تتزايد، يوماً بعد يوم، المؤشرات على تقارب بين «الإصلاح» و«أنصار الله»، عماده ظهور جناح في الأول مناهض لـ«التحالف» وداعٍ إلى التصالح مع «الحوثيين». وعلى رغم الممانعة التي لا يزال يبديها إلى الآن الجناح الآخر، إلا أنّ مصادر «إخوانية» تؤكد لـ«الأخبار» أنه يبارك ضمناً تحركات القيادات الوسطية، فيما تتلقى «أنصار الله» بالترحاب دعوات المصالحة، مبدية استعدادها لتقديم الضمانات اللازمة.

 

بعد ثلاث سنوات ونصف سنة على إعلانه تأييد «عاصفة الحزم»، يجد حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) نفسه اليوم ضحية حسابات خاطئة، وأجندة سعودية – إماراتية لا تتوافق مع أهداف الحزب. لقد تلقّى «الإصلاح» الضربة تلو الضربة، واقتُحمت مقارّه في عدن والجنوب، وقُتل العشرات من أعضائه بعمليات اغتيال تشير أصابع الاتهام بالوقوف وراءها إلى السلفية المتطرفة التي تدعمها الإمارات وتنمّيها. شبح الاجتثاث الذي يواجه حزب «الإصلاح» أفضى إلى تحوّل كبير في مواقفه، وظهور ما صار يُعرف بـ«جناح الإصلاح في تركيا وقطر». قيادات شابة تحظى بتأييد كبير من قواعد الحزب، تناهض التدخل السعودي – الإماراتي في اليمن وترى فيه احتلالاً. الوجه الأبرز في هذا الجناح الناشطة الحقوقية الحائزة «جائزة نوبل للسلام» توكل كرمان، التي دعت أخيراً إلى «مصالحة وطنية مع الحوثيين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية». دعوة أثارت جدلاً واسعاً وتفسيرات متباينة، لكنها قوبلت بترحيب من قِبَل «أنصار الله» التي أعلن القيادي البارز فيها وعضو مكتبها السياسي، محمد البخيتي، استعداد الحركة لتقديم «كل الضمانات الممكنة والعادلة» لبناء الثقة مع «الإصلاح». وتوجّه البخيتي في رسالة مفتوحة إلى الحزب بالقول: «لا تتنصّلوا من المسؤولية بحجة أن قيادتكم محتجزة في السعودية، وقرارها مُصادَر، لأن حل ذلك الإشكال التنظيمي بسيط، وأنتم مكون تنظيمي وحزبي عريق وتعرفونه جيداً»، مضيفاً: «ليس المطلوب منكم ولا منا أي تنازلات، بل المطلوب أن نتوقف عن قتل بعضنا البعض… ونتوصل لسلام مشرّف».

هذا الغزل السياسي بين حزب «الإصلاح» و«أنصار الله» أعقبته تسريبات عن لقاء احتضنته الدوحة أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، جمع الناطق الرسمي لـ«أنصار الله» محمد عبد السلام، والقيادية في «الإصلاح» توكل كرمان، والقيادي في الحراك الجنوبي فادي باعوم، وهو ما نفته كرمان مُوارَبة، قائلة إن «إعلام الإمارات اختلق تهمة وجود حوار سري وتفاهمات بين حزب الإصلاح والحوثيين، ولو أن هناك حواراً وتفاهمات، فهذه مفخرة كبيرة وتُحسب للإصلاح لا عليه». وأضافت: «أتطلع إلى مصالحة وطنية تضم الإصلاح والحوثيين وكافة المكونات اليمنية بما يحفظ لليمن سيادتها واستقلالها في ظلّ نظام جمهوري ديمقراطي عادل».

 

    يتزايد السخط في أوساط منتسبي «الإصلاح» على سياسات «التحالف»

 

 

مرتكزات المصالحة التي استندت إليها مبادرة كرمان اعتبرتها «أنصار الله» عقلانية ومنطقية. وقال عضو «اللجنة الثورية العليا» التابعة للحركة، صادق أبو شوارب، لـ«الأخبار»: «(إننا) جاهزون للتعاطي الإيجابي مع المبادرة، وإن تأخرت، فهي تعبّر عن التيار العقلاني في حزب الإصلاح، وتتلاقى مع تطلعات الشعب اليمني»، مضيفاً أن «الرئيس الشهيد صالح الصماد كان المبادر في الدعوة إلى المصالحة الوطنية في سبتمبر (أيلول) 2017، لكن قيادات الأحزاب المُرتهَنة للرياض وأبو ظبي لم تتفاعل مع الدعوة التي جاءت اليوم من قيادية في حزب الإصلاح، ونتمنى من قيادة حزبها أن تتحلّى بالشجاعة وتعود إلى اليمن لإقامة مصالحة وطنية». وأشار إلى أن «أنصار الله وحزب الإصلاح في محافظة عمران غلّبا المصلحة الوطنية، ووقّعا العام الماضي معاهدة للحفاظ على السلم المجتمعي والاصطفاف في وجه العدوان».

