المطلة على استغلال ثروات البحر الأحمر لما فيه خير شعوبها وتقرر تشكيل لجنة فنية مشتركة لاجراء الاتصالات الضرورية مع الدول المطلة من اجل عقد لقاء موسع يضم كافة الدول المطلة على البحر الأحمر..مؤتمر تعز أثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية وقيل وقتها أن نجاح مؤتمر تعز يعتبر انتصارا كبيرا تحرزه السياسة اليمنية الشابة فيما قال الرئيس السوداني جعفر نميري أتوقع ان تشهد الأسابيع القادمة ثمار ما توصلنا اليه في لقائنا وما هي إلا اشهر وحصلت جيبوتي على الاستقلال وقام الرئيس حسن جوليد بزيارة صنعاء مقدماً الشكر للرئيس الحمدي على ما بذلته اليمن من جهد سياسي ودبلوماسي من اجل نيل الشعب الجيبوتي الاستقلال.
يذكر ان اهتمام القيادة اليمنية بالبحر لم يقتصر على مؤتمر تعز بل شاركت اليمن في مؤتمر بيئة البحر الأحمر واهتمت بدراسة علوم البحار والتشريعات المتعلقة بالملاحة والحدود البحرية وكذلك الثروة البحرية.
شهد العام 1977م حراكاً وطنياً مهماً قاده الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي واخوه الرئيس الشهيد سالم ربيع علي بعد ان تمكن الزعيمان من الانتقال بالعلاقة بين الشطرين من مرحلة التوتر والخلافات الى مرحلة العلاقات الودية والخطوات الوحدوية والتنسيق المشترك في الموقف من مختلف القضايا وصولاً الى البدء بصياغة مشاريع وحدوية حقيقية.
لم يأت العام 1977م إلا وقد تم تفعيل الاتصال والتنسيق بين قيادتي الشطرين وتم تشكيل لجان متعددة المهام وفي مجالات مختلفة وسط إرادة حقيقية لكلٍ من الحمدي وسالمين في بناء الطريق الذي يقود الى الوحدة وهو ما يمكن استنتاجه من حديث صحافي للرئيس الحمدي في يناير 1977م والذي أكد فيه على ضرورة تحقيق الوحدة وبخطوات مدروسة وكشف الحمدي عن اتفاقه مع سالمين على البدء في توحيد كتاب التاريخ وتشكيل لجنة مشتركة بحيث يتم توحيد كتاب التاريخ الذي سوف يدرس في كافة المراحل في الشمال والجنوب.
في العام 1977م كان اللقاء الأول في منتصف شهر فبراير في منطقة قعطبة فقد عقد الزعيمان جلسات مباحثات ولقاءات مكثفة توجت بالاتفاق على تشكيل مجلس يضم الرئيسين ومسؤولي الدفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية وعلى ان يجتمع كل ستة اشهر بالتناوب إضافة الى تشكيل لجان أخرى.
اللقاء الثاني كان في 14 أغسطس 1977م في صنعاء حيث قام رئيس مجلس الرئاسة بالشطر الجنوبي بزيارة هي الأولى للعاصمة صنعاء وكان في استقباله قيادة الشطر الشمالي برئاسة رئيس مجلس القيادة إبراهيم الحمدي وعدد كبير من المسؤولين والقيادات العسكرية والأمنية والمدنية إضافة الى الجماهير التي توافدت الى مطار صنعاء واصطفت على جانبي الطريق لتحية الزعيمين الحمدي وسالمين وهتفت بضرورة الإسراع في تحقيق الوحدة.
