المستفيدون من تصدير النفط

 

تساءل كل من رؤوف مامادوف، الباحث في سياسات الطاقة بـ«معهد الشرق الأوسط»، وثيودور كاراسيك، زميل أول بـ«معهد لكسينغتون» الأمريكي، عمّن «سيستفيد من الإنتاج المحلي للنفط في جنوب اليمن في ظل سير البلاد نحو التفتت إلى أجزاء صغيرة واحتمالية تحولها إلى دولة فاشلة أكثر من أي وقت مضي»، معتبرين أن ذلك الأمر «سيكون له تأثيراً كبيراً على مستقبل البلاد».

ولفت البحاثان في المقال التحليلي الذي نشره موقع «لوبلوغ» المعني بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلى أنه «وعلى الرغم من أن ثروة اليمن النفطية، لم تقارن أبداً بثروة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن قطاع النفط في هذا البلد الفقير كان مهماً للاقتصاد الكلي، الذي لم يتعافى من النزوح الجماعي لشركات النفط الدولية الكبرى، وتوقف عمليات التنقيب بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1994».

وأشارا إلى أن الإنتاج النفطي في اليمن «وصل ذروته، عندما بلغ الإنتاج اليومي 440 ألف برميل، في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، لكنه سرعان ما انخفض بشكل حاد بسبب نضوب الحقول، وعدم الاستقرار السياسي المستمر في البلاد، حتى وصل 110 ألف برميل يومياً، قبل اندلاع الحرب الأهلية في أواخر العام 2014».

وأوضح الباحثان أن «ما يعيق عودة اليمن لتصدير النفط بشكل اعتيادي، عدم امتلاكها أي بنية تحتية لخطوط الأنابيب عبر الحدود، خاصة مع إغلاق أكبر خط أنابيب للنفط في البلاد منذ تفجيره من قبل رجال القبائل المحليين، وبالتالي فأن اعتمادها سيكون على شحنات الناقلات كخيار وحيد للتصدير»، مبينين أن ذلك «قد لا يسمح بسير العملية بصورة منتظمة، خاصة مع استمرارية سيطرة الحوثيين على الميناء الرئيسي لتصدير النفط في البلاد، وهو رأس عيسى، كما أن اختراق أمن مصافي عدن عدة مرات، يجعل منه غير قابل للتشغيل في الوقت الحالي».

واعتبرا أن «صناعة الطاقة في اليمن، أصبحت الآن تحت أعين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة»، منوهين إلى أنه «وعلى الرغم من أن الرياض وأبو ظبي تحاولان إعادة بناء الجنوب وفقاً لرؤيتهما الخاصة، فإن المسؤولين اليمنيين المحليين لازالوا يستفيدون أيضاً من صادرات الطاقة، بما فيهم محافظي مأرب وحضرموت ومساعديهما، فضلاً عن نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، الفريق علي محسن الأحمر، الذي قام مؤخراً بانتداب أبنائه ليكونوا وكلاء لبيع منتجات الطاقة اليمنية في محافظة مأرب، تماماً كما فعل في العام 2014، عندما قام بوضع هادي جانباً والتفاوض على عقود الطاقة مباشرة مع الصين».

 

 

علي محسن الرجل الأقوى

وبيّن الباحثان أن الصراع الداخلي اليمني «يمتد حالياً إلى الموارد إلى الساحل الجنوبي ذي القيمة المتزايدة، حيث اقترحت حكومة هادي بناء خط أنابيب جديد يسمح لحقول النفط في وسط البلاد بالتصدير عبر ميناء بير علي الجنوبي، حيث من شأن المشروع الذي يعرف باسم (مشروع ترميم بئر علي)، أن يُعيد تأهيل جزء من خط الأنابيب الحالي من ميناء بير علي إلى بلوك 4، الذي سلمته شركة النفط الوطنية الكورية للشركة الوطنية للغاز المسال المملوكة للدولة في عام 2016، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدخل من علي محسن».

ولفتا إلى أن «نائب الرئيس هادي، علي محسن الأحمر، لايزال هو الرجل الأقوى في هذا المجال، حيث يسيطر على الكثير من صادرات النفط الرسمية من اليمن، كما أنه يسيطر أيضاً على وكلاء النفط اليمنيين الرئيسيين في الجنوب، بما فيها شركة بترومسيلة، التي توفر المصدر الرئيسي للدخل للحكومة اليمنية، وبالتالي فإن مسؤولية من سيستفيد عن إيرادات ميناء بير علي، ستؤول في نهاية المطاف إليه».

