يثير طول أمد الصراع في اليمن تساؤلاً عن غياب الحسابات الأمريكية المتعلقة بملف الحرب على الإرهاب، بعدما ظل هذا الملف، إلى ما قبل العام 2015، مصدر قلقٍ كبير للولايات المتحدة، وموجِّهاً لموقفها من أية قضية وأزمة يمنية.

 

على سبيل المثال، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة للاحتفاظ بالرئيس السابق، علي عبد الله صالح، برغم اتساع رقعة الثورة الشبابية السلمية ضده بين العامين 2011 ـ 2012، خشية أن لا تحصل من البديل على ذات الامتيازات التي كانت تحصل عليها من صالح في مجال الحرب على تنظيم «القاعدة»، بحسب وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا.

 

غير أن موقفها تغيَّر كثيراً بعد أن حصلت على وعود من المعارضة اليمنية، التي قادت الثورة الشبابية، بتعاون يفوق تعاون صالح في هذا الجانب، وهو ما تم فعلا، لكن من دون نتائج تُذكر، حيث نفذ التنظيم خلال العامين 2013 ـ 2014 عددا مهولا من العمليات.

 

وعلى ما يبدو، فإن عمليات فرع تنظيم «القاعدة» اليمني، الذي صنفته وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» عام 2010 على أنه أخطر أفرع التنظيم المنتشرة حول العالم، لتمكنه من تنفيذ عمليات عابرة للحدود، لم تكن مقياسا لتنامي قوته، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، على اعتبار أن نشاطه، خلال تلك الفترة، كان محليا خالصا، لهذا فقد تجاوزتْ نتائج الحرب وأشادتْ بالرئيس هادي وأكدتْ أنه أكثر تعاونا من سلفه.

 

ولأجل الاستمرار في العمل مع هادي من دون معوقات في طريق حربه على «القاعدة»، فرض مجلس الأمن والأمم المتحدة، في الفترة ذاتها، عقوبات على الرئيس السابق، بعد اتهام خصومه له بالسعي لعرقلة فترة هادي، وبدعم تنظيم «القاعدة». لكن الأمر تغَّير جذريا بعد أن أطلقت المملكة العربية السعودية، في مارس من العام 2015، عملية عسكرية ضد جماعة «أنصار الله» في اليمن، حيث غاب تماما حديث المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من أن يؤدي استمرار الصراع إلى تنامي قوة «القاعدة»، كما كان يحدث في السابق، بل أعلنوا دعمهم وتأييدهم للعملية.

 

إلى جانب التساؤل المطروح حول غياب الحسابات الأمريكية المتعلقة بملف الحرب على الإرهاب منذ عملية «التحالف»، أثير تساؤل عن إمكانات وقدرات تنظيم «القاعدة»، وعما إذا كان لا يزال يشكل خطرا على المستوى الدولي، خصوصا وأن العمليات التي نفذها خارج حدوده، خلال العامين 2009 ـ 2010، لم تتكرر بنفس المستوى.

 

 

ضربات واختراق

 

في السياق، يرى مصدر مطلع أن قوة تنظيم «القاعدة» تراجعت كثيرا في الأعوام الأخيرة، بسبب الضربات التي تلقاها، عبر الطائرات الأمريكية من دون طيار، وبسبب الاختراق الاستخباراتي.

 

ويضيف المصدر في حديث إلى «العربي»، أن هذين الأمرين حدا كثيرا من قدرة التنظيم على القيام بعمليات نوعية خارج حدوده، حيث اكتفى، عوضا عن ذلك، بالتحريض عن بعد، عبر مجلة «انسباير» الصادرة باللغة الإنجليزية، والتي لم تعد تصدر بذات القوة منذ مقتل القياديين أنور العولقي وسمير خان.

 

ويشير المصدر إلى أن الاختراق الاستخباراتي وصل إلى قمة هرم التنظيم، وكان له تأثيراً كبيراً.

 

ولا يستبعد المصدر وجود مخبرين آخرين في صفوف التنظيم لهم مهاماً أخرى، لأن حجم الاختراق الذي كشف عنه إصدار «الملاحم» الأخير «هدم الجاسوسية»، كان مهولا، على حد تعبيره.

 

ويتابع: «من غير المستبعد أن تكون خلايا الاستخبارات العالمية آخذة وضعية الركود داخل التنظيم، من أجل الحفاظ على أشخاص آخرين، ولمعرفة سياسة التخفي والتدابير الجديدة التي اتخذها بعد الكشف عن خلية المخبرين الرئيسية».

 

مكاسب أكبر

 

وعلى خلاف ما ذهب إليه المصدر المطلع، يعتقد متابعون أن سياسة عدم الاكتراث بملف حرب الإرهاب التي انتهجتها الولايات المتحدة، أخيراً، لها علاقة بالمكاسب التي باتت تحصل عليها من وراء استمرار حرب «التحالف» في اليمن.

 

ويضيف المتابعون، في حديث إلى «العربي»، إلى «جانب عائدات مبيعات السلاح للملكة العربية السعودية، يبدو أن الأخيرة تعهدت للجانب الأمريكي بترويض القاعدة، من خلال إشراكها ضمن صفوف المقاومة الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي»، لافتين إلى أن «القاعدة أكَّدت، في أكثر من مناسبة، وجودها ضمن صفوف المقاومة في 11 جبهة قتال ضد أنصار الله».

 

وبحسب المصادر، «لم تتوقف القاعدة عن تصدير عمليات إلى الغرب فحسب، بل توقفت عن تنفيذ عمليات داخل الأراضي السعودية، برغم أنها نفذت، في العام 2014، أكثر من عملية في منطقة شرورة الحدودية مع حضرموت، وتوعدت المملكة بالمزيد منها».

 

يبدو أن سياسة «القاعدة» العملياتية تغيَّرتْ بشكل عام (على مستوى الداخل والخارج) منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في اليمن بقيادة السعودية والإمارات، بعيداً عن تراجع أو تنامي قوتها.

 

*العربي| رزق أحمد