تهامة اختبار حقيقي لتغلغل الثورة
أنس القاضي
مثّلت تهامةُ الاختبارَ الحقيقيَّ لمدى تغلغل الثورة، ومدى فاعليتها، وتهامة من حيث وضعها الاجتماعي تعتبر أشدَّ المناطق المتضررة من القوى القديمة التي استعبدت الأهالي ونهبت ما يملكون واحتكرت السوقَ الاقتصادي في الواقع اليمني ككل.
فعلى الصعيد النظري يجبُ أن يكونَ أبناء تهامة أَكْثَــرَ المدافعين عن 21 سبتمبر وعن المصالح الجديدة التي تعبّر عنها الثورة، وفي الملموس التأريخي توافقت النظريةُ مع الواقع وتوافق ما هو مفترَضٌ مع ما هو كائن، فعكست الجماهير الشعبيّة الوطنية في الحديدة التي تخرج بمسيرات كبيرة في الشوارع الرئيسية تحت طيران العدوان الحربي والاستطلاعي في ذروة استهداف الحديدة، والتي تقيم الوقفات القبلية المُسلحة في أقرب النقاط إلى الجبهات، وبمحاذاة البحر حيثُ بوارج العدوّ، كُـلُّ هذا يعكس تغلغل الثورة في أوساط أبناء تهامة إلى درجة أَكْبَــرَ مما كانت تتوقع فِي الثورة ذاتها، فللجماهير في كثير من الأحيان إبداعٌ أَكْبَــرُ مما تتوقعه الحركات الثورية وحماسة أشدّ مما يخطر في بال الروائيين.
صمودُ أبناء تهامة وخروجهم بكل تلك المسيرات والوقفات في لحظة حرب لا لحظة تحشيد انتخابي، وفي لحظة بذل الدماء لا استلام الرشوات الحزبية، وتحت نيران العدوّ وحصاره لا في نعيم المخيمات والمعسكرات التي توفرها الأحزاب الحاكمة لقطعانها، كُـلُّ هذا إنّما يُثبت في الملموس التأريخي المُعاش، مدى تغلغُل ثورة 21 سبتمبر بين الجماهير، ومدى فاعليتها الجماهيرية وجبروتها المتعاظم، ويثبت الواقع بأن خَـطّ تطور الثورة ومسار الدفاع عن الوطن يمضي نحو الأعلى متطهراً من كُـلّ ما يعلق به من شوائب ويطبب ذاته، فيما خَـطّ العدوان ومرتزِقته يبتعد عن الجماهير أَكْثَــرَ فأَكْثَــرَ ويشهدُ تصدُّعاتٍ وانقساماتٍ وتملؤه تناقضاتٌ تتفجر في كُـلِّ منعطَفٍ وعندَ كُـلِّ موقف.