سالم ربيع علي بعد وصوله مطار صنعاء ادلى بتصريح لوسائل الإعلام اكد فيه ان الاتصالات بين الاشقاء كانت ولا زالت لها أهميتها الحيوية في ترسيخ الاخوة وإيجاد المقدمات لإعادة توحيد الوطن على أسس متينة وراسخة وقال ان هذه الوحدة ستوجد الرخاء والتقدم للشعب اليمني وعقدت في صنعاء عدة لقاءات منها في مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة وقام سالمين والحمدي بعقد لقاء في منتزه حدة وحفل جدول سالمين بالعديد من الزيارات والفعاليات منها حضور مأدبة غداء أقيمت على شرفه وكذلك زيارة مبنى التلفزيون وحضور حفل فني ساهر. وقبل مغادرة سالمين مطار صنعاء في 16اغسطس قال ان الزيارة حققت أهدافها في توطيد وتعميق ما تم الوصول اليه من أسس وعوامل لقاء شعبنا اليمني الواحد على طريق إعادة وحدته.
كان من ضمن الاتفاق أن يكون اللقاء القادم للزعيمين في عدن وعلى هذا جرى التنسيق والاستعداد ضمن جهود مبذولة لتنفيذ نتائج لقاء قعطبة وكذلك زيارة سالمين الى صنعاء وهو ما جعل التواصل بين الشطرين بشكل شبه يومي.
التقارب بين الشطرين والذي بلغ درجة تبادل الزيارات على اعلى المستويات والحديث المعلن عن خطوات وحدوية أثار غضب القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها النظام السعودي الذي عمل على تنفيذ استراتيجيته المتمثلة في إضعاف الشمال والجنوب كما ورد في احدى الوثائق ولن يتحقق ذلك دون اشعال الصراع بين الشطرين وتأجيج الفتنة والاقتتال من خلال تحريض كل شطر على الآخر ودفع الأدوات العميلة في الشطرين الى الدفع بالأوضاع نحو التأزم والخلاف وهو ما حدث قبل وصول الحمدي الى السلطة وحدث كذلك بعد استشهاده, أما ان تكون العلاقات طبيعية فهذا ما لا ترضاه المملكة ولا تريده بل إنها ستعمل على تحريك كافة اوراقها لإفشال أي تحرك يقود الشطرين الى الالتقاء فماذا لو حدث ما هو ابعد من ذلك وهو الوحدة؟! فذلك بالتأكيد سيكون تجاوزاً للخط الأحمر.
ما يجدر ذكره هنا ان العلاقة بين الشطرين في تلك الفترة شهدت مرحلة من الوئام والود والتوافق وكان هناك تنسيق في مختلف المجالات وتوقفت وبشكل نهائي الاشتباكات الحدودية واعمال الفوضى والتخريب في تلك المناطق والتي كانت تمتد الى المناطق الوسطى.
الحمدي تحدث قبل استشهاده بـ15 يوماً أن هناك خطوات مهمة نحو الوحدة منها على سبيل المثال توحيد المنهج الدراسي وتحديداً كتاب التاريخ بحسب الاتفاق مع سالمين وقد اصبح الكتاب تحت الطباعة.
وفي تلك الفترة بدأ الحمدي في الإعداد لزيارة عدن للمشاركة في احتفالات الشطر الجنوبي بذكرى ثورة 14أكتوبر إضافة الى الاتفاق على خطوات جديدة نحو الوحدة منها كما تتحدث مصادر تاريخية توحيد النشيد الوطني والعلم والسفارات في الخارج.
وضع المخططون لجريمة اغتيال الحمدي عدة سيناريوهات للتخلص من الرئيس فيجب ان يتم التخلص منه قبل مغادرته الى عدن صباح الـ 12من أكتوبر 1977م .
وبحسب ما يتم تداوله فقد كان من ضمن سيناريوهات اغتيال الحمدي اطلاق النار عليه عن طريق قناصة محترفين تدربوا في دولة يقال عنها شقيقه.
وسيناريو آخر بقصف منزل الرئيس الحمدي او بمأدبة الغداء الشهيرة فإذا فشلت كل هذه المحاولات يتم إطلاق النار على الطائرة التي كانت ستقل الرئيس الى عدن فإن نجت يتم اعتراضها بالجو من قبل طيران معادي واسقاطها فوراً.