وكشف الباحثان عن أن صناعة الطاقة في اليمن «لا تزال قيد التشغيل، حيث يتم إنتاج ما يقرب من 44 ألف برميل يومياً، على الرغم من بعدها عن السعة الفعلية»، مشيرين إلى أن «الحرب الأهلية المتعددة الأطراف في اليمن، قد أجبرت الشركات أجنبية على الهجرة الجماعية من حقول النفط، مما أتاح للسياسيين المحليين والأعيان في مناطق الإنتاج، أخذ زمام المبادرة، بالتنسيق مع حلفائهم في بعض الأحيان في الرياض وأبو ظبي».

وختم الباحثان تحليلهما بالقول إنه «نظراً لمسار السياسة في جنوب اليمن، فإن أولئك الذين يملكون صنابير الطاقة، سيكونون هم اللاعبون المحليون المهيمنون في السياسة اليمنية».

 

 

منح «القاعدة» فرصة التوسع

رأت مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، (مؤسسة بحثية)، أن «التدخل الذي يخوضه التحالف منذ ثلاث سنوات، لم يكن عقيماً لتسببه بسقوط ضحايا في صفوف المدنيين وحسب، بل إن تركيزه الطاغي على الحوثيين، منحَ أيضاً تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مجالاً للتوسّع».

ونوهت المؤسسة الأمريكية إلى أنه «وعلى الرغم من الحملة التي يشنّها التحالف الذي تقوده السعودية، بدعمٍ أميركي، على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ أواخر العام 2016، والتي أدّت إلى انسحاب التنظيم من المكلا، فإنه لا يزال يحتفظ بموطئ قدم في اليمن، لا سيّما بفضل تركيز التحالف على الحوثيين في شكل أساسي، واستعداده لاستخدام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حليفاً ضدّهم».

 

 

نجاح مبالغ فيه ومزاعم مضلِّلة

ولفتت إلى أن «القادة العسكريين الإماراتيين، أقروا بأن قواتهم استوعبت، في بعض الحالات، مقاتلين من تنظيم القاعدة، ربما بهدف تعزيز حملتهم ضد الحوثيين، وأشاروا أيضاً إلى أن مقاتلي القاعدة مستعدّون للتعاون مع التحالف، حيث يتلقى على سبيل المثال القائد العسكري السلفي أبو العباس،  في تعز والمدرَج على قائمة الإرهاب الأمريكية، أموالاً من التحالف، وفق ما يقول معاونه ومقاتلون معه».

وأشارت «كارنيغي»  إلى أن «هناك غلواً في تصوير حجم نجاح الإمارات في احتواء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في جنوب اليمن، على الرغم من أن تلك جهودها نجحت في تسديد ضربةً لبعض روابط التنظيم المالية التي كانت تعتمد على السيطرة الإستراتيجية على الموانئ والمراكز المدنية، مدلّلة على ذلك في أوردته وكالة (أسوشييتد برس)، التي قالت في تحقيق استقصائي، إن التحالف وبدلاً من إلحاق الهزيمة بمقاتلي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عمد إلى إبرام صفقات مع التنظيم، كي يغادروا المدن والبلدات الأساسية، وسمحوا لآخرين بالانسحاب مع أسلحتهم ومعدّاتهم ورزمٍ من الأموال المنهوبة».

ووصفت «كرانيغي» الأحاديث الإماراتية، عن حملة ناجحة ضد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، بأنها «مزاعم المضلِّلة على الأرجح، نظراً إلى أن المسؤولين الإماراتيين زعموا زوراً، في أغسطس 2018، أنه لم يتبقَّ في اليمن سوى 20 مقاتل تابعين لتنظيم القاعدة، وذلك خلافاً لتقديرات الحكومة اليمنية التي أشارت إلى وجود 6000 إلى 7000 مقاتل، لا بل إن التنظيم يواصل هجماته في اليمن، منها الاعتداء الذي استهدف، في 28 أغسطس الماضي، نقطة تفتيش عسكرية في محافظة أبين، ما أسفر عن مقتل خمسة جنود يمنيين، كما يُشكّل التنظيم تهديداً محدقاً بمحافظات عدن ولحج وإب وحضرموت جنوب البلاد».