وإلى جانب تلك الاتفاقات الموضعية، برزت مؤشرات سياسية وإعلامية عدة إلى تقارب بين الطرفين قابل للتطور. ففي وقت حُكي فيه عن لقاءات جمعت قيادات من «أنصار الله» و«الإصلاح» في تركيا، سُجّل تحوّل واضح في خطاب القنوات الفضائية التابعة لـ«الإصلاح» خلال الشهور الماضية، حيث تلاقت مع القنوات التابعة لـ«أنصار الله» في إبراز جرائم النظامين السعودي والإماراتي، والتشهير بمشاريعهما التوسعية والتدميرية. كذلك إن ظهور القيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي، قبل أيام، لأول مرة على قناة «بلقيس» التي تبثّ من أنقرة، مثّل تطوراً لافتاً عدّه مراقبون مقدمة لتقارب أكبر وأكثر وضوحاً.

مقدمة يرفدها تصاعد السخط في أوساط منتسبي «الإصلاح»، الذي يقول النائب عنه في البرلمان، شوقي القاضي، لـ«الأخبار»، إن «التحالف السعودي الإماراتي انحرفت أهدافه في اليمن، وتكشّفت أجندته الخفية باحتلال الجزر، وقضم الأراضي، والسيطرة على الموانئ، ونهب الثروات… ومن العار أن نظلّ صامتين تجاه هذا الاستعمار الجديد المتلبّس عباءة إنقاذ اليمن». وعن موقفه من دعوة كرمان إلى المصالحة، أجاب: «الحوثيون يؤمنون بالسلاح، ولا يمتلكون الذكاء السياسي، ولا يدركون أهمية المصالحة، مع أن وصول البلد إلى الانهيار الشامل يحتّم عليهم وعلى غيرهم الاقتناع بأن الحل لن يكون إلا يمنياً، وأن الرهان على الخارج أو القوة لن يضمن البقاء لأي مكون، ومهما طالت الحرب، فلا بد من العودة إلى الحوار».

تحالفات جديدة

ابتعد حزب «الإصلاح» كثيراً عن «التحالف» ليقترب بمواقفه من «أنصار الله». ولم تعد البيانات الصادرة عن قيادة الحزب المقيمة في الرياض، والتي تعيش عزلة حقيقية عن القيادات الوسطية وقواعد الحزب، تجدي في إخفاء النفاق السياسي الذي تمارسه. قيادي في حزب «الإصلاح» في محافظة تعز، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، قال لـ«الأخبار»، إن «رئيس الحزب محمد اليدومي، والأمين العام للحزب عبد الوهاب الآنسي، وبجانبهما مجموعة من القيادات يعيشون في الأسر لدى السلطات السعودية، ومنذ أكثر من عامين وهم تحت الإقامة الجبرية في فنادق بالرياض وجدة، وإذا سُمح لهم بتحركات محدودة أو عقد لقاءات، فإن وحدة من قوات الأمن السعودي ترافقهم». وأكد القيادي في الحزب أن «اليدومي والآنسي يباركان في السر أداء ومواقف شباب وقيادات الإصلاح المقيمة في قطر وتركيا وماليزيا وكل القيادات في الداخل اليمني»، كاشفاً عن «صفقات جرت بين قيادات عسكرية منتمية إلى الإصلاح وقيادات ميدانية من الحوثيين بعيداً عن تدخل قيادة القوات المشتركة، جرى بموجبها تبادل عشرات الأسرى وجثامين قتلى من الطرفين في مأرب والجوف وتعز». وأشار إلى أن «القيادات العسكرية المنتمية إلى الإصلاح، وكذا قيادات المقاومة الشعبية، فقدت كامل الثقة في الإمارات والسعودية، ولم تعد ترى في القتال ضد الحوثيين أي قيمة، وأن جميع المنتمين إلى الإصلاح هم اليوم على قناعة بأن أبو ظبي والرياض قاتلتا بشباب الإصلاح وقادته، وهما اليوم تقتلانهم وتنكّلان بهم… وكل ذلك لتمكين فلول نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح من العودة إلى السلطة».

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، علي السقاف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الخلافات بين الإصلاح والحوثيين خلافات عقائدية، ولكن في السياسة لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون. فحزب الإصلاح صار في مرمى سهام الإمارات والسعودية، ومنذ اقتحام قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات معسكرات الحزب في عدن بدأ تبادل الضرب تحت الحزام، وتنامت الحرب غير المعلنة، وجُمّدت جبهات القتال التي يسيطر عليها الإصلاح في الجوف ومأرب، كذلك حرف الإصلاح بندقيته في تعز من خنادق القتال ضد الحوثيين إلى قتال السلفيين التابعين للإمارات». ولفت إلى أن «قطر عادت إلى الساحة اليمنية بقوة منذ بداية العام الحالي لتصفية حساباتها مع الرياض وأبو ظبي»، مؤكداً أن «الدوحة ستدفع حزب الإصلاح إلى تقارب جدي مع الحوثيين، وأن خريطة التحالفات ستشهد تغيراً كبيراً في الشهور القادمة».