الإطاحة بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي بانقلاب دموي كان ضمن خيارات الانقلابيين الذين فضلوا هذا الخيار واختاروه لأنفسهم في حين كان لديهم خيار الإطاحة بالرئيس وازاحته عن السلطة دون التعرض له او تصفيته جسدياً غير ان خشيتهم من استمرار الحمدي حياً يرزق ولو كان بعيداً عن السلطة دفعهم الى ارتكاب الجريمة البشعة والخشية من الحمدي حياً نتيجة لما حققه الرجل من إنجازات وارتباطه المستمر بالشعب الذي احبه وبحبه وتأييده اختصر المسافات لتحقيق نسبة كبيرة من الإنجاز التأسيسي للدولة اليمنية في غضون سنوات ثلاث ترافق معها أنموذج النزاهة والإخلاص والعمل بمسؤولية والاقتراب اكثر من البسطاء.
كل ذلك جعل الحمدي في نظر القتلة شبحاً يلاحقهم وكابوساً يطاردهم فقرروا تصفيته إن لم يكن قرار التصفية الجسدية قد اتخذ بالفعل في قصور أمراء النفط وما على الأدوات المحلية سوى الانصياع وتنفيذ أوامر الملحق السامي.
وبالتأكيد ان القتلة قبل اقدامهم على فعلتهم الشنيعة والمخزية تداولوا الحديث حول وسائل التخلص من الحمدي فقادهم الشيطان الى وسيلة القتل كما قادهم الى قرار الإطاحة برئيس اثبت للشعب انه عند مستوى المسؤولية فلو غادر مثل هذا الرئيس السلطة سرعان ما سيعيده الشعب ويطالبه بالعودة اليها للاستمرار في مسيرة النضال والبناء ولو ارغمه الانقلابيون على اعلان بيان التنحي لقرر الشعب اعادته جبراً ولو فرضت عليه الإقامة الجبرية لقرر الشعب تحريره ورفع القيود عنه واعاده الى حيث يجب ان يكون ولو اتهمه الانقلابيون بالفساد لما صدقهم أحد وإذا تم نفيه للخارج لأعتصم الشعب في الساحات والميادين مطالباً بعودة الرئيس المنفي.
بعد كل هذا فإن قرار الإطاحة بالحمدي في تفكير القتلة يجب أن تضمن قطع آمال العودة وفرص النجاة وكل ذلك لن يتحقق إلا بالتصفية وهو ما تمكن القتلة من تحقيقه بعد ظهر الثلاثاء الموافق 11اكتوبر 1977م .
الملحق العسكري السعودي صالح الهديان يُشرف على الانقلاب الدموي
معظم اليمنيين يعرفون من هو صالح الهديان ! الملحق العسكري السعودي بصنعاء والذي تولى الاشراف الفعلي على تصفية الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وشقيقه قائد قوات العمالقة عبدالله الحمدي. وكان الهديان يتصرف في صنعاء وكأنه الحاكم العسكري لليمن فيتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويملي على أجهزة الدولة ما يريده من قرارات واوامر باعتباره ممثلاً للنظام السعودي الذي يرى ان اليمن مجرد تابع وتحت الوصاية والهيمنة.
في عهد الشهيد الحمدي أقتصر نفوذ الهديان على مجموعة العملاء التابعين للنظام السعودي داخل الجيش ومنهم قادة عسكريون مقربون من الرئيس الحمدي الذي اتجه نحو بسط نفوذ الدولة وتحقيق سلطة القانون على الجميع وهو ما أدى الى تضييق الخناق على تحركات السفير السعودي ومعه الملحق العسكري.