وذهبت المؤسسة الأمريكية إلى القول «علاوةً على ذلك، شنّت الإمارات، في يونيو 2018، عملية عسكرية للسيطرة على الحديدة من قبضة الحوثيين، ولا يبدو أن المعركة ستنتهي قريباً، وفق ما يُظهره تجدّد اندفاعة التحالف للسيطرة على المدينة»، معتبرةً تصريحات وزير الدولة الخارجية للشؤون الإماراتي، أنور قرقاش، وتأكيده على أن الحوثيين «يبقون العائق الأكبر أمام التوصل إلى حل سياسي في اليمن»، يؤشّر إلى أن «التحالف سيستمر في إعطاء الأولوية لاستهداف الحوثيين أولاً في الحديدة، ثم على الأرجح عبر خوض معركة طويلة لاستعادة السيطرة على صنعاء، رغم زعمَ أن قوات بلاده ستواصل أيضاً استهداف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب».

 

 

نجاح في استقطاب المحرومين

وأوضحت «كارنيغي» أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب، يركز بصورة أكبر على الأهداف الداخلية»، مرجعة أسباب نجاحه إلى «إنشاء شبكات مالية، وتكييف إستراتيجيته، بهدف استقطاب اليمنيين المحرومين، بالإضافة إلى التعاون مع الفصائل القبلية المحلية». مضيفة أنه «على الرغم من أن التنظيم لا يزال يطبّق أيديولوجية القاعدة السلفية المتشددة، بما في ذلك فرض قانون جزائي إسلامي في محافظة أبين، وحظر متقطّع على مادّة القات المخدِّرة التي تلقى رواجاً، فإنه غالباً ما يعمد إلى إظهار نفسه بصورة معتدلة بغية كسب ثقة اليمنيين ودعمهم».

وأشارت «كارنيغي» إلى أن «بعضاً من المهمّشين، لاسيما في المحافظات الداخلية، مثل أبين وشبوة، ذات الوصول المحدود إلى موارد الدولة، يرون في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، علاجاً لمعاناتهم»، موضحة أن ذلك «ما يُفسّر كيف اكتسب التنظيم دعماً، ومكّنَه من استقطاب مجنّدين من الفصائل القبلية والسكان المحليين في تلك المناطق، كما أن النفوذ المالي الذي يتمتع به التنظيم، يُتيح له استغلال حالة انعدام الاستقرار في اليمن».

ولفتت إلى أن «التنظيم أستفاد أيضاً من توطيد روابطه مع القبائل المحلية التي تُعارض أيضاً الحوثيين، وتسعى إلى الحصول على الحماية من قبل التنظيم»،  كاشفة في ذات السياق عن أن «التنظيم أقام خلال الحرب، تحالفات مع قبائل مثل العوالق في شبوة، والذهب في البيضاء، والتي يُزعَم أنها ساعدته على التخطيط للعمليات مقابل ضمان أمنها».

واعتبرت المؤسسة الأمريكية أن «شنّ تنظيم القاعدة هجمات متعددة ضد الحوثيين، اعتباراً من العام 2014، مثل الاعتداءات المتكررة على تعز، ساهم في اكتساب التنظيم شعبية في أوساط هذه الفصائل القبلية»، مبينة أن ذلك «لم يكن سبباً فقط، لأن يُنظَر إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أنه مقاومة قابلة للحياة في مواجهة الحوثيين، الذين يرى فيهم السكان المحليون وسط اليمن، تهديداً أمنياً خطيراً، وإنما ولّد أيضاً، انطباعاً بأن التنظيم يؤمّن دفاعاً مذهبياً في مواجهة الحوثيين الشيعة الزيديين، وحلفائهم المحليين».

ورجحت «كارنيغي» أن «يواصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، توسعه في ظل استمرار الدولة اليمنية في التفكّك، وتركّز الفصائل المتناحرة على الحل العسكري بدلاً من الحل الديبلوماسي، واستغلاله للإحباطات اليمنية التي تزداد سوءاً بسبب الحظر الذي يفرضه التحالف، وحملة القصف التي ألحقت أضراراً بالبُنى التحتية للدولة، وساهمت في الأزمة الإنسانية المروّعة التي تتخبط فيها البلاد».

واختمت المؤسسة الأمريكية تحليلها بالتأكيد على أنه «في حال ظلّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يُقدِّم نفسه في صورة الطرف الذي يساهم في استتباب الوضع، واستمر السكان المحليون في النظر إلى الحوثيين بأنهم يشكّلون تهديداً محدقاً بهم، فسوف تكون للتنظيم الإرهابي قاعدة دعم محتمل أكبر حجماً يستند إليها للعودة من جديد إلى الساحة».