وتورط مملكة الشر بدم الرئيس الحمدي أمر لا يحتاج الى دليل إثبات أو تأكيد فقد ورد اسم الملحق العسكري السعودي وكذلك النظام السعودي في الكثير من التقارير الإعلامية وكذلك تقارير السفارات ومراسلات لم يُكشف عنها بعد وجميعها تؤكد أن النظام السعودي وراء اغتيال الرئيس الحمدي وتصفيته بتلك الطريقة البشعة والمروعة مع شقيقه إضافة الى اختفاء عدد من المحسوبين عليه من قيادات الدولة في نفس يوم الاغتيال ناهيك عن الاخفاء القسري الذي طال العشرات من المثقفين والسياسيين والناشطين الذين لم يكشف عن مصيرهم حتى اللحظة فقد كانت قيادات عسكرية وأمنية في الأجهزة الحكومية اليمنية تعمل لصالح النظام السعودي الذي رغب في تصفية كافة المعارضين للدور السعودي في الشطر الشمالي.
أما عن أسباب الإصرار السعودي على التخلص من الرئيس الحمدي فالاسباب متعددة ابرزها توجه الحمدي نحو استقلال القرار الوطني والاستمرار في عملية البناء بعيداً عن الشروط السعودية ناهيك عن ملف الحدود الذي رفض الحمدي تقديم أية تنازلات فيه وكذلك ملف النفط الذي عمل الحمدي على استقدام الشركات الأجنبية للاستكشاف في الكثير من القطاعات والمناطق وعلاوة على ذلك قيامه بتمتين العلاقة مع الشطر الجنوبي وموقفه من أمن البحر الأحمر والدور الذي بدأت تأخذه اليمن على المستوى الإقليمي والعربي.
لقد اصبح الرئيس الحمدي في نظر النظام السعودي متمرداً يستحق العقاب رغم انه ظل حريصاً على التعامل مع هذا النظام بما يحفظ العلاقة بين البلدين والشعبين ولهذا كانت مطالب الحمدي تقتصر على إيقاف السعودية دعم المخربين والمشايخ الذين وقفوا ضد بناء الدولة وكذلك عدم التدخل في الشأن الداخلي لليمن وبما يؤدي الى إيقاف عجلة التنمية والتأثير على عملية البناء.
أحدى وثائق السفارة الامريكية تؤكد ان الحمدي حاول توسيط الرئيس السوداني جعفر نميري لدى السعودية وهو ما يؤكد ان الشهيد الحمدي كان حريصاً على استمرار العلاقة بل لم يكن في مخيلته بل ولا في مخيلة اليمنيين كافة ان يصل الامر بهذا النظام الى الاقدام على جريمة التصفية والاغتيال وهي الجريمة التي لم تستهدف الحمدي كشخص وكرئيس بقدر ما استهدفت اليمن المشروع والنهضة والتقدم والمستقبل.
وبعد ان قررت المخابرات السعودية بالتعاون مع مخابرات دولية التخلص من الرئيس الحمدي كان هناك عدة سيناريوهات لاغتيال الحمدي من ضمنها ايكال المهمة للأدوات المحلية وتحديداً للقادة العسكريين التابعين للسعودية والذين كانوا للأسف الشديد من المقربين من الحمدي وقد تمكنت السعودية وكذلك مخابرات دولية من استقطابهم فكانوا يعملون على تزويد النظام السعودي بالمعلومات المطلوبة عن الحمدي وماذا يقول في الاجتماعات المغلقة سيما مع القيادات العسكرية..وتم إصدار الأوامر بالإسراع في تنفيذ عملية الاغتيال وذلك قبل موعد الزيارة المرتقبة للحمدي الى عدن والتي كانت مقررة ظهر الأربعاء الموافق الـ12 من أكتوبر 1977م.
كان الحمدي قد عاد من زيارة عدد من المحافظات وبدأ في الاعداد للزيارة المرتقبة الى عدن في الوقت الذي كثف عملاء السعودية من تحركاتهم لتنفيذ العملية هذا وكان وفد عسكري سعودي قد وصل صنعاء بعد العملية بثلاثة أيام وفي مثل هذه الاحداث وهذه الظروف يعمل النظام السعودي على استخدام المال لضمان الموقف وهو ما حدث في تلك الفترة وتكرر- أيضاً- بعد ذلك.
النظام السعودي: من اغتيال الحمدي إلى اغتيال شعب الحمدي
تثير تفاصيل جريمة اغتيال الرئيس الحمدي اهتمام الكثير من اليمنيين الذين بالتأكيد تداولوا روايات وتناقلوا تفاصيل الجريمة المروعة من مرحلة التخطيط لها حتى التنفيذ ومحاولة التشويه والتغطية عليها ونسبة كبيرة من مما يتم تداوله شعبياً صحيح غير أن هناك تفاصيل وملابسات لا تزال غير معروفة.
وهنا نتطرق الى ما يكاد يكون اجماعاً وتتفق عليه مختلف الروايات فالنقطة الأولى تتعلق بالجهة التي قررت اتخاذ قرار الإطاحة بالرئيس إبراهيم الحمدي وهو النظام السعودي فلا يختلف اثنان في ذلك فحتى من وجهت لهم أصابع الاتهام بالمشاركة في تنفيذ الجريمة أفصحوا عن وقوف السعودية وراء الجريمة والكثير من القادة العسكريين والسياسيين والمشايخ وغيرهم أشاروا الى السعودية كجهة متورطة في اغتيال الرئيس الحمدي.
ويكاد لا يخلو مقال او تحليل او حتى قراءة عن تلك المرحلة دون الإشارة الى المؤامرة السعودية ضد الرئيس الحمدي والوقوف وراء مقتله بما في ذلك صحف ومجلات صدرت في تلك الفترة وأشارت تلميحاً الى وقوف النظام السعودي وراء الجريمة.
والنظام السعودي في تلك الفترة وفي غيرها من الفترات كان ولا يزال ينصب نفسه وصياً على اليمن ويرى الى انه من يفترض به إدارة القرار اليمني والتحكم به سواء لصالحه او لصالح قوى دولية متحالفة معه يعمل لصالحها ولهذا فقد كان العدوان السعودي على اليمن في 11اكتوبر 1977م يتمثل في اغتيال رئيس الدولة اليمنية وشقيقه وبالتالي اغتيال المشروع النهضوي الذي دشنه الحمدي واستمر فيه حتى استشهاده.
وعن علاقة السعودية باغتيال الرئيس الحمدي يواصل شقيق الحمدي بقوله: أقول للتاريخ وللحقيقة انه في يوم الجمعة قبل مقتل ابراهيم بأربعة ايام – لأنه قتل يوم الثلاثاء- كنا انا وهو في المنزل بثلاء فقال لي: في مؤامرة علينا من السعودية لكننا لسنا عارفين من رأس المؤامرة لم يكن يعرف ان صاحبه احمد الغشمي رأس المؤامرة وأضاف قائلا: أنا لست عارفا لماذا السعوديون – يعني السلطة – يريدون ان يتخلصوا مني وانا في قرارة نفسي، أفضلهم على كثير من فئات الشعب السعودي، حيث إن السعودية عندما تآمرت على ابراهيم كانت خائفة من انتشار نظام حكم اليمن الذي أسسه الحمدي والرخاء والعدل الذي ساد البلاد وخشيت من أن ينقلب شعبها عليها.
اليوم .. ما يمارسه النظام السعودي ضد الشعب اليمني ليس إلا استكمالا لحلقات التآمر على اليمن الدولة والشعب والكيان الجغرافيا والانسان فمن اغتيال الحمدي إلى اغتيال شعب الحمدي ومن التآمر على مشروع الحمدي في البناء والتنمية والاستقلال والحرية والسيادة الى التآمر على كل مشروع يحمل بصمات الحمدي او يتفق مع مشروعه او يعمل على استنهاض الشعب اليمني ويرفع شعار الحرية والاستقلال ورفض الهيمنة والتبعية.
وبعد الفشل في تشويه الرئيس الحمدي من خلال جريمة القتل وما رافقها وتبعها من إجراءات وشائعات اتجه المتآمرون الى محاولة طمس كل ما يتعلق بمرحلة الحمدي القصيرة زمنياً الطويلة في الذاكرة الشعبية والممتدة لأجيال فتم تغيير أسماء المشاريع التي كانت تحمل اسم حركة يونيو التصحيحية او أسم الرئيس الشهيد وصدرت التوجيهات بمنع ذكر الرئيس الشهيد في وسائل الإعلام كالتلفزيون الذي بدأ بثه في عهد الحمدي.
والأخطر من ذلك إتلاف الكثير من الوثائق المرتبطة بتلك الفترة سيما أي وثيقة قد تقود الباحثين عن العدالة إلى خيوط المؤامرة التي حيكت ضد البلد باغتيال رئيسه والقضاء على مشروع النهضة والتحديث. في الكثير من المؤسسات الحكومية تم إتلاف الكثير من الوثائق ولم يأت العام الخامس بعد جريمة أكتوبر المروعة إلا وقد أصبح كل من يتطرق الى الحمدي ومرحلته محل شك أجهزة السلطة ولم يُسمح بتداول منشورات عن الحمدي وتناولات إعلامية لمرحلته إلا بعد الوحدة.
الحقد على الرئيس الشهيد الحمدي ومحاولة طمس منجزاته واعماله امتدت للكثير من المشاريع والأفكار والخطط سيما التي تم إقرارها وتنفيذها بعد استشهاده كالمؤتمر الشعبي العام الذي ترأس الحمدي لجنة الاعداد له قبل يوم واحد فقط من استشهاده إضافة الى الخطة الخمسية والى مصفوفة مشاريع كانت قيد التنفيذ وأخرى لا تزال ضمن الملفات التي يعكف الرئيس الشهيد على قراءتها ويتردد على اوراقها للتعديل والاضافة والحذف قبل ان تجد طريقها لتصبح واقعاً ملموساً.
وعلى وقع المطالبات الشعبية والنخبوية بكشف تفاصيل جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه قائد قوات العمالقة عبدالله الحمدي لم تجد سلطة ما بعد 11أكتوبر 1977م إلا الانصياع لهذه المطالب والتظاهر بأنها بالفعل جادة في كشف تفاصيل الجريمة للشعب ولأسرة الشهيدين فصدر قرار تشكيل لجنة تحقيق في القضية برئاسة رئيس هيئة الأركان عبدالله الشيبه وعضوية وزير الداخلية في تلك الفترة محسن اليوسفي وكذلك رئيس جهاز الامن الوطني محمد خميس.
غير أن هذه اللجنة لم يصدر عنها أي تقرير او بيان او تصريح يوضح ملابسات الجريمة وما توصلت اليه الأجهزة الأمنية بل إن الحقيقة تكشف لنا أن اللجنة لم تمارس أي عمل ضمن تخصصها ولم تقم بأي خطوة او تتخذ أي اجراء لتنفيذ ما يقع على عاتقها من مهمة الكشف عن ملابسات الجريمة فقد كان تشكيلها فقط لغرض الاستعراض الإعلامي والظهور أمام الشعب الحزين بمظهر السلطة المسؤولة التي لا يمكن لها ان تفوت جريمة كهذه او تتركها دون تحقيق.
اليوم وبعد أربعة عقود وأكثر من تلك الجريمة لا يزال الكثير ينتظر صدور التقرير ولا يزال ملايين اليمنيين يتطلعون لمعرفة نتائج التحقيق الذي لم يتم, فهل حان الوقت لطي صفحة جريمة 11أكتوبر 1977م بإجراء تحقيق والكشف عن نتائجه للشعب وللعالم.